العدد 4808 - الخميس 05 نوفمبر 2015م الموافق 22 محرم 1437هـ

وقفة للتأمل في ثقافة السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

سلوك غير حضاري شهدناه على ساحل قرية باربار صباح الإثنين (2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015) لفتاة في عمر الزهور، كانت واقفة خلف مركبتها وهي تُفرغُ حمولتها من الكراسات والأوراق التي أخذت تتطاير على الشريط الساحلي والمنازل القريبة والتسبب في تشويه جمال المكان.

الجميع يتفق على أن ذلك سلوك غير مسئول، ومن الطبيعي أن يبدي المجتمع معارضته لهكذا سلوك، ذلك ما دفعنا إلى التوجه الى الفتاة وتوجيهها بأدب ودعوتها إلى أن تعيد جمع ما رمته من مخلفات وإلقائها في حاوية القمامة المتواجدة بالقرب من الساحل، وحرصنا على الاشارة الى ان تصرفها يعاقب عليه قانون المرور الجديد، بيدَ ان توجيهنا أثار غضبها وأغلقت باب المركبة بقوة تعبيراً عن احتجاجها ومعارضتها لما أبديناه من ملاحظة.

الحالة شهدها عدد من مرتادي الساحل وجرى إثارة الموضوع عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وتفاعل مع الحدث المجتمع المحلي في باربار، وفي سياق الحوارات أفاد أحد المشاركين في الحوار بأن الفتاة راجعت تصرفها بعد توجيه الملاحظة، وعادت وجمعت ما رمته وألقته في حاوية القمامة، وذلك سلوك تشكر عليه، ويمثل مؤشراً مهمّاً ينبغي قراءة فعله الايجابي والاستفادة من مؤشراته في البرامج التربوية لبناء السلوك الاجتماعي الرشيد.

السلوك غير الرشيد في العلاقة مع نظافة المحيط البيئي للانسان لا يتوقف عند محددات هذه الحادثة، إذ إن المخالفات وانعدام الالتزام بمحددات قواعد النظافة العامة وإلقاء مخلفات البناء والزجاج على السواحل وفي الطرقات والأماكن العامة ورمي بقايا الأطعمة وعلب المشروبات وأعقاب السجائر من شبابيك المركبات الى جانب العبث بالممتلكات العامة وتكسير ألعاب الأطفال، ومقاعد الراحة المتواجدة على السواحل، ورميها في المياه البحرية ظاهرة مؤسفة، ذلك ما جرى تناوله حديثا في صحيفة «الوسط» البحرينية في يوم الأربعاء (21 أكتوبر/ تشرين الأول 2015) في موضوع «شاهد الصور... أهالي باربار يطالبون بالمحافظة على المرافق العامة بساحل القرية» وكذلك بتاريخ الأربعاء (28 أكتوبر 2015) في موضوع «خارج السيطرة... مخلفات وأنقاض البناء تتحدى القانون».

المجتمع المحلي بمختلف أطيافه يرفض هكذا ممارسات، وتعليقاً على ما جرى، اشارت الباحثة في الشئون الاجتماعية هدى المحمود الى أن «سلوك بعض الناس وصل إلى درجة غير مسبوقة من الجهل البيئي واللامبالاة، وهذا أخطر من ظاهرة النينو!، البشر هم من سيدمر هذا الكوكب وينهيه».

من جانبه رجل الدين الشاب السيد ميثم المحافظة اشار الى ان «رسول الله (ص): قال النظافة من الإيمان. وقبل أن تكون ثقافة الاهتمام بنظافة البيئة ثقافة دينية، فهي ثقافة انسانية حضارية، تنم عن وعي المجتمع بقيمة ثرواته الطبيعية،هل نحتاج إلى حملة توعوية وهزة اعلامية لنقول للناس اهتموا بجمال الطبيعة من حَولكم!. فإذا ما أردت قياس التحضر والنظافة في المجتمع فانظر مدى استجابة أفراده الحريصين على جمال طبيعته).

وقال عضو جمعية البحرين للبيئة ناصر عباس من (الواضح أنها مشكلة وعي وخاصة أن الأوراق يمكن اعادة تدويرها وتوجد حاويات مخصصة لجمعها، فلماذا يصر هؤلاء الناس على رمي الأوراق والكتب القديمة في البحر؟ لو كانوا واعين بما يكفي لما قاموا بذلك، والمختصون بمجال البيئة قد بذلوا مجهوداً في التوعية، لكن يبدو أن هنالك فئة عديمة الاكتراث، ما يجب وضع عقوبات مشددة وغرامات مالية للحد من هذه الظاهرة».

الناشطة البيئية نادية حنين عبرت عن رأيها بالقول «يا ريت كل أولياء الأمور حريصين على سلوكياتهم وتصرفاتهم أمام أبنائهم. كم من أب وأم يفتحان نافذة سيارتهما ويرميان كيس السيارة مليئا بالزبالة! دون مراعاة التأثير السلبي على أبنائهما وعدم احترامهما للشارع العام وزيادة العمل على العامل المسكين الذي ينظف بدون كلل ولا ملل الشوارع رغم الجو الحار».

ورأى نائب رئيس جمعية البحرين للبيئة سعيد منصور أنه «للأسف سلوك اللامبالاة، وهو نتيجة سوء التربية، سواء في البيت وكذلك المجتمع ثم المدرسة، ثلاثة عناصر تقع عليهم المسئولية في توجيه السلوك تجاه البيئة، فالتوجيه نحو صيانة الموارد الطبيعية مفقود في المجتمعات الشرقية، إذ إن التبذير والاسراف وعدم المبالاة سلوك توارثناه وتعلمناه من مجتمعاتنا».

العبث بالممتلكات العامة محطُّ ما جرى تسجيله من مرئيات، الباحث في الشئون الاكاديمية جاسم المحاري يتساءل «كراسي الأسمنت، سلال المهملات الأسمنتية، ألعاب الأطفال، ما ذنبها كي تكسر وتعطب وبعد ذلك ترمى في البحر! نعتقد أن كل الفعاليات المجتمعية على عاتقها مسئولية الحفاظ على الممتلكات العامة، وعلماء الدين يستوجب عليهم استغلال المناسبات الدينية لأجل المرمى ذاته».

القائم بأعمال مدير إدارة السياسات والتخطيط البيئي سوزان عجاوي رأت أن «ثقافة المحافظة على البيئة والممتلكات العامة ثقافة ضعيفة في المجتمع والأمر يحتاج إلى آليات مراقبة ومتابعة من قبل الجهات المعنية بالدولة تحتوي على أدوات حفز وعقاب كما أن المؤسسات الدينية يجب أن توجه وبشكل أقوى نحو تعزيز هذا السلوك».

ويذكر الباحث في الشئون الدستورية علي البحار «طبعا بلا شك ان مثل هذا التصرف يشكل انتهاكاً لحقوق الآخرين بالتمتع بساحل نظيف، إلا أن المجتمع للأسف لايزال يحتاج إلى مزيد من التوعية في مجال حماية الممتلكات العامة والحفاظ على جمالها وديمومتها والاعتراف للآخرين بحقهم في الاستفادة من هذه الحقوق».

ويبقى السئوال قائما، ما الذي ينبغي فعله لتغيير واقع الحالة القائمة؟

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4808 - الخميس 05 نوفمبر 2015م الموافق 22 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 5:49 ص

      دكتور شبر شكرًا لكم

      نشكر الدكتور شبر لإثارته المواضيع التثقيفية ونطالبه بتسليط الضوء على ثقافة احترام الرأي الاخر حيث ان فئة من المجتمع غير مدركة باهمية الاختلاف في الرأي

    • زائر 2 | 5:02 ص

      ثقافة البلد مثل الام المربي 2

      تتمة 2
      ما هو السبب
      السبب احترام القانون والثقافة المحيطة هي التي تفرض على كل احترام تلك الانظمة والقوانين
      الدولية هي من نتشر الوعي وتجعله ثقافة احترام القانون امرا بديهي
      للاسف تزور الكورنيش الصباح تجده جميل ونظيف وتعاود زيارته بعد الظهر لا تجد فيه مكانا لائق للجلوس وهو هو المكان في الصباح

    • زائر 1 | 5:00 ص

      ثقافة البلد مثل الام المربي

      فلو ان هذه البنت او ذلك الشاب كانوا في رحلة اوروبية او امريكية ولمدة أسبوع هل ستتعامل مع علبة البيبسي او غيرها مثل ما تتعامل في بلادها هل ستلقيها ارضا او تشوه مكان التنزه او ترمي من نافذة السيارة مثل ما تفعل او بفعل في بلادها اكيد لا
      ما هو السبب
      السبب احترام القانون والثقافة المحيطة هي التي تفرض على كل احترام تلك الانظمة والقوانين
      الدولية هي من نتشر الوعي وتجعله ثقافة احترام القانون امرا بديهي

اقرأ ايضاً