العدد 4836 - الخميس 03 ديسمبر 2015م الموافق 20 صفر 1437هـ

الثقافة البيئية للطفل... أثرها في بناء السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

قطاع الطفولة مقوم رئيس في المنظومة الاجتماعية، وإن الاهتمام ببناء قدرات فئة الأطفال المعرفية وثقافتها البيئية يعد مدخلاً مهماً ورئيسياً لبناء القوة الفعلية في التغيير البيئي وتحسين السلوك البشري في العلاقة مع معالم النظام البيئي، وذلك مؤشر استراتيجي ينبغي الأخذ بمحددات أبعاده للتمكن من تحقيق جودة المنجز في تعزيز فاعلية أهداف التنمية المستدامة.

فئة الأطفال تشكل القاعدة الرئيسية التي تعتمد عليها عملية التطور الحضاري للمجتمعات، وإن تدعيم قدرات هذه الفئة الاجتماعية المهمة، فكرياً وثقافياً، وتوسيع دائرتها المعرفية، يساهم بشكل فعلي في تكوين القاعدة الصلبة لبناء الجيل القادم وتنشئته تنشئة سليمة، ليكون قادراً على تحمل أعباء المسئولية في إدارة وتوجيه وقيادة المجتمع بشكل واع ومتعقل في تعامله مع مختلف الظواهر والمتغيرات، وتساهم في تنظيم وصقل مفاهيمه الخاصة بعلاقاته بالأشياء والمعالم المحيطة به، وتقنين نشاطاته المختلفة في اتجاهاتها وأهدافها.

إن التكوين الثقافي للطفل هو عملية تطوير تدريجي كما هو عليه الحال في مسيرة التطور المراحلي والتاريخي لحضارة المجتمعات البشرية، فهي تتشكل نتيجة التراكم المعرفي للطفل في سياق مراحل نموه، إذ يجري في إطارها اكتساب العادات الأسرية في مراحل نموه الأولى، والتقاليد الاجتماعية والقيم الدينية الدارجة في محيطه الاجتماعي في مراحل نموه الثانية، والتعليم واكتساب المهارات والمعارف في مراحل نموه الرابعة، واكتساب الثقافات وتكوين الرؤى والأفكار وتحديد الاتجاهات والمفاهيم في المراحل المتقدمة من نموه كطفل، ودخوله المرحلة الأولى من نموه كشاب.

ومن الطبيعي أن تكون لكل مرحلة من مراحل نمو الطفل خصوصياتها، ومرتكزاتها التربوية، وتشكل في مكوناتها مختلف التفاعلات الفكرية والثقافية والعادات والتقاليد الاجتماعية والتراثية والموروث الحضاري، والقيم الدينية، والخطط والبرامج العلمية والتعليمية والتثقيفية والتربوية المختلفة في جوهر مضمون أهدافها ومحتوياتها، والتي تهدف في تكوين قاعدة الطفل الثقافية، وتشكل الثقافة البيئية أحد أبرز جوانبها حداثة.

وفي سياق معالجة منهجيات مراحل تكون ثقافة الطفل من الضروري استدراك أهمية كل مرحلة ودورها التكاملي في تكوين ثقافة الطفل على رغم الاختلاف في خصوصياتها، إذ أن كل مرحلة من مراحل نمو الطفل تشكل مرحلة نمو تمهيدية للأخرى، فالأسرة تمثل بدايات تلك المراحل، وتؤسس المقومات الرئيسة لتكوين ثقافة الطفل، وعليه تعتمد مراحل نمو الطفل واكتسابه للسلوك والعادات، وتساهم في إطار تلك المراحل، وبشكل تفاعلي، البرامج التأهيلية لحضانات الأطفال، كما أن المؤسسات والمنظمات الاجتماعية، والمؤسسات التربوية والتعليمية والأخرى بمختلف اتجاهات أهدافها واستراتيجياتها، تتفاعل ضمن قطب واحد في تكوين معارف وسلوك ومهارات الطفل وبنائه الثقافي ومنظومة سلوكه.

وفي إطار ذلك الفهم والرؤى في فلسفة تنمية ثقافة الطفل، فإنه من الطبيعي عند دراسة أو معالجة قضايا ومرتكزات تكوين الثقافة البيئية للطفل، أن يجرى استدراك مؤثرات مختلف الظواهر الاجتماعية والتربوية، والاستراتيجيات التربوية، وبرامج الإدارات البيئية، ووسائل الاتصال الاجتماعي والإعلام بمختلف وظائفه في تنمية الثقافة البيئية للطفل.

المنهج العملي لتكوين الثقافة البيئية للطفل يرتكز على منظومة من المحددات والأساليب الموجهة وتتحدد في اتجاهين رئيسين، ويتمثل الاتجاه الأول في توضيح وزرع الفكرة في المرحلة الأولى والاتجاه الثاني في مقارنة الأفضليات والمخاطر باستخدام طرائق عرض الصور والمناظر. وتتمحور وظائف الاتجاه الثاني في اتباع منهج توضيح سلوك التعارض مع القيم الحضارية والدينية والأخلاقية وأمن وسلامة الإنسان، والتعريف بالأبعاد الخطيرة للممارسات السلبية والسلوك الفردي والاجتماعي غير الرشيد إلى جانب النشاطات الإيجابية وأثرهما المتباين على الأمن الاقتصادي والغذائي والصحي والأمن الاجتماعي والوطني.

وبالتوافق مع مهام ووظائف ذلك المنهج ينبغي قراءة محددات علاقة تنمية الثقافة البيئية للطفل بالظواهر الاجتماعية والتربوية، وذلك يتطلب تشخيص محددات أثر الأحداث والظواهر الاجتماعية على تكوين ممارسات وسلوك الطفل البيئية وثقافته وفهم طبيعة العلاقة مع معالم المحيط البيئي.

إن صناعة ذلك المنجز يرتبط بشكل فعلي بمدى جدوى الاستراتيجيات التربوية في تنمية الثقافة البيئية للطفل المرتكزة على مناهج التربية البيئية والبرامج التعريفية والمعرفية في الشأن البيئي للحضانات والمدارس، التي ينبغي أن تضع في الاعتبار منهج التدرج في تعريف الطلبة بالقضايا البيئية والاستفادة من برامج المحاضرات وورش العمل والأنشطة المدرسية في تعميم الثقافة البيئية.

خطط التوعية والتثقيف البيئي للإدارات البيئية محور مهم في تنمية الثقافة البيئية للطفل، ويمكن أن تساهم في إحداث تحول نوعي في بناء السلوك البيئي الرشيد لقطاع الطفولة، وتتمثل في برامج السلطات البيئية المختصة والمعنية التي تحرص على تضمين برامجها بخطط تنظيم الندوات والمحاضرات والمهرجانات والمناشط المختصة في مجال التوعية وبناء القدرات البيئية، وإعداد البرامج التلفزيونية والإذاعية إلى جانب إصدار المجلات والنشرات والمطويات الخاصة بنشر المعارف والثقافة البيئية.

المنظمات الأهلية الناشطة في المجال البيئي هي الأخرى تحرص على تقديم مساهماتها في تنظيم الأنشطة المتنوعة في تنمية الثقافة البيئية للطفل إذ تعمل على المساهمة في دعم المشروع الوطني البيئي وتنظيم المهرجانات وتحفيز المجتمع المحلي للمساهمة في حملات التنظيف والتوعية بأهمية الحفاظ على المعالم البيئية وتفعيل الأنشطة المدرسية في المناسبات البيئية إلى جانب دعم الخطط الإعلامية في مجال التوعية البيئية.

وللإعلام أدواته النافذة في تعميم الرسالة البيئية إذ تساهم البرامج التلفزيونية والملاحق التي تعنى بالثقافة البيئية للطفل في تنمية الوعي وبناء السلوك القويم لقطاع الطفولة.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4836 - الخميس 03 ديسمبر 2015م الموافق 20 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً