العدد 4868 - الإثنين 04 يناير 2016م الموافق 24 ربيع الاول 1437هـ

وفي العراق «لسّة البهجة ممكنة»...

رضي السماك

كاتب بحريني

كل عام وأنتم بخير... يتربع الشعب المصري بلا منازع على رأس شعوب العالم في الفكاهة والنكتة والمرح حتى في أحلك وأقسى الظروف المعيشية والسياسية، وهذه الميزة تمده بطاقة جبارة متجددة من الصبر وتقوية الصمود والمعنويات ما أن يخيّم شبح اليأس المكتوم بعبارة «مفيش فايدة». وعلى خطى أشقائهم المصريين، انجذبت شعوب عربية في السنوات الأخيرة، ومن ضمنها بعض شعوبنا الخليجية، إلى هذا النوع من السلاح المعنوي لشحذ الهمم والآمال ومقاومة اليأس والقنوط من إمكانية التغيير، ولا يشذ الشعب العراقي عن أشقائه الشعوب العربية في تجريب هذا السلاح، لإثبات توقه إلى الفرح والحياة الجميلة على رغم ما يُعرف عنه بأنه أكثر هذه الشعوب ثروةً في مخزون الحزن التاريخي الطويل المتراكم وتتابع الأحداث والمآسي الجسام، حتى لا يكاد المستمع يُفرّق بين مقامات ومواويل أغاني أفراحه عن مقامات ومواويل أغاني أتراحه، ولا هذه وتلك عما يُنشد أو يُزجل أو يُهزج في مناسباته الدينية.

إن صناعة الابتسامة أو الضحكة وسط مناخ سوداوي من اليأس وطوفان من الأحزان بفعل الكوارث السياسية والدينية المتصلة لهو سلاح جبار في أيدي الشعوب؛ لأنه يشحن طاقاتها المعنوية بالأمل ريثما تحين اللحظة المناسبة لتفجر براكين غضبها المكتوم وهذا ما لا يفهمه أعداؤها الاستبداديون بمختلف أنظمتهم قاطبة.

ووسط الظلام الدامس المخيّم على وادي الرافدين تتملكك الدهشة لقدرة شعبه على أن يقتنص سويعات من الفرح والبهجة وأنت تمعن النظر في ثلاث صور نشرتها تباعاً «الوسط «: الصورة الأولى جاءت من واحدة من أكثر المدن العراقية محافظة في عاداتها وتقاليدها الدينية، ألا هي مدينة النجف الأشرف، إذ يظهر لنا فيها أحد المحلات التي تبيع لوازم أعياد الميلاد مشاركة مع كل شعوب العالم في الاحتفال بهذا العيد العالمي، من دون أية حساسية دينية (الوسط 18 ديسمبر/ كانون الأول الماضي)، والصورة الثانية، جاءت غاية في الجمال مفعمة بالدلالات الحضارية، إذ تظهر فيها فتيات مشاركات في مسابقة اختيار ملكة جمال العراق أمام بوابة عشتار في جنوب بغداد وقفن بملابس محتشمة (من دون مايوهات) في خلفهن جدارية البوابة الزرقاء بنقوشها البابلية الجميلة (الوسط ، 20 ديسمبر / كانون الأول الماضي)، والصورة الثالثة للفتاة الفائزة شيماء قاسم متوجةً بتاج الفوز وهي تبتسم برزانة ابتسامة الفرح والأمل (الوسط ، 21 ديسمبر/كانون الأول الماضي).

في واحدة من قصائده الجميلة المعبرة التي كتبها شاعر العامية المصرية الراحل الكبير أحمد فؤاد نجم وغنّاها رفيق دربه المرحوم الشيخ إمام عيسى يعبر فيها عن عشقه لوطنه في عهد السادات الذي سجنه مرات عدة: « ممنوع من السفر... ممنوع من الغنا... ممنوع من الكلام... ممنوع من الاشتياق... ممنوع من الاستياء... ممنوع من الابتسام... وكل يوم في حُبك تزيد الممنوعات... وكل يوم بأحبك اكتر من اللي فات»، وفي أواخر التسعينات وفي واحد من أجمل أفلام المخرج الكبير يوسف شاهين «المصير» الذي ينتقد فترة من الغلو الديني تخللت العصر الأندلسي إبان حرق كُتب الفيلسوف الكبير اُبن رُشد والتضييق عليه، يغني الفنان محمد منير من كلمات كوثر مصطفى: «علّي صوتك بالغنا لسّة الأغاني ممكنة... ولو في يوم راح تنكسر لازم تقوم واقف كما النخل باصص للسما.. ولا انهزام ولا انكسار ولا خوف ولا حلم نابت في الخلا».

وإذ نُحيي شعبنا العراقي العظيم في ملحمة صموده المُبهرة وسط ظلام الارهاب فكأننا نسمع لسان حاله على الطريقة المصرية يلهج متحدياً الظلاميين والتكفيريين بالقول:

«ولسّة البهجة ممكنة».

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4868 - الإثنين 04 يناير 2016م الموافق 24 ربيع الاول 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:51 ص

      لولا لحظات البهجة والفرح لكانت دنيانا خالية من المغزى والأمل . . صباحك بهجة أستاذ رضي . . ومشكور على هذا المقال الرائع

اقرأ ايضاً