العدد 4871 - الخميس 07 يناير 2016م الموافق 27 ربيع الاول 1437هـ

من المسئول عن الحروب ... السياسة أم الجغرافيا؟

رضي السماك

كاتب بحريني

بوجه من الوجوه يشبه الجدل الدائر حاليّاً على الساحة الفكرية العالمية حول مسببات الحروب، الجدل الذي دار حول النظرية الاقتصادية المالتوسية، وإذ لا يتسع المقام هنا لشرحها بلغتها الاقتصادية الجافة، كما درسناها في مادة «الاقتصاد السياسي» على يد استاذها الكبير رفعت المحجوب الذي اغتالته جماعة دينية متطرفة 1990 في القاهرة، فيمكنني تبسيطها باختصار شديد بحسب صاحبها مالتوس ( ت 1834) بأن تناقص الغذاء والجوع يعود إلى الانفجارات السكانية، وهذه بدورها تؤدي إلى الحروب. ومنذ وفاة صاحب هذه النظرية ظل الجدل بين الرافضين والقابلين لها يتجدد، وكان أبرز الرافضين لها في القرن الفائت المعارضين لتحديد النسل من الكتّاب والباحثين اليساريين والاسلاميين على السواء، كل من منطلقات متباينة، ومن المفارقات أنه في الوقت الذي تصدى لها بالرفض الشديد أساتذة ومنظّرو الاتحاد السوفياتي السابق الذين اعتبروها اداة لتزييف وعي الطبقات الفقيرة لتبرئة مستغليها الرأسماليين الذين يقفون وراء بؤسها، فإن الصين الشيوعية المعروفة بأنها الدولة الاولى في العالم معاناة من الانفجار السكاني لم تجد قيادتها الجديدة مناصاً بعد رحيل ماوتسي تونغ من تبني سياسة الحد من المواليد بمعدل مولود واحد لكل اُسرة لضبط انفجارها السكاني ( 1,3 مليار نسمة) وقد أعلنت في خريف العام الماضي مراجعة هذه السياسة وتحديد الإنجاب لكل اُسرة بطفلين.

في الآونة الأخيرة برز مُنظّرون غربيون، منهم الرئيس الأميركي أوباما نفسه، ووزير الشئون الخارجية والتنمية الدولي الفرنسي لوران فابيوس ذهبوا إلى أن الكوارث الطبيعية، كالجفاف والفيضانات، هي التي تؤدي إلى إشعال الحروب والنزاعات الاقليمية، بل حتى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أرجع هو الآخر نزاع دارفور إلى الجفاف، وكان من تصدى ناقداً تفسيره بشدة مدير الأبحاث الاستراتيجية الفرنسي بروتو ترترييه بأن مثل هذه الآراء التي يساند بها بان كي مون مفسري اندلاع الحروب انما تعفي مشعليها من المسئولية، وكذلك مجرمي الحروب ومرتكبي المجازر خلالها، فالجفاف ضرب بعض أراضي سورية أواخر العقد الماضي وليس مطلع العقد الحالي، كما لم يكن هناك اي جفاف في الساحل الافريقي في السبعينات غداة اندلاع نزاعات مسلحة في تلك الفترة.

في دراسته الرائدة « تحدي الحرب... قرنان من الحروب 1740- 1974» أحصى غاستون بوتول، الباحث في المعهد الفرنسي لعلم الحرب 360 نزاعاً مسلحاً رئيسيّاً في العالم وقعت خلال قرنين محللاً عوامل عدة متشابكة لاندلاعها؛ لكن لم يغب العامل البشري بصفته على رأس تلك العوامل مجتمعة وتحديداً العامل «الجيوسياسي»، ومما قاله على لسان الحرب في نقده المبطن لمشعليها: «أنا اُم جميع الأشياء، أنا القوة العظمى التي تكوّن المجتمعات وتغيرها، أنا الوسيلة الأكثر قدرةً لهذه المجتمعات لكي تعبر عن نفسها، إن محكمة التاريخ تحكم العالم وتسوّيه، أنا أصنع الآلهة والملوك، والسادة والعبيد، أنا أفتتن الانسان، والسلم نفسه يعيش في ظلال فتنتي» ، ثم تستطرد الحرب متباهية بعظمة شرورها: «أستطيع أن أدفع الأخ ضد أخيه حتى الموت، وأستطيع أن أقتلع الآلاف أو الملايين من الأطفال من أحضان ذويهم، والأزواج من زوجاتهم، مع تمجيد تضحياتهم... وإني إذ أتصرف بحياة الملايين من البشر، حين أطلق العنف من إساره، أكون، بلاشك، سبب الموت».

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4871 - الخميس 07 يناير 2016م الموافق 27 ربيع الاول 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً