العدد 4873 - السبت 09 يناير 2016م الموافق 29 ربيع الاول 1437هـ

الرصاصة الأخيرة

جميل المحاري jameel.almahari [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

منذ أن بدأت الحروب والصراعات على الأرض والأبرياء هم من يدفعون ثمن الأخطاء العظمى، لا فرق إن كانوا هم القتلى أو القاتلين، العامل المشترك بينهم أن أحدهم لا يعرف الآخر وليست هناك عداوة شخصية أو ثأر بائن بينهم، ولا توجد أي مصلحة لأي منهم في أن ينهي حياة الآخر، في ظروف مختلفة، وربما في حياة مختلفة كان يمكن للقاتل أن يكون صديقاً للمقتول، أو جاراً، أو ربما يعطيه الأفضلية على نفسه بأن يفسح له المجال ليتقدم عليه في الصف في السوبرماركت، هذه هي الطبيعة السوية للبشر.

لا يمكن لإنسان أن يستبيح دم إنسان آخر لا يعرفه، وأن يتحول لوحش كاسر، ويتخلى عن جميع القيم الأخلاقية والإنسانية والدينية، إلا في الحروب والصراعات المذهبية والأثنية... وكل ذلك لا يمكن فهمه حتى الآن.

حتى الآن ورغم جميع الدراسات والأبحاث العلمية، لم يتمكن أحد من تفسير كيف يمكن أن يتحول الإنسان الوديع لآلة قتل «فالبندقية ليست هي من تقتل الإنسان وإنما الإنسان هو من يقتل الإنسان».

بالطبع هناك من يدرب ويؤهل ليصل إلى هذه الحالة التي يفقد فيها جزءاً من إنسانيته، ولكن هل يمكن للتدريب أن يجعل من الإنسان مجرد مسخ لتنفيذ أوامر بالقتل.

منذ فترة بعيدة شاهدت فيلماً سينمائياً بشأن الحرب العالمية الثانية، كان ذلك بالصدفة، وكان الفيلم مدبلجاً باللغة الروسية، وعلى رغم بحثي المستمر عن هذا الفيلم الذي يمكن أن يغير مفاهيم الملايين من الناس بشأن نظرتهم لجدوى الحروب إلا أنني لم أوفق حتى الآن في الوصول إليه عبر شبكة الاتصالات العالمية، ربما لأن هنالك من يتعمد إخفاءه عن الناس.

كان اسم الفيلم «الرصاصة الأخيرة» وهو يحكي قصة اثنين من المحاربين خلال الحرب العالمية الثانية ظلوا أحياء وفي مواجهة أحدهما الآخر في غابة نائية غير مهمة إطلاقاً في سير الحرب بعد أن قتل جميع الجنود المرافقين لهما في الكتيبة.

لقد وجد الجنديان العدوان، الأميركي والياباني نفسيهما محاصرين في هذه الغابة الصغيرة بحيث لا يمكن لأحدهما العيش دون أن يقتل الآخر، وبذلك تحولت الحرب بين دول الحلفاء ودول المحور إلى مجرد حرب بين جنديين، وإستمرت هذه الحرب لأسابيع طويلة دون أن يعلما أن الحرب قد انتهت بعد هزيمة دول المحور واستسلام اليابان.

خلال هذه الأسابيع الطويلة لكليهما، أصبحت بينهما رابطة روحية وإن كانت عن بعد، فقد فهم كل منهما أن الآخر لا يريد سوى المحافظة على حياته، وليس لديه أي ضغينة شخصية تجاه غريمه، وبدأت بداخل كل منهما هواجس تتحدث حول لما لا نعيش كلانا ولماذا يجب علي أن أقتله، وكيف يمكن أن أثق بأنني إن لم أقتله فهو من سيقتلني، وبذلك تحول الأمر إلى تفكير كل منهما ليس كيف يمكنني قتله وإنما كيف يمكن أن أجعله أن يثق بي وأثق به.

الفيلم ينتهي بنهاية مأساوية حين تهبط كتيبة أميركية في تلك الغابة لتمشيط المنطقة، وتكتشف وجود جندي ياباني هناك، عندها يحاول الجندي الأميركي إنقاذ رفيقه الياباني ويعرض نفسه للخطر لكي لا يقتل عدوه اللدود، ورغم ذلك تطلق الرصاصة الأخيرة في الحرب لتقتل الجندي الياباني الذي كان كل ذنبه أنه عاش في زمن الحرب العالمية الثانية.

إقرأ أيضا لـ "جميل المحاري"

العدد 4873 - السبت 09 يناير 2016م الموافق 29 ربيع الاول 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 8:18 ص

      مال لم يرويه لا البخاري ولا الترمذي ولا غيرهم أنه ليس من السعادة وأنما من التعاسة أن يقتل الناس بعضها بعض. وهذا لبديهية أن من قتل نفس فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحيا نفساً فكأنماأحيا الناس جميعاً!! فلما الإقتتال والقتل ليس من المحرمات ولا من المحللات؟

    • زائر 3 | 1:14 ص

      للتصليح المحاربين استرالي و ياباني

    • زائر 2 | 11:59 م

      الإعلام الرسمي وما يسوّق له وما يتلاعب به من عقول الجهلة فهو المسؤول الاول عن هذه الدماء

    • زائر 1 | 11:10 م

      لا يوجد إنسان يحب الحرب و الدمار و لكن للأسف في منطقتنا و بسبب وجود دولة طائفية مثل ايران فان الحرب تفرض علينا فرض بسبب قلة أدي الإيرانيين و خرقهم للأعراف و القوانين الدولية

اقرأ ايضاً