العدد 4879 - الجمعة 15 يناير 2016م الموافق 05 ربيع الثاني 1437هـ

حال الوطن

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

تمثل ليلة توديع سنة تمضي، واستقبال سنة جديدة فرصة لاستذكار أحداث عام مضى والتفكير في عام جديد. كانت ليلة الجمعة التي تصل العامين، ليلة مفارقات ذات دلالة عميقة لوطننا البحرين، ما بين التحقيق مع قيادات سياسية وحقوقية. وحفلات فرح بالعام الجديد.

لقد شهدت الأسابيع الأخيرة أحداثاً وتطورات تنذر بخطورة الوضع على مختلف الأصعدة، وقد عملت مختلف الأطراف لإثبات جدارتها وصحة تحليلاتها، واتخذت إجراءات للتعاطي مع هذا الوضع الحرج. من ناحية فالأزمة السياسية، وانعكاساتها المجتمعية والاقتصادية والحقوقية واضحة المعالم. لكنها بالنسبة للحكومة فلا توجد أية أزمة سياسية وهكذا كان رد وزير الإعلام عيسى الحمادي جازماً رداً على كلام النائب عيسى الكوهجي أثناء مناقشة مشكلة الدين العام «لا توجد أزمة سياسية، بل هناك قلة (أي المعارضة) عزلوا، أنفسهم عن العملية السياسية، وعملوا على إفشال الانتخابات النيابية ولكن وكما ترون فها هو برلمانكم قائم وفاعل». وعندما حاول النائب الكوهجي تعديل كلامه بالقول بأن هناك «أزمة أمنية». رد الوزير الحمادي مرة أخرى بكل حزم «لا توجد أزمة أمنية؛ بل هناك مجموعات خارجة على القانون، يتم التعامل معها من قبل قوات الأمن والتعامل معها من قبل أجهزة إنفاذ القانون (القضاء، النيابة العامة وغيرها)».

هناك بالطبع ضرورة لإصدار قوانين وتعديل أخرى لسد الثغرات في التعامل مع الخارجين على القانون ومن تلك تعديلات متلاحقة لقوانين الجنسية ومكافحة الإرهاب، والجنائي، والإسكان، والضمان الاجتماعي وغيرها. ويبقى المسكوت عنه خطيراً و منه خلايا داعش، والمروجين لأفكار داعش والتكفيريين.

لكن تطور حدث انهيار أسعار النفط الخام، كشف هشاشة الوضع الاقتصادي رغم الخطة الحكومية المعلنة، والتي كانت تستهدف تعزيز تنافسية البحرين في عالم خليجي ودولي تنافسي لا يرحم، وجعل البحريني الخيار المفضل للعمل وتنويع الاقتصاد على امتداد عقود وكما أوضح نواب موالون، لم تقم الدولة بتنويع الاقتصاد ولا إقامة قاعدة إنتاج، ولا الاستفادة من تميّز البحرين بالكفاءات البشرية.

وهكذا جرى إقرار موازنة 2015 - 2016 وهي تحمل عجوزات ضخمة والحل الحكومي هو المزيد من الاقتراض بحيث جرى بسرعة المصادقة على مرسوم بقانون برفع سقف الدين العام إلى عشرة مليارات دينار، وهو بذلك يتعدى سقف الـ 60 في المئة من الناتج الوطني العام، وهو القانون الذي أقره مجلس النواب، ويترتب عليه خدمة دين بحدود 400 مليون دينار سنوياً، ومعنى ذلك أن الحكومة تستدين لتسدد خدمة الدين العام في حلقة مفرغة. لكن العشرة مليارات دينار ليست نهاية المطاف في ضوء التدهور المستمر في أسعار النفط والتي كانت بمعدل 75 دولاراً للبرميل في يناير/ كانون الثاني 2015 وأضحت دون الأربعين في ديسمبر/ كانون الأول 2015 لخامات نفط البحرين، ومرشحة للتراجع أكثر، مما سيترتب عليه المزيد من الاقتراض، والمزيد من خدمة الدين.

بالطبع الحكومة اتخذت وستتخذ إجراءات لتقليص الإنفاق الحكومي، ورفع بعض الدعم وزيادة أسعار بعض السلع والخدمات وفرض رسوم (ضرائب)، لكن ذلك دون سد الفجوة الكبيرة بين العائدات والنفقات الحكومية، ودون الحؤول دون تداعيات الأزمة الاقتصادية.

تشابكت الأزمتان الاقتصادية والسياسية، مع الأزمة الإقليمية فدول مجلس التعاون الخليجي، والتي سبق أن تعهدت بحزمة مساعدات بعشرة مليارات دولار خلال عشر سنوات بدءاً بـ 2015، أصبح في وضع صعب، فجميعها تعتمد على عوائد صادراتها النفطية، وجميعها سجلت عجوزات في ميزانياتها، وخسائر في عوائدها قدرت خلال عام 2015 بـ 130 مليار دولار، وهي مرشحة للتفاقم، وبالتالي ليست في وضع لدعم البحرين بسخاء. يضاف إلى ذلك الأزمات المتفجرة في المنطقة حيث رفعت من الإنفاق العسكري والأمني لدول مجلس التعاون، وأضحى لبند الإنفاق العسكري والأمني أولوية على باقي بنود الإنفاق.

رغم وضوح الأزمة، فإن معالجة الحكومة للأزمة السياسية هو بالتوسع في المعالجة الأمنية والعقابية وهكذا شهد العام 2015 تصاعداً كبيراً في أعداد المعتقلين وأضحى مزيد من قيادات المعارضة في السجن، وصدرت أحكامتصل إلى الإعدام وإسقاط الجنسية، وتم التضييق كثيراً على حرية ممارسة العمل السياسي والتجمع والتعبير، بحيث إن أي خرق ذلك مُجرّم حسب القوانين المغلظة، الحكومة تتعاطى مع فعل المعارضة المشروع وممارسة حرية التعبير والتجمع، بأنه يستهدف أمن الدولة وحض على كراهيتها وازدرائها، وتشويه سمعتها الخارجية. وهذا ينطبق أيضاً على الجمعيات والشخصيات الحقوقية والمجتمعية.

وباختصار فليس وارد وقفة مراجعة والتوجه لمسار جديد. وبالنسبة للانتقادات الخارجية ومنها الدول الصديقة للبحرين فإنها مخدوعة ومضللة بدعايات المعارضة أو غير مطلعة على حقيقة الوضع، وذلك يشمل الأمم المتحدة والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، وبالنسبة للبرلمانيين والمنظمات الحقوقية الدولية، فإنها متحيزة أو مضللة أيضاً من قبل المعارضة و «الحركة الحقوقية المسيسة»، والخلاصة أن البحرين ضحية إرهاب داخلي منظم مدعوم من قبل أطراف خارجية، وبالتالي فلا تهاون مع الإرهاب.

من الجهة الأخرى هناك المعارضة المحاصرة والمهمشة، وأعداد متزايدة من الحريصين على مصلحة البلاد والشعب، وتجنيب البحرين مستقبلاً خطيراً كما يجرى في بعض البلدان العربية الأخرى والتي تشهد حروباً وعمليات مسلحة واضطرابات خطيرة.

المعارضة ورغم استهدافها المتزايد بحيث أضحى الآلاف من عناصرها ومؤيديها بل وعدد من قياداتها في السجن أو مهدد بالسجن، وهي محاصرة في مقراتها في ممارستها للنشاط السياسي، ظلت متمسكة بوثائقها الأساسية (وثيقة المنامة ووثيقة نبذ العنف، ووثيقة نبذ التمييز) مع مواقف حول المستجدات، وخلاصتها التمسك بالحوار مع الجانب الرسمي، للوصول إلى حل للأزمة السياسية، على قاعدة إصلاح النظام السياسي في إطار مملكة دستورية، والتسمك بالنضال السلمي ورفض أية تدخلات خارجية. لكن تطورات السنتين الأخيرتين أظهرت أن الجانب الرسمي قد استبدل الجمعيات السياسية بالوجهاء والأعيان فيما يدعى بعملية الحوار الوطني، بالطبع عملت المعارضة على تعبئة الجماهير، ومحاولة تجسير الانقسام الطائفي والسياسي وخصوصاً بعد أن اتضح أن أضرار السياسة الرسمية وتبعات التجنيس السياسي والفساد والأزمة الاقتصادية تطال الجميع، وإن بدرجات بمن فيهم من ناصروا الحكومة ومنهم نواب وشخصيات وصحافيون موالون.

كما إن المعارضة سعت على أكثر من صعيد للتأكيد على أن طرحها واضح ويصب في ضرورة إخراج البلاد من أزمتها السياسية من خلال حل توافقي لصالح جميع المواطنين والمقيمين، وأن هذا الحل أضحى مُلحاً في ضوء الأزمة الاقتصادية. ومع التباين في وضعية الحركة الحقوقية فقد سعت بدورها إلى جانب كشف الانتهاكات إلى المطالبة بوضع حد لهذه الانتهاكات.

إن الليلة الفاصلة بين السنتين لها رمزيتها، فمن ناحية جرى استدعاء شخصيات قيادية سياسية وحقوقية للتحقيق لخُطب أدلوا بها في تجمع علني للتضامن مع الأمين العام لأكبر جمعية سياسية مشروعة الشيخ علي سلمان، بمناسبة مرور عام على اعتقاله، والحكم الثقيل بسجنه. وبالفعل فقد خلق ذلك توتراً وترقباً سياسياً، تابعه أغلبية المواطنين وهم متخوفون مما قد يترتب عليه وخصوصاً في ضوء طريقة استعراض القوة لإيصال مذكرات طلب التحقيق وثقل التهم الموجهة إليهم. وبالمقابل كان هناك من وضعوا الأزمة وراء ظهورهم، وتدافعوا إلى محلات السهر والاحتفال برأس السنة. وهذا من حقهم لكنه يعكس انقساماً خطيراً في المجتمع، هو وجه من أوجه الأزمة.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4879 - الجمعة 15 يناير 2016م الموافق 05 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 12:55 ص

      ويش حالنا بعد؟
      ويش حال المواطن اللي يقتطع من قوته وقوت عياله لاستضافة اجانب جدد وهذا يسمى الكرم الاجباري

    • زائر 2 | 12:54 ص

      حال الوطن حالة كسيفة وحالة المواطن اكسف وأردى.
      اما حالة المواطن فهي حالة رديئة ومتردية

    • زائر 1 | 10:35 م

      فقط ارجع لخطبة الشيخ محمد صنقور بالأمس

      قال : الواضح أن الوضع السياسي والاقتصادي والأمني يتجه بأبعاده الثلاثه نحو الأسوأ وينحدر بخطى متسارعه ومرتبكه وهو ما يكشف جليا لم كان مترددا عن عمق الازمه وعدم جدوى المكابره والتنكر لضرورة معالجتها جذريا.. ( ارجع لهذه الخطبه القيمه ).

اقرأ ايضاً