العدد 4884 - الأربعاء 20 يناير 2016م الموافق 10 ربيع الثاني 1437هـ

فرصةٌ للتعلم... وليس نهاية الحياة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

السماح للسجناء بمواصلة التعليم فكرةٌ حضاريةٌ حكيمةٌ، تبنّتها الدول التي سبقتنا على طريق احترام حقوق الإنسان، ونحن أولى وأحق بها، لما فيها من حكمة وحضارية، وتغليباً للمصلحة الوطنية بشكل عام.

حين يكون هناك أكثر من 3 آلاف سجين مرتبطين بقضايا سياسية، وربما ضعف ذلك الرقم في قضايا جنائية، النسبة الكبرى منهم من الشباب، فإننا سنكون أمام مشكلةٍ مستقبلية مؤكّدة. فإمَّا أن نتركهم للصدفة والفراغ، وإما أن نمهد الأرضية لحلّها من الآن، بالسماح لهم بالدراسة وإكمال التعليم واكتساب المهارات الفنية والعملية للعمل مستقبلاً، وهي الفكرة التي تتبناها نظريّاً وزارة الداخلية ومؤسساتها رسميّاً.

إنها منظومةٌ متكاملةٌ، نشدّد على الدور المحوري للإدارة العامة للإصلاح والتأهيل بوزارة الداخلية، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، إلى جانب دور السجناء وعوائلهم. فمن واجب العائلة أن تشجّع ابنها على مواصلة الدراسة، مهما تكن الظروف صعبة وغير مؤاتية. فالتعلّم واكتساب المعرفة وتطوير الذات، لا تسقط إطلاقاً عن الإنسان، أينما كان، فهؤلاء سيخرجون يوماً لمواصلة الحياة.

من المؤكّد أن أوضاع السجون في بلداننا العربية لا تشجّع على الدراسة، بسبب الإجراءات المشدّدة والحرمان من القلم والورقة والكتاب، لكن ذلك لا يمنع الإنسان من التعلّم في كل الظروف. فجواهر لال نهرو، رئيس وزراء الهند الذي قادها بعد الاستقلال لأكثر من عقدين، ووضع أسس نهضتها العلمية الحديثة، حتى سُمّي «مهندس استقلال الهند»... هذا الرجل ألّف أكثر من كتابٍ من داخل السجن، أحدهما «لمحات من تاريخ العالم»، وكان عبارةً عن رسائل كان يبعثها إلى ابنته أنديرا غاندي، عن تاريخ الدول والشعوب والثورات التي انطلقت في القرن التاسع عشر حتى الثلث الأول من القرن العشرين.

الكتاب الثاني كتبه نهرو من داخل السجن، وتُرجم إلى عشرات اللغات، وترجمه مروان الجابري بعنوان: «قصة حياتي» (وربما هناك كتابٌ أو ترجمة أخرى بعنوان «حياتي وسجوني»)، إذ وثّق مراحل حياته منذ ولادته حتى العام 1936، وتحدّث عن تجربته النضالية الطويلة مع المهاتما غاندي، ضد الاستعمار البريطاني للهند. وفي هذا الكتاب فصولٌ كثيرةٌ تضمّنت تفاصيل حياته اليومية في السجون، التي ظلّ يتنقل بينها لأكثر من تسع مرات، لأكثر من عشرين عاماً، وشكّلت حقبةً مريرةً مليئةً بالألم والعذاب والمعاناة.

تحدّث نهرو عن معاناته الأليمة جراء تعرّض أمه وزوجته للضرب في إحدى المظاهرات، ومعاناتهما من المرض والاعتقال، وتعرّضه للتضييق الدائم على أيدي إدارة السجن، إذ كان لا يُسمح له بدخول الكتب والمجلات إلا على نطاق ضيق جدّاً. وعلى رغم كل ذلك، استطاع أن يكتب عن تاريخ العالم، ويأتي بما يبهرك من ثقافته وسعة اطلاعه ونظرته الإنسانية التي تسع الكون.

منع السجناء من مصادر التعلم والمعرفة والثقافة، كتباً وصحفاً ومجلات، كان وسيلةً بدائيةً اتبعتها بريطانيا في مستعمراتها المنتشرة في العالم، من الهند إلى جنوب إفريقيا والبلدان العربية وسواها، وظلّت عرفاً متّبعاً طوال القرن العشرين. وقد آن الأوان في عصر الانفتاح، إلى أن يتغيّر هذا النهج القديم الذي لم يكن يليق ببريطانيا، وكان يهدف إلى تجهيل البشر، وإيذائهم جسديّاً ومعنويّاً؛ وأن يُستبدل بفلسفة جديدة تقوم على حفظ كرامة الإنسان واحترام إنسانيته ورغبته في التعلم.

في الوقت الذي نثمّن ونقدّر سماح وزارة الداخلية لمناقشة رسالة رئيس مجلس بلدي العاصمة السابق مجيد ميلاد، داخل السجن، فإنّنا نجدّد المطالبة بالسماح للسجناء بالحصول على أكبر عددٍ من الكتب والمصادر التعليمية والمجلات، لتنتهي شكاوى عوائلهم من استمرار المنع والتضييق، فكتابٌ واحدٌ لا يكفي على الإطلاق.

السجن ليس نهاية الحياة، والسجون ليست مقابر، والمأمول أن تشاركنا الداخلية في الإيمان بأن من حقّ السجين مواصلة تعليمه بلا حدود، والحصول على مصادر التعلم والمعرفة والثقافة من دون قيود.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4884 - الأربعاء 20 يناير 2016م الموافق 10 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 1:47 ص

      مطلب معقول جداً.
      اسمحوا لهم بالتعلم والدراسة. هذه حقوق طبيعية جداً

    • زائر 3 | 12:34 ص

      سنثبت للعالم من هو شعب البحرين الذي حصد جوائز عالمية ويواصل تفوقه رغم استهدافه ومحاولة عرقلته

    • زائر 2 | 11:46 م

      السؤال لماذا يعتقل مثل هذه الخامات النفيسة وتوضع في السجون بينما في دول العالم المتقدم يعنى بها وتعطى افضل الفرص ومن اين تقدّمت الا بمثل هذه العقول والمواهب التي تقتل هنا

اقرأ ايضاً