العدد 4893 - الجمعة 29 يناير 2016م الموافق 19 ربيع الثاني 1437هـ

صون الثروات الطبيعية منهج السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

صون الثروات الطبيعية ثقافة ومنهج تبنته البشرية منذ وجودها على البسيطة، وتهدف في بعد مفهومها الاستراتيجي تأمين مقومات أمنها المعيشي والحياتي واستمرار بقائها وتطورها الحضاري، وعلى رغم فهمها المتواضع لمؤسسات معادلة البقاء والتطور الحضاري التي فرضتها الظروف البيئية والحياتية، اعتمدت البشرية «مبادئ التنويع والتخطيط والتنظيم والترشيد في تنظيم علاقتها مع الموارد كمنهج للاستدامة والبقاء» وتمثل تلك القيم مؤشرات مهمة ينبغي تبين فوائدها لتصحيح مسار مفاهيم التخطيط الاستراتيجي في منظور البعد الشامل، والمستدام لتعزيز مقومات الأمن الاجتماعي والوطني وحقوق الأجيال.

البحوث المتنوعة والمتداخلة في معالجاتها لقضايا مناهج السلوك البشري في منظومات علاقاتها مع الثروات الطبيعية تشير إلى محددات مهمة في استراتيجية تلك المعادلة والتي يمكن الجزم بأنها دروس مهمة ينبغي التمعن في جوهر مفاصلها للاستفادة منها في بناء خططنا للاستدامة، الباحث العراقي علي عنوش في كتابه «العراق - مشكلات الحاضر وخيارات المستقبل - منشورات دار الكنوز الأدبية في لبنان» في سياق معالجاته لواقع هذه القضايا يستند إلى رؤى الباحث في القانون صلاح الدين عامر المنشورة في «مجلة القانون والاقتصاد، كلية الحقوق، جامعة القاهرة» وتؤكد الرؤى على أن «الإنسان يتفاعل مع الطبيعة تفاعلاً أشد من أية أنواع أخرى من الأحياء. ومن بين كل أشكال الحياة ينفرد البشر بخاصية الامتلاك والادخار والتكديس للمستقبل ويعيشون في جماعات تحكمها قوانين وعادات وتقاليد ملزمة. والوضع الاجتماعي - الاقتصادي للشخص في الإطار القانوني للمجتمع يحكمها بوجه عام مسلك الإنسان. ولا يشمل هذا المسلك تفاعل الشخص مع سائر أعضاء المجتمع فحسب وإنما يشمل أيضاً الطريقة التي ينتجها الإنسان في استخدام الطبيعة أو إساءة استخدامها».

وتعزيزاً لما تقدم من رؤى يشير الباحث علي عنوش إلى أن «أحد مقاييس التطور للمجتمعات الإنسانية، هو قدرتها على الاستثمار المتوازن للموارد الطبيعية من أرضٍ ومياه وسهول وجبال ووديان ومناجم ومراعٍ وغيرها. ويرتبط النمط الاستثماري لتلك الموارد إلى حد بعيد بمستوى فهم الإنسان أو تجاهله للقوانين الطبيعية والمبادئ التي تتحكم بالتوازن البيئي أولاً، وفي القدرة الإنتاجية لتلك الموارد الطبيعية وإعادة إنتاجها ثانياً» ويؤكد «لا يمكن السيطرة على عمليات النمو السكاني المتصاعد (مثلاً) من دون تنظيم وتطوير وحماية الموارد الأرضية وضمان الإنتاج الغذائي للوافدين الجدد من السكان، ضمن استراتيجية الأمن الغذائي. ولا يمكن ضمان استراتيجية سليمة للأمن الغذائي دون ربطها بالسياسات الاقتصادية والمالية والتعليمية والتخطيطية والصحية والصناعية معاً في سياق هرموني يحقق التوازن السليم في الأهداف. ولا يمكن فصل السياسة الإقليمية والتخطيط الغذائي دون ضبط كيفية استثمار الموارد المائية على مدى استراتيجي طويل الأمد. ويشترط إقامة نظام صحي سليم أن يقوم التبادل التجاري على أسس عادلة وسليمة في نظافتها البيئية. والأمر ذاته ينطبق على العدالة الاجتماعية والتنمية والتسلح والاستقرار السياسي والإجتماعي وحرية الرأي والبحث العلمي وغيرها».

المفكر البحريني علي محمد فخرو في سياق معالجته ما تشهده منطقتنا من هزة اقتصادية يبين جوانب مهمة في معادلة محددات مفاصل الحكمة في تبني القرار الاستراتيجي السيادي المرتبط بقضايا صون الثروات من المنظور الاستراتيجي للأمن الاجتماعي والوطني وحقوق الأجيال وذلك في مقاله المنشور في صحيفة «الوسط» العدد 4885 - الجمعة 22 يناير 2016م الموافق 12 ربيع الثاني 1437هـ «قصة مفجعة عن تقرير أهمل» إذ يشير إلى أنه في العام 1981 «طلب وزراء التخطيط في الدول الخليجية العربية الست من الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية أن تدعو مجموعة من مفكّري وكتّاب ومثقّفي واختصاصيي دول المجلس لوضع «تصور لاستراتيجية بعيدة المدى تعمل في إطاره جميع خطط وبرامج التنمية في دول المجلس» ويقول «لقد كانت التوصية المفصلية تتعلق باعتبار البترول ملكية عامة وبالتالي الاحتفاظ بالجزء الأكبر من عائداته في بناء تنمية شاملة، بما فيها بناء اقتصاد بديل إنتاجي يولد فوائض كافية لاستمرار تنمية إنسانية مستمرة في المستقبل، وبما فيها أيضاً وضع جزء من العائدات في شكل أصول استثمارية آمنة مدرّة لعائد حقيقي يمول المزيد من الاستثمار الاقتصادي المباشر، ويكون مصدر أمان للأجيال المستقبلية القادمة. ولذلك قدمت توصية جريئة وواضحة وهي أن تسعى دول المجلس إلى تخفيض نسبة مساهمة البترول في الناتج المحلي الإجمالي من 50 في المئة في الثمانينات إلى نسبة 25 في المئة بحلول العام 2000، وتخفيض مساهمة البترول في تمويل النفقات العامة (الموازنة) والنفقات الإنشائية من نحو 82 في المئة إلى لا شيء بحلول العام 2000».

التنويع في مصادر الدخل وتوفير البدائل الاقتصادية وتخطيط وترشيد استغلال الموارد والثروات ركيزة مهمة في تجسيد مقومات الأمن الاجتماعي والوطني وحقوق الأجيال ويمثل ذلك المخرج الذي ارتكزت على ثوابته مجمل قرارات المجتمع الدولي في المجالات الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والبيئية، ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى مبادئ وثيقة مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة المستدامة - ريو+20، إذ يقر المجتمع الدولي في المبدأ (3) «بالحاجة إلى مواصلة تعميم مراعاة التنمية المستدامة في المستويات كافة من خلال تحقيق التكامل بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والإقرار بالصلات المتبادلة بينها، وصولاً إلى تحقيق التنمية المستدامة بأبعادها جميعاً» وتمثل أهداف التنمية المستدامة التي اعتمدها قادة العالم في سبتمبر/ أيلول 2015 مؤشراً ومقوماً مهماً لبناء خريطة الطريق المؤسسة في مناهجها لإحداث تحول نوعي في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إذا جرى الأخذ بمحدداتها ومناهج عملها الاستراتيجية.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4893 - الجمعة 29 يناير 2016م الموافق 19 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً