العدد 4903 - الإثنين 08 فبراير 2016م الموافق 29 ربيع الثاني 1437هـ

متى تتطور البرامج الحوارية في القنوات العربية؟

رضي السماك

كاتب بحريني

عشرون عاماً ونيف مضت على انطلاقة الفضائيات العربية، ومازالت البرامج الحوارية السياسية فيها تراوح محلها دون أي تطور يُذكر لا في المضمون ولا في الشكل، ولا في كفاءة مُقدمي البرامج، ودون استبدالهم بإحلال وجوه جديدة أكثر كفاءة، فجلهم، إن لم يكن كلهم، يفتقرون إلى أبسط قواعد إدارة الحوار والتحلي بقدر معقول من الحياد بين ضيوف البرنامج، وبخاصة إذا ماكانوا من ذوي أفكار أو تيارات متعارضة، بل إنك لتجد مقدم البرنامج في غالب الأحيان لا ينحاز فقط لهذا الطرف أو ذاك من ضيوفه بشكل فاضح مكشوف أمام المشاهدين، بل ويساند وجهة نظره ضد الطرف الآخر، وكأنه يعمل لقناة حزبية، وتجده يمنح وقتاً أطول من خصمه في الحوار وعدم مقاطعته، في مقابل منح هذا الأخير وقتاً أقصر والتضييق عليه بكثرة مقاطعة كلامه، هذا مالم يتحول إلى قاضي استجواب لأفكاره ومواقفه، وهذه الحالة أكثر ما نجدها في القنوات الرسمية، أو الخاصة المعروفة بمحاباتها تيارا سياسيا محددا، حتى لو كان متعاطفاً مع التيارات والتنظيمات الإرهابية، بل ولا يتورع عن أن يمنح نفسه مداخلات مطوّلة في الحوار لاتتصل بأسئلة البرنامج أو الاستيضاحات أو ضبط الحوار وقواعده بين ضيوف برنامجه، ويحدث ذلك بتغاضي إدارة القناة عن مسلكه السيئ هذا.

أكثر من ذلك، ثمة مقدمو برامج تجدهم وكأنهم يستمتعون أيما استمتاع إذا ما تمكنوا من إشعال الحوار إلى أقصى درجات حرارته القصوى، والتي تصل إلى القذف والشتائم المتبادلة، والذي يتطور في كثير من الحالات إلى عراك بالأيدي أو الكراسي، وحتى بكؤوس المياه أو بمحاولة قلب منضدة الحوار على الخصم المستهدف. وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فليس مقدمو برامج الحوارات الفضائية هم من يقعون في هذا المنزلق؛ بل يمكن القول أن عريفي او مديري الفعاليات والمحاضرات والندوات في مقار التنظيمات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني العربية، هم كذلك أيضاً في أغلب الأحيان ما خلا قلة قليلة، وإن كان هذا الموضوع ليس هنا موضع تناوله تفصيلاً.

والمفارقة الغريبة المخجلة ان النموذج المتميز في دقة اختياره موضوعات برنامجه السياسي، وفي رزانته ووقاره المدهش طوال البرنامج، وقدرته على توزيع الوقت بين ضيوفه بشكل متكافئ يثير الإعجاب، ودون مقاطعة كلام أي منهم، إلا بأسلوب مهذب جم، وفي الحالات التي تحتمها الضرورة، هذا النموذج الفذ لا نجده بين القلة القليلة المتميزة النادرة من مقدمي البرامج الحوارية العربية، بل في مقدم برنامج غير عربي وفي قناة أجنبية، ألا هو الإعلامي الروسي أرتيوم كابشوك مقدم برنامج «بانوراما» في قناة «RT» ، ولعل المشاهد المتتبع برنامجه يتملكه الإعجاب، ليس فقط من هدوئه ونجاحه في إدارة الحوار بين ضيوفه وضبطه العادل في توزيع الوقت بين ضيوفه بما يرضيهم جميعاً؛ بل ولتحدثه باللغة العربية بطلاقة مُدهشة. أما عن سيرته الذاتية فلا نعرف عنها من موسوعة «ويكيبيديا» سوى انه مواليد موسكو، ودرس في قسم اللغات بإحدى جامعاتها الحكومية، كما درس ثقافات الشعوب، وعمل في السفارة الروسية بالقاهرة لفترة من الزمن، ثم عاد إلى بلاده ليستأنف العمل في وزارة الخارجية بقسم إدارة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، مما أكسبه، طبقاً لمعلومات نفس الموسوعة، خبرة كبيرة ومعلومات غنية وفيرة في الشئون والقضايا السياسية العربية.

والحال أن كل الفضائيات العربية هي بحاجة مُلحة اليوم لوقفة مراجعة تقويمية لأداء مقدمي برامجها الحوارية السياسية والثقافية، وهذه الوقفة التقويمية يُفترض أن تُجرى في نهاية كل عام على الأقل، أو كل عامين أو 3 على الأكثر، هذا إذا مارامت حقاً تطوير هذا النوع من البرامج دون محاباة لهذا المذيع أو ذاك.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4903 - الإثنين 08 فبراير 2016م الموافق 29 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 11:52 م

      ولا بصير تطور

      لان البرامج تخضع لسياسة الدول وخاصة البرامج السياسية حيث لا توجد حرية راي وتكون معدة مسبقا

    • زائر 1 | 10:30 م

      برنامج الاتجاه المعاكس في قناة الجزيرة خير دليل على ذلك، مقدم البرنامج يتذاكى على المشاهدين وينحاز مقدم البرنامج إلى طرف على الطرف الآخر ويفعل ذلك باستمرار ، والأدهى من ذلك الكلمات النابية التي يطلقها رغم أنه دكتور ولكن السياسة أعمته وحقده على رئيس بلده الأصلي تجعله لا يرى الأمور إلا من منظوره فقط. لذلك اصبح البرنامج مقززا كريها بسبب طريقة إدارته للحوار وهذا ما أفقد البرنامج نسبة المشاهدة وجعلها تتدنى كثيرا عما التي كانت عليه سابقا.

اقرأ ايضاً