العدد 4914 - الجمعة 19 فبراير 2016م الموافق 11 جمادى الأولى 1437هـ

عندما تتحول الاختلافات إلى قوة

غانم النجار ghanim.alnajjar [at] alwasatnews.com

كاتب كويتي

من دون اللغة لن تفهم السياسة، ولا المجتمع، وحتى إن فهمت فسيفوتك منهما الكثير. فكم من حروب قامت بسبب سوء تفسير للمعنى، أو بسبب ضعف في فهم اللغة.

وربما لن نجد ذلك أوضح من الهند، إذ يشير إحصاء 1961 إلى وجود 1652 لغة. وبالطبع ليست كلها لغات بالمعنى المتعارف، فهناك مثلاً 65 ألف إنسان يتحدثون بـ 527 لغة.

في أواخر العام 1952 مات شخص يدعى بوتو رامولو، بعد إضراب طويل عن الطعام لمصلحة إنشاء دولة للتالغو. وتلت موته حالة تمرد عنيفة، ما اضطر الحكومة إلى التصويت لمصلحة إنشاء ولاية أو (دولة) أندرا برادش، التي جعلت من لغة التالغو لغة رسمية.

تلك التعددية اللغوية الفائضة كانت تعكس صراعاً سياسيّاً وعرقيّاً ودينيّاً. ومع أن باكستان قررت الانفصال عن الاتحاد، واعتمدت لغة «الأوردو»، فإن ذلك لم يحل المشكلة، إذ ظلت قائمة بين اللغتين الهندية والهندوستانية؛ لأن الثانية لغة توفيقية مع الأوردو. ووفق «كالفي» عندما تم التصويت العام 1949 على اللغة الرسمية، حازت «الهندية» 78 صوتاً و«الهندوستانية» 79 صوتاً، وبالتالي اختار الدستور الجديد حل الانتظار، بأن تبقى اللغة الإنجليزية لغة رسمية لـ 15 عاماً، ثم تحل الهندية محلها. إلا أن تطور الأحداث لم يسعف اعتماد لغة واحدة، فتم مجدداً التصويت العام 1963 للإبقاء على الإنجليزية بالإضافة إلى الهندية، وتم اعتماد ولايات أو (دول) الاتحاد لغات رسمية متنوعة. علما بأن كلمة «الهند» ذاتها غير موجودة في أي من تلك اللغات.

وربما يعكس التعدد اللغوي المذهل واحداً من أبرز التحديات التي تواجهها الدولة، ما يتطلب مرونة عالية في التعامل مع مواقع التباين والاختلاف، أيّاً يكن نوعه ومصدره، لغويّاً أم عرقيّاً أم دينيّاً أم غير ذلك.

بالطبع هناك دعوات متطرفة لإعلان الهند دولة هندوسية، يعززها وصول حزب قومي متشدد للحكم، وإن غالبية الهنود من الهندوس، لكن في المقابل فإن مزاج «الهند الأم»، كما أكد لي عدد من الأكاديميين الهنود، لايزال ملتزماً بالتعايش السلمي وتقبل الآخر.

استطاعت الهند أن تصمد رغماً عن الظروف الإقليمية والدولية المناقضة لاستمرارها موحدة، ورغماً عن الفقر المدقع، والتباين الحاد، بينما لم تستطع باكستان الصمود كدولة قائمة على الهوية الدينية الإسلامية عندما قررت الانفصال، مدة 25 عاماً، حيث اشتعلت حرب ضروس بين باكستان الشرقية مع الغربية، انتهت بتأسيس دولة جديدة العام 1972 اسمها بنغلاديش، إسلامية الهوية، سنية المذهب، لكنها بنغالية العرق واللغة. كم من الدروس علينا أن نتعلم؟

إقرأ أيضا لـ "غانم النجار"

العدد 4914 - الجمعة 19 فبراير 2016م الموافق 11 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً