العدد 4947 - الأربعاء 23 مارس 2016م الموافق 14 جمادى الآخرة 1437هـ

الشعر الكائن العصي على الزوال

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

للشعر سحره الخاص المختلف عن بقية الآداب، إذ من الممكن أن تعيش معه أرقى حالات العشق، وأودع حالات الوجدانية، وأعنف لحظات الشوق... يحملك إلى حيث عوالم الخيال المتجدد، ويصفعك بواقع طالما أردت قوله لكن لم تسعفك الكلمات لتعبر عنه.

تقرأ بعض الشعر فتشعر أنك تقرأ نفسك، تقرأ به نبضك، وتسافر معه عبر أحاسيسك التي لم ينفعك الهروب منها يوماً لتواجهها في بيت قصيدة أو عند نهاية سطر شعري عرف قائله كيف ينهيه فيولد بداخلك دهشة تجعلك تقرأه مرة واثنتين وثلاثًا.

ولا عجب أبداً أن يكون له يوم عالمي يحتفى به، وتقام على شرفه الأمسيات والملتقيات، وتكتب في حضرته القصائد والنصوص، وتطبع لأجله الكتب والدواوين التي تخلد اسم هذا أو ذاك، حين يجيد استخدام قلبه أداةً للكتابة.

لطالما كانت الكلمة قوية، وإلا فما الذي يدعو الأنظمة الدكتاتورية إلى إيقاف هذا الكاتب واعتقال ذاك، وإعدام هذا أو قتل ذاك؟

وليس الشعراء ببعيدين عن هذا المصير عند جميع الشعوب، فكم من شاعر أعدم وكم من شاعر قتل؛ فما لوركا، الذي وقف أمام عادميه وهو يلقي الشعر إلا مثالاً، وأبو الطيب المتنبي الذي هجا امرأة فقتله أخوها، وبشار بن برد حين هجا المهدي فأمر بضربه بالسوط حتى مات، ووَضَّاح اليمن الذي تَغَزَّل في قصائده بزوجة الوليد بن عبدالملك فقتله، وطَرَفَة بن العبد الذي هجا عمرَو بن هند، ملك الحيرة؛ فأمر بقتله، كل هؤلاء هم بعض أمثلة لشعراء قتلوا بسبب شعرهم في عصور متفرقة، وربما يكون لشعراء العراق نصيب الأسد في هذا الموت بسبب ما يكتبون؛ إذ الأمثلة كثيرة على هذا كالشاعر خليل المعاضيدي، حسن مرجان، مهدي طه، قيس حيدر، ياسين فرحان، اسماعيل خطاب، عبدالحسين الشذر، فوزي السعد وغيرهم ممن قتلوا وأعدموا بسبب قصائدهم واتجاهاتهم اتفقنا معها أو اختلفنا، ومازال القتل والإعدام مستمرّاً؛ فهاهي داعش تعدم قبل أقل من شهر الشاعر السوري محمد بشير العاني ونجله.

لو لم تكن الكلمة مؤثرة لما شغلت الأنظمة بالها بالشعراء، ولما لاحقتهم حين يختلفون معها.

لو لم تكن قادرة على إحداث تغيير في عقول وضمائر وقلوب من يقرأها، لما حاربت بعض المجتمعات الشعراء على اختلاف توجهاتهم وأفكارهم.

ربما لا يستطيع الشعر الوقوف في وجه الرصاص اليوم، ولا يستطيع إيقاف دبابة حرب، أو يزيل دكتاتوراً عن كرسيه مباشرة، لكنه بالطبع قادر على غمر البشرية بالحب وإيقاظ ضمير من يقرأه حبّاً لا رغبة في إلحاق الأذى بكاتبه.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4947 - الأربعاء 23 مارس 2016م الموافق 14 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً