العدد 4948 - الخميس 24 مارس 2016م الموافق 15 جمادى الآخرة 1437هـ

الموقف الاجتماعي في ثقافة السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

الموقف الاجتماعي مؤشر فعلي في تشخيص نوع وجوهر اتجاهات السلوك البشري، ويشير إلى مدى التزام الفرد والمجتمع بمقاييس ومعايير أهداف التنمية المستدامة، إذ تحدد طبيعة الموقف الإجتماعي صفات جوهر السلوك وأثره الإيجابي والسلبي على واقع الأمن البيئي بمختلف تجلياته الإنسانية والبيئية.

والموقف الاجتماعي بأبعاده المختلفة معادلة متباينة الأثر في مضمون جوهر ثقافة المفاهيم المجتمعية في العلاقة مع معالم النظام البيئي وفي مؤشر الإلتزام بقواعد النظام القانوني بشأن تنظيم السلوك الإجتماعي البيئي، وتتجسّد طبيعة ذلك التباين في مواقف ورؤى وممارسات ومفاهيم وسلوك الفرد والمجتمع في العلاقة مع المحيط الإجتماعي والبيئي. ويجري تشخيص طبيعة الموقف الإجتماعي إيجاباً وسلباً وفق ركائز ذلك الموقف وما يتركه من أثر على الواقع المعيشي والبيئي لحياة المجتمعات.

معالجة ذلك التباين يجري في سياق قِراءة واقع الموقف اﻻيجابي للمجتمع، ودﻻلات الوعي في العلاقة الرشيدة للمجتمع مع البيئة كما هو عليه الحال في مواقف نشطاء البيئة، ويمكن معالجة ذلك التباين أيضاً في سياق قِراءة الموقف السلبي للمجتمع والذي يشير إلى دﻻﻻت ضعف الوعي البيئي وعدم الإلتزام بالقواعد المنظمة للسلوك الاجتماعي البيئي، وذلك ما نشهده في واقع الممارسات غير السليمة والسلوك غير الرشيد في العلاقة مع البيئة.

النشاط البيئي المؤَسَس في أهدافه لمؤسسات المجتمع المدني والمجتمعات المحلية مؤشر مهم في تشخيص المميزات الايجابية في الموقف الاجتماعي، وتشهد البحرين نشاطاً متداخلاً في طبيعة مميزاته التوعوية والرقابية. ويتمثل ذلك في حملات التوعية وتنظيف السواحل والمنتزهات العامة والأنشطة الرقابية للجمعيات والجماعات الناشطة في المجال البيئي، في الكشف عن المخالفات البيئية في المواقع الرئيسة للمجتمعات المحلية، ومواقع التواجد الاجتماعي، وكذلك في البيئات البحرية والساحلية والتحذير من مخاطر وأضرار الأنشطة البشرية غير الرشيدة على صحة الإنسان والبيئة.

اللقاء الذي جرى تنظيمه في جمعية الاجتماعيين البحرينية مع «فريق إيثار لحماية الحياة البحرية» من الأنشطة الايجابية المهمة في منظومة الموقف الاجتماعي البيئي، وقدّم الغواص أحمد سكران في سياق اللقاء عرضاً شاملاً لنشاط المجموعة، واستعرض مجموعة من الصور التي تسلط الضوء على الأنشطة غير الرشيدة في البيئة البحرية والساحلية. وبيّنت تلك الصور المستوى المرتفع للنفايات التي يجري إلقاؤها في البيئة البحرية، وتتمثل في المواد البلاستيكية وإطارات ومجسمات المركبات القديمة التي يستخدمها الصيادون كحواضن لتجمع الأسماك، دون الأخذ في الاعتبار مضارها الصحية والبيئية. وبيّن في العرض طرق الصيد الجائر في استخدام شباك «النايلون بفتحات ضيقة» والتي تصطاد الأسماك صغيرة الحجم، وإتلاف الطحالب والحشائش البحرية والمرجان، وكذلك الأنشطة الجائرة لبعض الصيادين المخالفة لفترة حظر صيد الروبيان وما يتسببه من أضرار على الثروة البحرية ومخزون الثروة السمكية.

الرؤى على اختلاف مصادرها ومعالجاتها الموجهة إلى إحداث تغيير نوعي في ثقافة السلوك البيئي، تشكل جوهر الموقف اﻻجتماعي الإيجابي الذي يؤسّس التوجه العملي لبناء خريطة الطريق المؤسَسة لتغيير الوعي والسلوك البيئي للمجتمع. ويمكن اﻻشارة في هذا السياق إلى ما جرى طرحه من مرئيات على خلفية المحاضرة التي قدمناها في نادي باربار بشأن «الرقابة الإجتماعية في الحفاظ على نظافة المحيط البيئي للإنسان» إذ يرى التربوي علي حسن محمد أن المظاهر السلبية التي نشهدها في سلوك الأفراد هي نتيجة طبيعية لغياب القدوة والمثل، وإذا ما أردنا اﻻستفادة من تجربة سنغافورة، ينبغي اعتماد نظام منهجي للتربية في بعدها الشامل، تنطلق من الأسرة، الخلية الرئيسة في المجتمع، وتنحدر إلى دُور الحضانة والمدرسة. وأكّد المشاركون على ضرورة استثمار المنبر الديني في تنمية الوعي البيئي للمجتمع، وتبنّي منهج الرقابة الاجتماعية، وجرى اقتراح أن يجري العمل على تشكيل «أمناء البيئة» وتنظيم ورشة عمل لتدريب الكوادر وإعداد فريق للرقابة البيئية.

التجربة السنغافورية كأحد التجارب العالمية حضوراً في استراتيجية تنمية الوعي وبناء القدرات البيئية للمجتمع وفرض الالتزام بقواعد النظام القانوني للحفاظ على نظافة المحيط البيئي للإنسان، وكمنهج فاعل في بناء السلوك البشري وإنجاز أهداف التنمية المستدامة كان لها حضورها المتميز في حوارات المشاركين في النشاط البيئي الذي نظمته جمعية البحرين للبيئة ضمن برنامج شهر البيئة في مركز شباب جدحفص الثقافي ونادي باربار الثقافي والرياضي، إذ جرى في سياق المداخلات استعراض نماذج من العقوبات التي فرضت على أصدقائهم أثناء زيارتهم إلى هذا البلد للسياح نتيجة الإهمال وإلقائهم بقايا الأطعمة في الطريق، وعدم التزامهم بقواعد النظافة العامة، والدعوة للإستفادة من التجربة للارتقاء بالسلوك البيئي للمجتمع.

الحقيقة المُرة التي ينبغي التوقف عندها، هو أنه رغم وجود القوانين والإدارات المختصة للرقابة البيئية، ومبادئ وقواعد النهي الإسلامية، إلا أن مشاهد الموقف الاجتماعي السلبي تؤكد حضورها في واقع الممارسات الفردية والاجتماعية، وعندما تزور ساحل المالكية تصدمك مقابر هياكل المركبات المتهالكة المركونة على الساحل، والتي تشوّه جماله الطبيعي، وتترك أثرها السلبي على مرتادي الساحل. وعندما تزور سوق الخضرة في جدحفص بالقرب من مركز شباب جدحفص الثقافي تخنقك روائح وعفن مخلفات مياه الأسماك التي يجري تفريغها في الشارع بعد منتصف الليل. وعندما تذهب إلى بائعي الأسماك لشراء السمك يصدمك مظهر أسماك الصافي صغيرة الحجم التي لا يزيد حجمها على خمس سنتيمترات، والتي هي أصبع لأسماك تلقى في البحر لتنمية مخزون الثروة السمكية.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4948 - الخميس 24 مارس 2016م الموافق 15 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً