العدد 4963 - الجمعة 08 أبريل 2016م الموافق 30 جمادى الآخرة 1437هـ

أوروبا في حيرة مع أبنائها التكفيريين

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

مرة أخرى يضرب التكفيريون في عاصمة أوروبا وبلجيكا، بروكسل، حيث جرى تفجيران متقاربان بمطار بروكسل ومحطة شومان القريبة من مقر الاتحاد الأوروبي ما أوقع خسائر كبيرة.

وتأتي هذه التفجيرات بعد أشهر فقط من تفجيرات باريس الدامية، حيث ثبت الآن أن الشبكة هي من المنتمين إلى «داعش»، ومركز سيطرتهم في بروكسل هم ممن قاموا بالعمليتين، كما أن توسع التحقيقات أدى إلى اعتقالات في ألمانيا إضافة إلى بلجيكا وفرنسا.

بعد صدمة التفجيرات الدامية، والخسائر الرهيبة، وبعد التلاحم الوطني لمكونات الشعب البلجيكي بمن فيهم المسلمون بمختلف مذاهبهم وانتماءاتهم والتضامن الأوروبي والدولي، فتح النقاش مجدداً بشأن مكامن الخلل في المجتمع الأوروبي، فيما يتعلق بالمسلمين عموما والعرب خصوصا وخصوصا من أبناء أوروبا المولودين في ديارها، والذين كان يعتقد أنهم اندمجوا في المجتمعات الأوروبية، وأضحوا مكونا إيجابيا فيها من حيث مشاركتهم في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والفنية والرياضية وغيرها. والدليل على ذلك وجود وزراء وبرلمانيين وأكاديميين وفنانين ورياضيين مسلمين وغالبيتهم من أصل عربي. فجأة يخرج هؤلاء المتمردون على المجتمع الغربي كالمارد من القمقم ليضربوا بدون رحمة، ويكفروا المجتمع الذي احتضنهم، ويطلقوا على مجزرة بروكسل غزوة بروكسل، كما سبق أن أطلقوا غزوة باريس وقبلها لندن وهكذا، في استحضار للحروب القديمة والفتوحات الغائرة في التاريخ.

ما الذي يجعل هؤلاء يتبنون أطروحات «داعش» و»القاعدة» والاتجاهات المغرقة في أصوليتها وتخلفها القادمة من كهوف التاريخ؟ ما الذي يجعل هؤلاء يقتلعون من مجتمعاتهم الطبيعية وأوطانهم، ليعبروا بجميع الطرق للوصول إلى أراضي «داعش» وغيرها، ليقاتلوا، أو يرتدون على أوطانهم ومجتمعاتهم ليعملوا فيها قتلا وتخريبا؟

لاشك أن المجتمع الأوروبي والدول الأوروبية، تتحمل مسئولية في عدم إدماجهم فعليا في مجتمعاتها وتشربهم بقيمها، لكن ما الذي وفر لهؤلاء وأقنعهم بحياة موازية في الظلام.

إن شبكة المنظمات الأصولية والتكفيرية لها مرتكزات عديدة في أوروبا، وأهمها المساجد والمدارس الدينية، ووسائط التواصل الإلكتروني، والمعاهد والمؤسسات التكفيرية في البلدان العربية والإسلامية، والتي تخرج هؤلاء الشباب والشابات التكفيريين لمن يختلف معهم سواء في أوطانهم الأوروبية أو في أوطان المسلمين. ولقد استغلت هذه التنظيمات والشبكات الحريات والضمانات في البلدان الديمقراطية الغربية ومنها الحريات الدينية، لتشيع أفكار التعصب والتطرف والتكفير؛ بل إن بعض الدول الغربية مثل بلجيكا، تدعم المؤسسات الدينية الإسلامية كغيرها من المؤسسات الدينية الأخرى كالمسيحية واليهودية والهندوسية وغيرها، وتدفع مخصصات للمعلمين والطلبة فيها، وتسمح للتعليم الديني في بعض المدارس الرسمية من دون تدقيق أو مراجعة لمحتواه.

لذلك يطرح العديد من مراكز البحوث والمفكرين والسياسيين والأكاديميين الغربيين ضرورة المراجعة الجذرية في كل ذلك، وضرورة إيقاف بث الأفكار الدينية المتطرفة من خارج أوروبا إلى أوروبا وفي داخل أوروبا ذاتها.

في حوارات مع بعض هؤلاء، أكدوا أن إعادة تأهيل هؤلاء التكفيريين تتطلب خبرات وكفاءات غير متوافرة حاليًّا في أوروبا، وأتباع الإسلام الوسطي السمح قليلون؛ بل ومعزولون، ولذلك فإن إعادة التأهيل ستأخذ سنين؛ لكن لابد من وضع استراتيجية تساهم فيها الدول والاتحاد الأوروبي والمجتمع الأوروبي بمؤسساته التعليمية والدينية والأكاديمية والسياسية والمجتمعية، وفي هذا الإطار، فإن من الضروري فتح حوار جدي ما بين مختلف الدول والمنظمات الدولية المخلصة فعلاً لمكافحة الإرهاب والتطرف جذريا، وإشراك المنظمات والمؤسسات الأهلية الدولية والإقليمية والوطنية الدينية والأكاديمية والفكرية؛ لأن الإرهاب لا حدود له، وقد أضحى ظاهرة عالمية.

هناك عدة يافطات ثبت عدم فاعليتها، كحوار الأديان برعاية رسمية، كما أن هناك محاولات لم تستكمل مثل الحوار الأوروبي المتوسطي الخليجي الذي رعته فرنسا في عهد شيراك، ومشروع نادي مدريد السياسي لتعريز الديمقراطية والحوار العربي الأوروبي، وغير ذلك. لكن في معظم هذه المشاريع فقد سادت لغة الدبلوماسية والطبطبة على الظهر.

وقد آن الأوان لتسمية الأمور بأسمائها، وتشخيص الداء كما هو، والوصول إلى جذور التكفير في منابعه وبيئته الحاضنة.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4963 - الجمعة 08 أبريل 2016م الموافق 30 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً