العدد 4963 - الجمعة 08 أبريل 2016م الموافق 30 جمادى الآخرة 1437هـ

الصغير أولاد أحمد

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

كتب في يوم مولده: عيد ميلاد في غرفةٍ أنيقةٍ بالمستشفى العسكري؟ هذا يحدث أيضاً.

سأعيش هذا العيد وأحكي لكم، على رغم أن أصابعي تثقل زمن الكتابة، وعواطفي تنساب بغزارة إذا تمكنت من الكتابة. لكنه توفي في اليوم التالي ولم يكتب أكثر، بل بقي ما كتبه خالداً متجدداً وصالحاً لكل العصور مادام هنالك ظلم وما وجد شعب يطالب بحقوقه، كقصيدته التي نشرها في العام 1991 وكأنها تبشيرٌ بما حدث في العام 2011 إبان الثورة التونسية.

كان خبر وفاة الشاعر التونسي محمد الصغير أولاد أحمد أشبه بالكابوس المزعج، ولا اعتراض على حكم الله، لكن موت شاعر بهذا الحجم وهذا الصدق، أمرٌ محزنٌ ومضجرٌ في زمن صار فيه الصوت المسموع جريمة كبرى، والصدق في التعبير عن الرأي والحق جناية يعاقب عليها قانون أمن الدول.

لا أتذكر من شكله في الواقع إلا ملامح شبه غائبة؛ فقد التقيته في أحد المهرجانات في العام 2009، لكنني أتذكر جيداً أنه كان مشاكساً بصوت حاضر في كل لحظة، لا يهاب قول الحق ولا يخشى التصريح برأيه، كيف لا وهو العاشق لوطنه المحب للإنسان والفن قبل أي اعتبار؟ وخصوصاً وهو القائل:

«نحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد

نحجّ إليها مع المفردين عند الصباح وبعد المساء ويوم الأحد

ولو قتلونا كما قتلونا

ولو شردونا كما شرّدونا

ولو أبعدونا لبرك الغماد لعدنا غزاة لهذا البلد».

نقل عنه أحد أصدقائه قوله الذي أكده شخصيّاً عبر صفحته على «الفيس بوك» مقولة تنتصر للفن والإبداع كما كان يفعل دائماً: «جرّب الدينيون حكم تونس وفشلوا، ويجرب السياسيون الآن حكمها وقد برهنوا على فشلهم، ولن يصلح لها نظام للحكم إلا الفن». هو تصريح ينتصر للفن ولتونس الشاعرة كما كان يطلق عليها.

ما يجعلنا نطمئن ونبتسم قليلاً، هو أنه وقبل رحيله شهد تكريمه مرات متعددة كان أهمها وأقربها تكريمه في معرض تونس الدولي للكتاب في (الأول من ابريل/نيسان 2016)، أي قبل وفاته بأربعة أيام، إذ شمل التكريم نشر مطبوعاته وتوقيعها وإقامة ندوات تتناول شعره ونثره وتدشين معرض فني من وحي كتاباته.

كان مشاكساً مقلقاً للسلطة، لم يقبل أن ينحني لأحد، وكانت مواقفه جلية وواضحة لا تقبل التأويل، حتى عرفه الناس بحبه لبلاده وشعبه ورفضه أي ظلم أو فساد. كتب يوماً محذراً من غضب الشعب:

«الريح آتية وبيوتهم قشُّ

والكف عالية وزجاجهم هشُّ

لا تحزنوا أبداً يا إخوتي أبداً

إن شرّدوا طيراً يمضي له العشّ».

الشاعر أولاد أحمد مثال للمثقف الذي من أهم مهامه إزعاج السلطة كما يقول إدوارد سعيد، فلا يستكين إلا لما يمليه عليه ضميره حتى وإن حورب وأقصي، ومنعت كتبه وصودرت وفصل من عمله واعتقل وعاش في الشارع وللشارع.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4963 - الجمعة 08 أبريل 2016م الموافق 30 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً