العدد 4976 - الخميس 21 أبريل 2016م الموافق 14 رجب 1437هـ

بين الثورة والانقلاب والإصلاح

شفيق الغبرا comments [at] alwasatnews.com

كلمات الإصلاح والانقلاب والثورة متكررة في حياتنا، فكل منها يختزل سلسلة معقدة من الأحداث، فقد وقعت الثورة كما الإصلاح والانقلاب في العالم العربي في المرحلة التي تلت العام 2011، ومازال الإقليم العربي مفتوحاً على مصراعيه لهذه التعبيرات، ولهذا فإقليمنا ليس ببعيد عن تجارب جديدة مع كل من الإصلاح والانقلاب والثورة.

لقد تنوعت تعريفات الثورة، فالثورة حالة فوران كبرى طابعها الغالب سلمي، وإن كانت تحمل بعض مظاهر العنف.

الثورة تشبه فوران الماء وانفجار البحر، ويصاحبها ما هو أقرب للإعصار المدوي، إنها ظاهرة فريدة تتطلب مشاركة قطاعات شعبيه رئيسية تشمل معظم طبقات المجتمع، وذلك بهدف إزاحة النظام السياسي القائم بالكامل.

وتقع الثورة بعد أن تسود البلاد حالة من فقدان الأمل من إمكانات إصلاح النظام السياسي وتغير الأوضاع، والثورة لا يقوم بها إلا مجتمع متفائل بالمستقبل وبقدراته.

الثورات الناجحة في التاريخ، والتي تركت أثراً، انقسمت إلى أنماط مختلفة. فأولى الثورات الحديثة الكلاسيكية هي الفرنسية الواقعة في أواخر القرن الثامن عشر، ثم الروسية، والإيرانية، وقد عرفت هذه الثورات الكلاسيكية درجات رئيسية من العنف بعد الانتصار. أما الصينية فكانت ثورة مسلحة بالأساس انطلقت من الريف باتجاه المدن.

ونجد في الوقت نفسه أن ثورات أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية والربيع العربي في شكلها الأساسي من طبيعة مختلفة، لقد شهدت هذه الثورات عنفاً أقل بعد الثورة، كما تعاملت مع النظام القديم بدرجة أكبر من المرونة في ظل الاتفاق على العدالة الانتقالية والخروج الآمن. ولقد حافظت الثورة المصرية على أسس النظام المصري القديم، ولم تنجح في الانتقال الديمقراطي، مما عرضها للإجهاض المرحلي بسبب الثورة المضادة في ظل عناصر فاعلة من النظام القديم. أما الثورة التونسية فخلقت توازناً حساساً بين الثورة من جهة وبعض قوى النظام القديم من جهة أخرى، وهذا أنتج بدوره حالة إصلاح تلت الثورة. ومن الصعب وضع الثورات الليبية والسورية ثم اليمنية إلا في ظل تمترس قوى الثورة المضادة، والنظام القديم ثم تحول ذلك نحو الحرب الأهلية والعنف المسلح.

أما الانقلاب فهو شأن آخر، إذ يقع عندما تتوافر ظروف لمجموعة من الأفراد ممن يتبوؤون مواقع في النظام السياسي للانقضاض على السلطة، يقع هذا في ظل فراغ وتفكك في أجهزة النظام. وينفذ الانقلاب فئة من السلطة أو الجيش، وذلك لاستباق حراك شعبي أو منع ثورة جادة. وقلما تهدم الانقلابات النظام السياسي بالكامل، لكنها تجري تغييرات رئيسية، فتستبدل فئة من النخبة بفئة أخرى من النخبة عادة ما تكون من الجيش. ويصاحب معظم الانقلابات خاصة العسكرية، كما حصل في مصر في (يوليو/تموز 2013)، تصفيات واختفاء أفراد وتعذيب وسجن لألوف المواطنين. إن معظم الانقلابات التي وقعت قام بها عسكريون، لكن في المقابل وقعت الكثير من الانقلابات قام بها مدنيون من داخل الفئات الحاكمة نفسها.

ويمثل الإصلاح حالة نقيضة لكل من الانقلاب والثورة. فالانقلاب والثورة نتاج لفشل الإصلاح وبروز طريق مسدود وفراغ. الإصلاح هو التغيير الأصعب؛ لأنه يتطلب نسبة كبيرة من السلوك الديمقراطي في ظل اعتماد حقيقي على القنوات الدستورية والقانونية والسياسية. وقد يقع الإصلاح بعد انتفاضة وهبّة شعبية تمهد له وتقنع النخب بضروراته. الإصلاح يغير الكثير ويطرح الجديد، وقد يتضمن تعديلات دستورية ضخمة تنقل المجتمع نحو المشاركة والحقوق والديمقراطية. لقد شكل الإصلاح المغربي في 2011 صيغة أولية للإصلاح، اما البرازيل فهي نموذج للإصلاح وذلك من خلال مقدرتها على تحقيقه على مدى أكثر من عقد. الإصلاح عملية صعبة بسبب سلميته وحاجته إلى الإجماع والإقناع، إنه في الجوهر أكثر قدرة على بناء الاستقرار والديمقراطية. وتنبع صعوبة الاصلاح من فقدان المجتمعات الصبر، بالتالي تستسهل الثورة بينما فئات أخرى تستسهل الانقلاب. في النهاية كل هذا يقع بسبب فشل النظام السياسي في التعامل مع الأوضاع الصعبة للمواطنين.

إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"

العدد 4976 - الخميس 21 أبريل 2016م الموافق 14 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً