العدد 4982 - الأربعاء 27 أبريل 2016م الموافق 20 رجب 1437هـ

صدّقني ... أنتَ لستَ غبيّاً

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

سأروي لكم حكاية. بالتأكيد تعرفون ماكس مالوان (1904م - 1978م). إنه من أشهر علماء الآثار الذين تخصصوا في تنقيبات حضارات الشرق الأوسط، وزوج كاتبة الروايات البوليسية الشهيرة آجاثا كريستي (1890م - 1976م). هذا الرجل له قصة عندما كان يدرس في مدرسة روكبي بانجلترا.

يقول مالوان إن أستاذه في مادة الرياضيات واسمه ج. پ. فيرييه كان ممتازاً جدّاً لكنه حادّ المزاج. وهو الذي تُنسَب إليه هذه العبارة: «العَصَاة لا تكون فعّالة إلاّ إذا جعَلَت الصبي يَئِنُّ من الألم». ومن سوء حظ مالوان أنه كان ضعيفاً في مادة الجَبْر، لذلك كانت مرتبته دائماً الأخيرة بين الطلاب.

يضيف مالوان أنه كان على ذلك الحال حتى اليوم الذي درّسَهُ فيه ابن خاله جون دوفيفييه. فقد كان ذلك الدرس بمثابة النقلة التي جعلته يقفز من المرتبة الأخيرة في مادة الجَبْر إلى المرتبة الأولى. فَكَتَب مُشْرف مدرسة لاسنج لاحقاً إلى والدَيْ مالوان: «أعتقد أنه سيصبح رجلاً عظيماً ذات يوم».

هذه القصة (وغيرها من القصص) التي تتحدث عن اعتقادات خاطئة بوجود مشاكل تخلُّف دراسي لدى بعض الطلاب ما تلبث أنْ تتحوّل إلى تفوق دراسي لافت. قصص حدثت لفلاسفة وعلماء كبار في الفيزياء والكيمياء والرياضيات وغيرها من العلوم، كانوا فاشلين في أوّل دراستهم، إلاَّ أنهم تحوّلوا لاحقاً إلى علماء كبار. تُرَى ما هو السبب؟! أعتقد أن الجواب على ذلك يأتي بعد الحديث عن ثلاثة أشياء:

المُعلِّم: قرأتُ نصّاً لأحد العلماء يقول فيه: «لو قضيتَ نصف عمرك تبحث عن معلِّم جيّد فليس في ذلك خسارة». فالمعلِّم له دور محوري في أن يفشل الطالب أو ينجح. وكم شاهدنا خلال مشوار تعليمنا أن مُعلِّمِين أثّروا في طلابهم وكانوا سبباً في أن يُحبّوا هذه المادة العلمية دون سواها.

لكن، هناك حالات وقع فيها العكس. فـ «بعض» المعلِّمين، يفتقرون إلى رؤية اللحظة السلوكية والعاطفية والذهنية لطلابهم، ويتعاملون معهم بطريقة مَنْ لا يرى فيهم تلك اللحظة. حينها يرى الطالب نفسه خارج فضاء المادة العلمية، ويعتقد أنه متخلِّف في شأنها وعصيّ على فهمها.

يُقال بأن إغناتسه يان بادرفسكي (1860م - 1941م) عازف البيانو البولندي الأشهر، قال له مُعلِّمه في الموسيقى عندما كان صغيراً: «يا بني، أنتَ عازف ترومبون (بوق نفخ نحاسي) موهوب، لكنك لن تجيد العزف على البيانو»! تخيلوا كيف تعامل ذلك الأستاذ بسلبية الفاقد لرؤية موهبة تلميذه الذي أصبح تالياً من أعظم عازفي البيانو!

التعليم: للوهلة الأولى، سيُعتَبَر كل من: كادر التعليم والمناهج الدراسية هما محورا العملية التعليمية، تليهما انكباب الطلاب على دروسهما في المذاكرة الدائمة، كي يُقدِّموا امتحانات شهرية ونصف فصلية وفصلية، كي يُكتَشفَ الذكي منهم. لكن لنسأل: هل سيبقى الكثير من تلك المعلومات في الذاكرة بعد أن ينتهي الطالب من تقديم آخر امتحان له، ويذهب إلى عطلته؟! كثيرون سيقولون لا!

الحقيقة، أن هناك فكرة أشارت إليها إحدى المجلات العلمية المرموقة في بريطانيا، تفيد بأن التعليم الأكثر فاعلية هو عبر السماح للطلاب بالتفكير واستنتاج الحقائق مع إيجاد مساحة من التحدي للفكرة التقليدية الخاطئة والمقابلة للفكرة المطروحة. كيف يحصل ذلك؟

تضرب المجلة مثلاً: كانت الفكرة الخاطئة المهيمنة على عقول الطلاب هي أن درجات الحرارة في الجو تقل خلال الشتاء بسبب بُعْد الأرض عن الشمس. صُحِّحت الفكرة ودُسَّت في المناهج أن تغيُّر الحرارة هو نتيجة إمالة محور الأرض، بسبب دورانها. لكنها تقول إن الأجدى من ذلك هو جَعْل الطلاب يستنتجون الأمر، والطلب منهم الإجابة عن «سبب تعارض فصول السنة بين نصْفَيْ الكرة الأرضية في الوقت ذاته». المحصلة هو مقايضة العقل والتفكير بالقوة واليد كما تقول.

الذكاء/ الغباء الذكاء مفردة كبيرة. ولأنها كذلك، فتعريفها بمثل حجمها. قد يُقال عن الذكاء إنه النجاح بعد الاختبار المتعدد للعقل. وقد يُقال إنه التمام في التعامل مع المتناقضات بدل النقص. وقد يُقال إنه استشراف المستقبل والتنبؤ به (كما حددت الدراسات الحديثة). لكن وبعيداً عن كل ذلك فقد وجد الباحثون أن جميع البشر لديهم قاعدة أساسية مشتركة في أدمغتهم.

فبحسب دراسة لكريس فريث فإن الإنسان يمتلك «دائرتين كهربائيّتين محدَّدتين» الأولى تساعده «على التفكير في العلاقة السببيّة العقلية» حين نشعر بالغضب نتيجة حَيْف وقع علينا. أما الدائرة الثانية، فهي التي تمكِّنه «من التفكير في السببيّة المادية» حين ينشط مستقبِل الألم لدينا نتيجة الحرارة. «وتعمل تلكما الدائرتان العصبيتان بالتبادل، حيث لا يمكننا القيام بالأمرين معاً في آنٍ واحد».

اليوم، لم يعد هناك قوالب أبدية لمَلَكَاتنا، بل هناك تنمية لها. قبل أزيد من خمسة أعوام أعلن مركز إيمجينج ذي إنترنت في جامعة إيلون في نورث كارولاينا أن الاستخدامات المفيدة والنافعة للانترنت ستجعل من الإنسان أكثر ذكاءً.

وقبل فترة نُشِرَ بحثٌ لسابين لويت بشأن الصحة العقلية أشار إلى أن الاستغراق الذهني والتركيز على صوت الأنفاس تزيد من فرصة الحصول على نقطة الثبات الروحي، وبالتالي التفكير بوضوح أكثر. الاستغراق الذي يعني بحسب لويت هو «تدريب الذهن على التركيز على اللحظة الراهنة، وعلى التسليم بالأفكار والمشاعر، من دون الحُكْم عليها».

ما أريد أن أقوله هو إن هناك أفكاراً يجب أن تتغير. أفكارٌ لدى الطلاب ولدى المعلّمين ولدى المؤسسات التعليمية، بل ولدى الكثير من الدول حتى، كي يتم اكتشاف الملايين من العقول التي طَمَرَها الإحباط والنسيان.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4982 - الأربعاء 27 أبريل 2016م الموافق 20 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 5:20 ص

      قرأت لك مقالا واحدا قبل هذا المقال عن طريق الصدفة سيد محمد عبدالله محمد، فأعجبني ما كتبت وأجزمت أنك كاتب مميز وصاحب رؤية واضحة سأقرأ لك المزيد ان شاء الله وشكرا لك.

    • زائر 13 | 12:20 م

      أحب أولئك المعلمين..

      لا أدري لماذا حين كنا في المدرسة كان يعجبنا ويثيرنا دائماً أولئك المعلمون الذين "يخرجون عن الموضوع والمنهج" ويحلّقون بنا خارج الكتاب والصف،كنا نشعر بالإرتياح لهم وكانوا يعطونا من ثقافتهم،ولم يتعالوا علينا بأننا أطفال،وإنما كانوا يطرحون علينا قضايا كبيرة..

    • زائر 10 | 4:33 ص

      مقال جيد ولكنه يوجه اصابع الاتهام للمعلم فقط بينما المعلم هو عنصر واحد في البيئة التعليمية التعلمية
      لانستطيع ان نلوم المعلم فقط بينما الطالب يغرق في الكسل واللامبالاة وبينما الاهل لايحركون ساكناً لمساعدة ابنهم وبينما المناهج تضغط على الهيئة المعلمين ولاتعطيهم الفرص للابداع
      البيئة التعليمية وحالة الطالب السيكولوجيه لها تاثير كبير على تحصيله العلمي وليس اسلوب المعلم فقط

    • زائر 11 زائر 10 | 6:56 ص

      أتفق معك ولكن....

      يبقى المعلم هو الأساس
      أنا معلم ومحيط بكل ما قلته من كسل الطلبة وإهمال الأهل وقلة الاحترام
      ولكن فن التعليم واكتساب الطالب واحترامه
      فن لا يجيده الكثيرون

    • زائر 9 | 4:05 ص

      مقلل يستحق القراءة

      في المدرسة كنت مهمشة لم أتميز في شيء
      وحتى في الجامعة
      ولكن بعد أن انخرطت في العمل
      ظهرت جوانب تميزت بها بشهادة من حولي
      لا زلت أتذكر وأنا قاربت أن أكون جدة
      بعض عبارات السخرية والاستهجان من معلماتي

    • زائر 7 | 1:14 ص

      مقال جميل جداً

      أبحث عن مقالاتك دائماً بين الأعمدة فهي قمة في الروعة

    • زائر 8 زائر 7 | 3:38 ص

      كذلك الحال بالنسبة لي

    • زائر 6 | 1:13 ص

      غلطان يا خوي

      بالعكس رسالة الكاتب عكس كلامك وإذا كنت تشتكي فأنا أضرب لك مثال اليابان وهي من أكثر الدول تقدماً دوام الطلبة للساعة 7

    • زائر 5 | 1:08 ص

      "الملايين من العقول التي طَمَرَها الإحباط والنسيان"
      أؤيدك 100%

    • زائر 3 | 12:37 ص

      أحسنتم

    • زائر 12 زائر 3 | 7:24 ص

      التلميذ يحتاج إلى كلمة طيبه وتشجيع من الأهل والناس.

      ما اذري ليش اذا قالوا إليه ما تفهم يكون عندي حماس وتحدي وأتفوق .

    • زائر 2 | 12:16 ص

      مقال رائع. شكرا لك

    • زائر 1 | 11:50 م

      انا يوم صغير جذي! كانوا يتهموني بالغباء والجنون وجذي! كنت مجرد أتميز بالهدوء وعدم المبالاة وما اتحمل الساعات الطويلة على الكراسي في المدرسة! لكن انجح الحمد لله! الله فكانا من هالمدارس اله كانها سجن! اذونا صراحه اكثر مما نفعونا ومرض بطون ومعده! لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! في دول الغرب يدرسون الناس 3 او 5 ساعات في اليوم ويطلعونهم بره المدرسه واهني عدنايدرسونا 8 ساعات في اليوم كانه هنود ما نقدر انصلي ونتسبح! لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!اخرونا عن حياتنا الصراحه!حالنا احسن دونهم

    • زائر 4 زائر 1 | 12:59 ص

      رد على زائر 1

      المقال لا يتحدث بهذه السوداوية بل هو مقال نقدي. مدارسنا ليست جنان وجنات وبها أخطاء هائلة لكن لا نستطيع أن ننكر أنها خرّجت عباقرة بسبب جهودهم وجدّهم.

اقرأ ايضاً