العدد 4983 - الخميس 28 أبريل 2016م الموافق 21 رجب 1437هـ

التشريع البيئي في استراتيجية بناء السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

التشريع البيئي آلية محورية في تنظيم العلاقة القانونية مع معالم النظام البيئي، ووجوده مطلب ملح في بناء استراتيجية العمل البيئي، وأداة مهمة في تشخيص وتحديد المسئولية والالتزام وتنظيم عمل القضاء، وتيسير مهمة المحاكم في تنظيم المرافعات القضائية، ويوفر بموجب قواعده القانونية إمكانية بناء نظام إجرائي وإداري يتولى وظائف تشخيص وتحديد نوع وطبيعة الجريمة البيئية، وقياس مستوى أثر الفعل الإجرامي على صحة الإنسان والبيئة.

والتشريع البيئي بموجب قواعده وآلياته القانونية يُمَكن القضاء في تشخيص طبيعة الجرم البيئي، وتقدير مستوى الضرر البيئي، وتحديد المسئولية على الجرم البيئي المرتكب، وفرض العقوبة على جرائم التعدي على البيئة. ويتفق خبراء القانون وفقهاء التشريع على اختلاف مدارسهم الفقهية، على أن وجود التشريع البيئي المؤسس في منظومة قواعده ضرورة استراتيجية لإنجاز أهداف المشروع البيئي، ونرى أن وجود التشريع شرط ومطلب استراتيجي في إنجاز خطة العمل التنفيذي الموجهة لإنجاز أهداف بناء السلوك البشري والتنمية المستدامة.

وجود التشريع البيئي المتطور في قواعده وأدواته القانونية، يساهم في تعضيد قدرات الإدارة البيئية ومنهجة العمل التنظيمي للرقابة والتفتيش البيئي، ويوفر الأدوات القضائية والقانونية لبناء آلية الضبط القضائي كعنصر مهم في معادلة الرقابة والتفتيش البيئي، وأداة فعلية في بناء المرافعات القضائية، وتنظيم محاكم الجرائم البيئية، ويساهم ذلك المنهج والأداة القانونية في قمع حالة التعدي على المعالم البيئية، وصون الأمن البيئي للمجتمع.

الفراغ التشريعي حالة سلبية ومعضلة قانونية في منظومة العمل البيئي، ويتسبب في إحداث الخلل في منظومة عمل الإدارة البيئية، والرقابة والتفتيش البيئي، والتحقيق والضبط القضائي البيئي، ويعيق انجاز الأهداف اﻻستراتيجية لصون معالم النظام البيئي، وتفعيل أهداف التنمية المستدامة، لذلك أخذاً في الاعتبار الضرورة القانونية والإدارية للتشريع البيئي في إنجاز الأهداف الإستراتيجية للمشروع البيئي، حرص المجتمع الدولي على تضمين الاتفاقيات الدولية بالقواعد والمبادئ القانونية التي تلزم الأطراف المتعاقدة باعتماد تشريعاتها الوطنية في الشأن البيئي.

المجتمع الدولي تعزيزاً للضمانات القانونية في منظومة التشريعات البيئية للدول وتمكينها الإيفاء بالتزاماتها في الامتثال بالمعايير الدولية في شأن صون معالم الأنظمة البيئية، شدد في مبادئ إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية – 1992 في المبدأ (11) على أن «تسن الدول تشريعات فعالة بشأن البيئة. وينبغي أن تعكس المعايير البيئية والأهداف والأولويات الإدارية السياق البيئي والإنمائي الذي تنطبق عليه». ويجري التأكيد في المبدأ (13) في الوثيقة ذاتها على ضرورة أن «تضع الدول قانوناً وطنياً بشأن المسئولية، والتعويض فيما يتعلق بضحايا التلوث وغيره من الأضرار البيئية».

الثابت أن التشريع البيئي قضية عصرية، وفي مقدمة أولويات سلم اهتمامات خبراء القانون والمختصين في الشأن البيئي، ومن المعروف أن حالة المتغيرات السلبية المتواترة في بنية النظام البيئي وتصاعد وتيرة الأزمة البيئية، والآثار التدميرية للجرائم البيئية، واﻻنتهاكات المتصاعدة للمعالم الطبيعية للنظام البيئي، وما أحدثته من تدهور وخلل عميق في النظام البيئي لكوكب الأرض، وما أفرزته من خطر متصاعد الآثار السلبية على الأمن البيئي للإنسانية، جعل قضايا التشريع البيئي في صلب اهتمامات جهات اﻻختصاص البيئية والقضائية، وتصدرت موضوعات التشريع البيئي معالجات ورش العمل والندوات والمؤتمرات البيئية.

الحدث البيئي المهم في خريطة معالجة محددات مفاصل قضايا التشريع البيئي الذي شهدته البحرين ضمن برنامج شهر البيئة الذي نظمه المجلس الأعلى للبيئة في مارس/ آذار 2016 يتمثل في تنظيم «مؤتمر البحرين الدولي لحماية البيئة من المنظور التشريعي، الحماية القضائية، المسئولية البيئية»، بمشاركة المختصين في الشأن البيئي والتشريعي والقضائي. وشهد أعمال المؤتمر عرض أوراق عمل مهمة في تشخيص ثوابت ودلالات الأهمية الإستراتيجية للتشريع البيئي تمثلت في «نموذج اقتراح مشروع قانون لحماية البيئة في مملكة البحرين» تقديم رئيس هيئة التشريع والإفتاء القانوني المستشار عبدالله البوعينين؛ و»استعراض نموذج تشريعات مقارنة في مجال البيئة» تقديم المحامي حسن بديوي؛ و»دور القضاء الإداري في حماية البيئة» تقديم القاضي جمعه الموسى.

أوراق العمل المشار إليها تقدم مرئيات مهنية مهمة في استراتيجية بناء التشريع البيئي وتنظيم الاجراءات القانونية والقضائية، وفي حاجة إلى تسليط الضوء على ما حددته من مرئيات في منهجية صياغة التشريع البيئي، كما أن ورقة العمل بشأن «الحماية الجنائية القضائية» تقديم القاضي إبراهيم الزايد، عالجت محددات مفصلية في عمل القضاء البيئي، إذ جرى تبيان مفاصل الحماية الجنائية للبيئة في ضوء العمل القضائي، ودور النيابة العامة في حماية البيئة وتطبيق القانون، ودور المحاكمات الجنائية في الجرائم البيئية، وبينت جوانب العقوبات المنصوص عليها في التشريع البيئي في مملكة البحرين، وخلصت إلى تقديم مقترح بضرورة إنشاء محاكم مختصة لجرائم البيئة، وعقد دورات قضائية لأعضاء السلطة القضائية وكذلك لمأموري التفتيش البيئي، وعقد اتفاقات مشتركة مع المجلس الأعلى للقضاء والمجلس الأعلى للبيئة.

وجود التشريع البيئي ضرورة استراتيجية في تنظيم الإجراءات القانونية والقضائية في الشأن البيئي، وتوجه عملي في تحسين السلوك البيئي للمجتمع، وإنجاز أهداف التنمية المستدامة. ويمكن الجزم بأنه غير ممكن تحقيق قيم العدالة القانونية، وفرض القانون والنظام دون وجود تشريع مؤسس في أهدافه وأحكامه ومنهجياته وآلياته في معالجة وتشخيص قضايا البيئة ومشكلاتها، يرتكز على المعايير الدولية الحديثة في الشأن البيئي، ويشترك في إعداده المختصون في الشأن البيئي والقضائي وممثلو مؤسسات القطاع الحكومي والخاص والمجتمع المدني، وذلك ضمن ورشة عمل تخصصية يجري في سياقها تبادل الرؤى في شأن الأسس المنهجية لبناء منظومة القواعد والأحكام القانونية للتشريع البيئي الوطني للبحرين.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4983 - الخميس 28 أبريل 2016م الموافق 21 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً