العدد 5017 - الأربعاء 01 يونيو 2016م الموافق 25 شعبان 1437هـ

سأموت قريباً!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

اعتاد السياسي والمفكر العراقي حسن العلوي في «الكثير» من اللقاءات التلفزيونية معه أن يُبشِّر بموته قريباً! استمعت له في خمسة أو ستة لقاءات وهو يقول ذلك بطرق مختلفة، مرة بقوله إن هذه المقابلة التي تُجرَى معه ربما تكون الأخيرة له، ومرة بطلبه من محاوره أن يترك له الوقت كي يُكمِل حديثه؛ لأنه قد لا تسنح له الأقدار مرة أخرى لأن يتحدث، وكان يغمز إلى موته بعدها.

كنتُ أتساءل: لماذا يقول الرجل مثل ذلك الكلام ويُصرّ عليه. قلت: ربما لأنه يتحسّس موته كونه في العقد الثامن من العمر، ويعاني من مرض القلب. لكنني عدت وذكّرت نفسي أن هناك كثيرين ممن يُطلقون مثل تلك الأحاديث كي يُبادلوهم المشاعر ويدعوا لهم بطول العمر لأنهم يأنسون بذلك. وربما كان العلوي واحداً منهم. أقول ذلك طرافة ونحن ننهي أيام أسبوع ثقيل يحتاج الراحة من وَعْثَائِه. على كل حال فإني أدعو الباري أن يمدّ في حياة الأستاذ العلوي ويمتعه بعافية البدن.

الحقيقة، أن مسألة أعمار البشر جديرة بأن يُكتَب عنها. ليس الأعمار بحد ذاتها بل الحوادث الغريبة التي تصاحبها، وكيف أن هناك مَنْ يعتقد أن شبابه قد يُمهله حتى يهرم، وآخرون يعتقدون أن بلوغهم الثمانين هو الموعد الحقيقي والنهائي كي يرحلوا عن هذه الحياة. وأن هناك مَنْ ينزلق نحو الموت لأسباب عدَّة حتى يأكل نصف قدمه أو أكثر، لكن سرعان ما يعود إلى الحياة بأعجوبة.

دلّلت تجارب الحياة على أن الأعمار تنصرم إذا جاء أوانها لا أكثر من ذلك ولا أقل. ليس لأحد، شابّاً كان أم كهلاً، موعدٌ للرحيل وفقاً للعلامات التقليدية للموت بما فيها المرض حتى. وقد طُلِبَ من شاعر قديم عندما ذهب لعيادة مريض أن يقول شيئاً يُخفف عن ذلك المريض فأنشد قائلاً:

كمْ من عليلٍ قد تخطَّاهُ الرَّدى

فنجا وماتَ طبيبهُ والعوَّدُ

في العام الماضي توفيت يابانية تُدعَى ميساو أوكاوا عن عمر ناهز 117 عاماً. عندما بلغت السبعين من العمر لم يكن أحد يتوقع من عائلتها أنها ستعيش 47 عاماً أخرى. بل إنّ مَنْ حضروا عيد ميلادها الأخير في (مارس/آذار) قالوا إنها كانت تتمتع بصحة جيدة. الكلام ذاته كان يدور حول المعمّرة التي سبقتها وهي جيرومون كيمورا، لكنها أخرست الجميع وعاشت 116 عاماً.

من الأشياء العجيبة أنه وقبل أربعة أعوام قامت امرأة أميركية تُدعى ماري ألين هارديسون تبلغ من العمر 101 عام بالهبوط بالمظلة في سولت ليك سيتي بعدما ظلّت محلّقة في الجو وذلك للاحتفال بعيد ميلادها الأول بعد المئة. ابنها ألين كان قد بلغ من العمر 75 عاماً حين كان يرى والدته وهي تحلق بالمظلة. علقت هارديسون عندما رأت تعجّب المارة من مغامرتها تلك: «لا يعني أنك كبير في السن أن تجلس دون عمل».

أكثر من ذلك فقد نجا البعض من موت محقق، حين كانت رؤوسهم ستطير على أثير غضبة حاكم. دعونا هنا نأتي بقصص من التراث بدل الاستشهاد بحوادث زماننا. فذاك الزمن حوى العجائب كذلك.

يقال جلس الحجَّاج يوماً يأكل، ومعه على المائدة محمد بن عُمَيْر بن عُطَارِد التَّمِيمِي، وحجار بن أبجر العجلِيّ، فقال الحجاج لـ محمد مُذكّراً إياه: يدعوك قُتَيْبَة بن مُسلم إِلَى نصرتي يوم رستقباذ (مكان جرت فيه معركة وهو بالقرب من دستوا)، فتقول: هذا أمر لا ناقة لي فيه ولا جمل!! ثم نادى: يا حَرَسِيّ خُذ بِيَدِهِ، فَاضْرب عُنُقه. فجذب الحارس سَيْفه، وأخذ بيد محمد بن عُمَيْر، وحانت من الْحجَّاج التفاتة، فنظر إلى حجار بن أبجر يتبسّم، فدخلته العصبية، وكان مكان حجار من ربيعة، كمكان محمد بن عُمَيْر من مُضر. فقال الحجَّاج: يا حَرَسِيّ، شِمْ سَيْفك (أي أغمده). لذلك قيل: احتجّ لقتله بأتفه حجَّة فخلصه الله منه بأهْوَن سبيل كما ذكر ذلك التنوخي.

وذُكِرَ أيضاً نقلاً عن القاضي أبو الحسين أنه قال: حُبِسَ رجلٌ قد وَجب عليه حَدّ، فلما رُفِعَ خَبره، أُمِرَ بِضَرْب عُنُقه. يقول القاضي: فدخلت إلى الحبس فرأيت ذلك الرجل يلْعَب بالنرد. فقلت: ما أفرغ قلب هذا، يلعب بالنرد وهو محبوس. فقيل لي: إن أطرف من هذا أَنه قد أَمر بِضَرْب عُنُقه، وقد عرف بذلك لكنه كما تراه، فازددت تَعَجباً، وفطِن الرجل لما نحن فيه من عجب، فأخذ بِيَدِهِ فصّاً من فصوص النَّرْد فرفعه، وقال: إلى أن يسقط هذا إلى الأرض، مئة ألف فرج، ورمى بالفص من يده. قال: فما أمسينا ذلك اليوم، حتى شغب الجند، وفُتِحَت السجون، وخرج من كان فيها، والرجل فيهم.

وجاء في المستطرف أن عبدالملك بن مروان تغيّظ على رجل، فقال: والله لئن أمكنني الله منه لأفعلن به كذا وكذا، فلما صار بين يديه قال رجاء بن حيوة: يا أمير المؤمنين قد صنع الله ما أحببت، فاصنع ما أحب الله، فعفا عنه وأمر له بصلة.

خلاصة القول إنه لا يوجد أحد يموت قبل يومه لا بالمرض ولا بعدد السنين، ولا حتى بالسّيف المُسلَّط على رقبته. فليس هناك مَنْ يستطيع أن يُحدِّد أعمار الناس بِحَيْفٍ يُوقِعه عليهم.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5017 - الأربعاء 01 يونيو 2016م الموافق 25 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 28 | 2:33 م

      ماعليك شر

      أستاذ محمد، الله يطوّل بعمرك

    • زائر 25 | 9:11 ص

      كفى بالموت واعضا
      من لم يتعض من حقيقة حتمية أن الأرض وما عليها ليست للناس وإنما للخالق البريء جلل جلاله. فاليوم لناس لا يقال أنهم نيم أو يعيشون في دول نائمه أو نائمه أو نامية وأخرى متقدمة في لنوم وكنم لدول المتأخره في النوم أقرب إلى لسبات العميق اليس كذلك؟ فأين تقدم الغرب اليوم في الإستيلاء على ثروات الدول الفقيرة أم / أو في ما التقدم؟

    • زائر 24 | 9:07 ص

      من لم يمت بالسيف مت بغيره و تعددت الأسبب ولموت واحد.. السؤل مات عميد السجناء في جناب أفريقيا نلسين مانديلا تاركا للمستعمر ويلات الظلم ولقهر شامخاً. فقد بقت ذكرى مانديلا أما سجانوه ففي زبالة التاريخ. أليس كذلك؟

    • زائر 21 | 8:16 ص

      الموت بيد الله لكن هناك من هو عايش لكنه في الحقيقة ميت و هناك من مات لكنه حي عند ربه و عند الناس أيضا قلب صفحات التاريخ لترى

    • زائر 16 | 5:09 ص

      مقال موفق
      شكرا أيها المبدع

    • زائر 14 | 3:45 ص

      يعنى انه الي اعرفه انه موزين واحد يدعى على روحه بالموت وكرر ذالك هاده ياس والله اقول لا تقنطوا من رحمة الله

    • زائر 11 | 2:20 ص

      اللهم فك قيد كل اسير ....في البحرين

    • زائر 12 زائر 11 | 2:34 ص

      اسمله عليك

      اسمله عليك

    • زائر 9 | 1:34 ص

      ألف سلامة عليك

    • زائر 7 | 1:06 ص

      ههههههههههههههه عجيب التوضيح :)

    • زائر 6 | 1:04 ص

      أوافقك

      فتلك لغة صعبة بالية عفى عليها الدهر

    • زائر 5 | 12:47 ص

      توقيت مناسب واشارة جيدة والتفاته ذكية ممن لا يكتب مباشرة بالشأن البحريني السياسي مباشرة / نسأل الله ان يفك اسرهم ويعيدهم لأهلهم سالمين غانمين انه على كل شي قدير

    • زائر 4 | 12:13 ص

      عند نقل قصص التراث
      في رأيي، أن تعاد صياغة القصة بلغة العصر؛ فذاك أفضل للفهم.

    • زائر 3 | 11:32 م

      عبرة لمن يعتبر

      استاذي جميل جدا ما خطت يداك ونسأل الله تعالى ان يفك رقاب المظلومين من سطوات السيووف

    • زائر 2 | 11:17 م

      شكراً استاذ المقال غاية في متانة الفكر وسبك الكلام

    • زائر 1 | 10:25 م

      يوم رستقباذ (مكان جرت فيه معركة وهو بالقرب من دستوا)
      للتوضيح اكثر للقراء الكرام فان دستوا مكان قريب من سرنتيش وصلنقوان وبحر نرتعون
      وكل خميس ونيس والجميع بخير

    • زائر 8 زائر 1 | 1:32 ص

      شكرا

      اذكر انني تعشيت مرة في مطعم ...المطل على ساحل برنجيس المقابل لتلك الديار

      آنسكم الله في الخميس الونيس

    • زائر 10 زائر 1 | 1:42 ص

      هههه عجب ردك \\خلني احفظ الاولى عشان اعرف ثانيها

    • زائر 13 زائر 1 | 2:39 ص

      اخي العزيز شكار للتوضيح ، بس للحين مادلينا المنطقه ! :(

    • زائر 15 زائر 1 | 4:41 ص

      ذكرتني ببحر نرتعون
      عجيب هو مقهى زرفلوني الواقع على ساحل هذا البحر الرائع
      لا انسى مشروبهم التقليدي شاي السرموشين المنعش ووجبتهم اللذيذة جدا : الكرتماشية
      منظر لا ينسى اطلالتك من المقهى على البحر من جهة ومن جهة اخرى تلال صلنقوان الخضراء

    • زائر 17 زائر 1 | 5:15 ص

      أنصح الزائر رقم واحد بأن تدفعه كلمة غريبة ككلمة رستقباذ للبحث عنها وليس للعبث والاتيان بمسميات وهمية. وليقتدي بقراء الوسط المحترمين الذين أثبتوا أنهم على درجة كبيرة من الثقافة والتفكير الحر. رستقباذ: هي من أرض دستوا كما ذكر الكاتب أو كما قال الطبري أنها من كور الأهواز، بينما عرفها آخرون بأنها قريبة من البصرة.

    • زائر 20 زائر 17 | 8:01 ص

      زائر 17
      يبدو لي انك من قراء الوسط المثقفين وربما المحترمين أيضا
      زائر 1 لم يكن يعبث او يعوزه ان يبحث عن كلمة رستقباذ لان الكاتب كفاه المهمة واوضح انها بالقرب من دستوا
      ولانه كان محترما بما فيه الكفاية لم يشأ ان يعلق بصورة مباشرة ويكتب بان تعريف المجهول بمجهول قبيح
      لذلك علق بتعليق مرح يوصل المطلوب دون تجريح وهو ما ادركه جل القراء واستحسنوه الا انه ربما صعب استيعابه على البعض

    • زائر 26 زائر 20 | 10:55 ص

      ما شاء الله عليك زائر 20 قصف مباشر و مركز

    • زائر 22 زائر 17 | 8:22 ص

      نصيحتك حلوة استاذ
      بس كلش مي حلوة انك تقول عن زائر 1 انه مو محترم
      يا اخي كل واحد وليه اسلوبه

    • زائر 23 زائر 17 | 9:04 ص

      بافتراض انك قراء الوسط المحترمين و على درجة كبيرة من الثقافة والتفكير الحر
      انت كتبت : ( رستقباذ: هي من أرض دستوا كما ذكر الكاتب )
      بينما الكاتب كتب : ( رستقباذ: مكان جرت فيه معركة وهو بالقرب من دستوا )
      يعني ( من أرض ) تعطي نفس معنى ( بالقرب من ) ؟
      يعني نقدر نقول ( المحرق من ارض البحرين ) هي نفسها ( المحرق بالقرب من البحرين ) ؟
      يا انك مو فاهم الفرق او انك حرفت كلام الكاتب وثنتينهم مصيبة

    • زائر 19 زائر 1 | 6:24 ص

      هﻻ بله

      واي خفيف .

اقرأ ايضاً