العدد 504 - الخميس 22 يناير 2004م الموافق 29 ذي القعدة 1424هـ

كيف يمكن فك الحصار الأميركي عن الأنظمة الخليجية؟

عبدالله العباسي comments [at] alwasatnews.com

هناك مسلمات معروفة لكل العقلاء أهمها أن القيادة الخليجية أدركت عدة أمور منها:

- إن المصالحة مع شعوبها هي الوسيلة الأنجع للخروج من الأزمة الحالية.

- إن المصالحة لا تأتي إلا من خلال نظام ديمقراطي.

- أن تأتي هذه الإصلاحات على وجه السرعة من دون أي تسويف وأهمها تحسين أوضاع المواطنين وإنهاء مشكلات البطالة والإسكان وفتح الباب أمام هامش من الحرية.

- إن تأجيل هذه الإصلاحات أو محاولة خداع المواطن سيؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.

- إن فك الحصارين الأميركي والغربي لا يأتي إلا من خلال وجود قاعدة شعبية، تقف إلى جانب النظام لا من خلال السيف والسجون بل من خلال قناعته بأن هذه الحكومات جادة في تصحيح الأوضاع.

ولاشك أن الحكومات الخليجية أدركت جيدا أنها محاصرة من قبل الولايات المتحدة والغرب، وأن فك هذا الحصار الخانق الذي يأتي من خلال إملاء شروط تزيد عليها الحصار يوما بعد يوم وأن رصيدها أصبح مكشوفا لدى شعوب المنطقة ما لا يدع أمامها متسعا من مجال المناورة بغلي الماء في القدر كما كانت تفعل البدوية الفقيرة لإسكات أبنائها حتى يناموا. ومن الواضح أن معظم دول الخليج أدركت بشكل جيد أن لا مناص من أن تُشّمر عن سواعدها لتقوم بعملية انفتاح يحقق ولو جانبا من طموحات واحتياجات شعوبها وإلا فإنها قد تختنق فعلا بالحصار الأميركي الأوروبي، كما أدركت هذه القيادات ووعت أن البشر بدأوا يعون ويتذمرون ويحاولون أن ينتفضوا مما يذكرك بالعبارة المكتوبة على غلاف الرواية الروسية «والفولاذ سقيناه» التي تقول: «إن اللهيب يملأ الأرض اليوم فقد نهض العبيد». ومن جهة أخرى فإن القيادات الخليجية هي الأخرى أفاقت من نومها بأن على المفسدين من الأتباع ممن ينهبون المال العام من دون حساب عليهم أن يتوقفوا وإلا سيدفعون الثمن غاليا، والولايات المتحدة مستعدة بأن تساندهم في ذلك حقا أو باطلا لأن الأمور اختلطت فعلا والمهم هو جريان النفط وعدم معارضة «إسرائيل» أو الالتقاء مع الإسلاميين الذين يعتبرون التخلص من الولايات المتحدة الأميركية هو الطريق الموصل إلى الجنة.

صحيح أن الأنظمة الخليجية لا تعارض السياسة الأميركية أو تتحداها ولديها تفاهمات تجاه «إسرائيل»، غير أن الولايات المتحدة ترى أن الآلية الأهم هي خلق استقرار سياسي في البلاد بالتفاهم مع شعوبها وأن تقصر من مد اليد إلى أموال الشعوب التي بلغت درجة من الفقر حتى صار المواطن يفضل الموت بعمليات انتحارية تسبب القلق للشعوب الأوروبية والأميركية بدلا من الموت جوعا وبقائها أشبه بالشحّادين في دول نفطية بينما أصغر شيخ قادر على شراء ناد أوروبي بكامله بعدة ملايين من الدولارات.

ولهذا أعلن كولن باول أنه آن الأوان لتصحيح مسارها بعدم الاستمرار في دعم هذه الأنظمة الدكتاتورية لا حبا في عيون الشعوب بل لأن فقرها وبؤسها هو السبب وراء خلق التطرف الديني وابتلاعهم طُعم دخول الجنة على يد صياديهم خصوصا وهم يعيشون على بحر من النفط.

لكل هذه الأسباب أعلنت القيادات الخليجية فتح باب الحوار كعربون للمصالحة مع شعوبها علها تنفلت من أسرها لهذه الدولة الأميركية الداعمة للطغيان الإسرائيلي التي تحاصرهم والتي تولت قيادة العالم عنوة بعد أن خلّصها أسامة بن لادن من غريمها الذي كان يقف إلى جانب الشعوب المناضلة من أجل حرياتها واستقلالها، سواء من خلال الدعاء على الاتحاد السوفياتي أو من خلال المعارك التي قادها بن لادن وفرقة الموت التي تصاحبه.

وما التحولات التي نجدها وإعلان الإصلاحات الجديدة ومد الجسور مع شعبها من قبل القيادة السعودية إلا بداية للانعتاق من الحصار الأميركي بعد أن عرفت القيادة السعودية أن رضا الولايات المتحدة غاية لا تدرك، ولهذا بدأت القيادات الحكيمة والمدركة لجدية التغيرات الدولية في المملكة العربية السعودية يتقدمهم ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود بالبدء في هذه المسيرة الإصلاحية، وكانت نقطة البداية هي اللقاء الوطني السعودي للحوار الفكري الذي عقد في الرياض خلال الفترة من 15 إلى 18 يونيو/ حزيران 2003 الذي شاركت فيه نحو 35 شخصية مثّلت مختلف الأطياف الفكرية في البلاد، تداولت موضوعات الوحدة الوطنية، والغلو والتطرف، والعلاقات الدولية، وموضوعات أخرى متعددة، وخرجت بعدة توصيات رفعت إلى ولي العهد السعودي الذي أقر في الثالث من أغسطس/ آب الماضي إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، ليكون المحضن لمثل هذه البرامج والنشاطات.

وتعيش المملكة العربية السعودية - نتيجة سلسلة من الحوادث المتلاحقة خلال الأعوام الماضية - مرحلة إعادة صوغ وتطوير شاملة للجسم التنظيمي في الخطاب الديني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي.

وكان ولي العهد السعودي ظهر على شاشة القناة الأولى في سبتمبر/ أيلول الماضي، ليعلن موافقة الملك فهد على إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، ومقره العاصمة الرياض، وهو الحدث الذي سبقه في يونيو الماضي انعقاد اللقاء الوطني والذي تم بعيدا عن التغطية الإعلامية المباشرة للحدث.

ومع السرية التي أحاطت بذلك الحوار وما صاحبه من حجب للتوصيات، إلا أن شبكة «الإسلام اليوم» كشفت أن ثمة توصيات جريئة تم تضمينها في ورقة التوصيات المقدمة من المشاركين في اللقاء. كما كشفت أن ابرز تلك التوصيات هي أن تكون عضوية مجلس الشورى بالانتخاب الحر المباشر وكذلك مجالس المناطق المختلفة ، كما أكد اللقاء أهمية الحرص على ضبط توزيع المال العام، كما تضمن ضرورة الشفافية والعدالة والمحاسبة على التجاوزات التي تطوله، وأكد ضرورة المساواة بين المواطنين من غير تمييز والمساواة بين المناطق السعودية في التنمية العمرانية والاقتصادية والاجتماعية. وأكدت التوصيات كذلك دعم الحوار في المجتمع السعودي، وإنشاء مجلس للحوار يكون جسر تواصل مع الأمم والحضارات والثقافات الأخرى.

إن سماح القيادة السعودية بإقامة هذه اللقاءات والحوارات فتح المجال للناشطين السعوديين بأن يطالبوا بالتسريع في اتخاذ آليات محددة لتنفيذ توصيات اللقاء الوطني الثاني للحوار الفكري الذي عقد في مكة المكرمة والتي وصلت إلى نحو 25 توصية تراوحت بين المطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية. وفي اللقاء الثاني الذي أقيم تحت عنوان «مشكلة الغلو... نظرة شرعية كاملة»، وكان الرد العملي الذي طمأن الكثيرين من النشطاء السياسيين السعوديين ذلك التصريح الذي تضمنته كلمة الأمير عبدالله: «إن الدولة ماضية في نهجها الإصلاحي المدروس ولن نسمح لأحد أن يقف في وجه الإصلاح سواء بالدعوة إلى الجمود أو الدعوة إلى القفز في الظلام»، بمعنى (لا سلفية متخلفة ولا ليبرالية متطرفة).

ومما أدخل مزيدا من الارتياح إلى الليبراليين إشادة الأمير عبدالله بتوصيات اللقاء الثاني للحوار الوطني التي قال: إنها تدعم الوحدة الوطنية وتعزز قيم الحوارات والاعتدال والتسامح. ومن التوصيات الحساسة للقاء الوطني الثاني الذي اعتبر خطاب الأمير عبدالله وثيقة رئيسية للقاء وقد تضمن الكثير من النقاط التي أثارت ارتياح كل القوى الوطنية من بينها:

- الوعي بما يحدق بالوطن من أخطار وهجمات شرسة تمس عقيدته ووحدته الوطنية، والتنبه إلى ما تحدثه من عوامل التنافر والشقاق بأشكاله القبلية أو الإقليمية أو الفكرية من هدم لعرى التماسك والترابط وأواصر بناء العلاقات الأخوية في ظل الوطن الواحد.

- إدراك أن الاختلاف والتنوع الفكري وتعدد المذاهب واقع مشاهد في حياتنا وطبيعة من طبائع البشر يستثمر في التأسيس نحو استراتيجية التعامل السليمة التي تخدم أهداف المملكة وثوابتها وقيمها الشرعية.

- الأخذ في الاعتبار الواقع المعاصر والتقدم التقني في الاتصالات وتداول المعلومات بسرعة من دون موانع أو عوائق، ما يحتم ضرورة وضع أساليب جديدة لحماية الدين والوطن والمواطن.

- تركيز العناية والتفكير في قضية الخطاب الإسلامي الداخلي والخارجي بما يؤكد تمسك المملكة بعقيدتها الإسلامية وصلاتها بعالمها الإسلامي ووحدتها الوطنية في إطار من الوسطية والاعتدال.

- السير في كل ما سبق داخل مضمار الحوار العلمي الموضوعي الهادئ البعيد عن التنافر.

- التطوير العلمي لفكرة هذا اللقاء، وتوسيع دائرة المشاركة فيه، ليشمل جميع المستويات، ويعالج مختلف الموضوعات، وذلك بإنشاء مركز للحوار الوطني يعنى بتنظيم اللقاءات، وإعداد البحوث والدراسات في هذا المجال.

- الاستمرار في تطوير عناصر العملية التربوية بما يحقق مواكبة العصر وتعزيز الوحدة الوطنية، وبما ينمّي في نفوس الطلاب صفة التقوى، والاستعداد للبذل والتضحية، وتقديم المصلحة العامة، وبما يضمن حماية الهوية الإسلامية للمواطن ووعيه بها، وحمايتها من أي مؤشر سلبي.

- الاستمرار بعملية الإصلاح بجوانبه كافة، وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية بما يعزز الوحدة الوطنية، ويعمق مشاعر الانتماء.

هذه التوصيات وجدية القيادة السياسية في تقبل أطروحات الليبراليين المعتدلين، كما ورد في تصريحات وكلمات الأمير عبدالله، هما تأكيد بأن المملكة العربية السعودية - أكبر دول المنطقة - ماضية في تغييراتها الجذرية.

ولكن السؤال: هل هذه الجدية ستتواصل؟ وهل سيتم تنفيذ هذه التوصيات على وجه السرعة حتى يأتي بيد القيادة السياسية السعودية لا بيد عمرو الأميركي؟ أرجو ذلك.

كاتب بحريني

العدد 504 - الخميس 22 يناير 2004م الموافق 29 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً