العدد 505 - الجمعة 23 يناير 2004م الموافق 30 ذي القعدة 1424هـ

الجريمة... إلى متى؟!

علي الشرقي ali.alsharqi [at] alwasatnews.com

مرَّت البحرين عبر تاريخها الطويل بفترة مشرقة مضيئة جديرة بأن نطلق عليها «الفترة الذهبية»، خيَّم الأمن والأمان على ربوع هذه الجزيرة، بحيث قلّما تجد بابا موصدا في الليل والنهار. كان الواحد من أبناء هذا البلد يسافر شهورا - وهي فترة «الغوص» أو «التجارة» - تاركا بيته (البسيط) وعياله (البسطاء) تحت عناية الله ورعاية جيرانه الطيبين، وحين يعود يجد بيته وأهله في خير وسلام. كان الكل يُمثِّل أسرة واحدة، متكافلة متعاونة، يسودها الاطمئنان، وترفرف فوق أجوائها راية المحبة والوئام، و«الغيرة» قبل كل شيء. وبقي هذا الحال حتى عهد قريب.

ولكن... تغيَّرت الأحوال - سُبحان المُغيِّر - واستجدت أمور ليست خافية على اللبيب، سرقت النوم من العيون، والطمأنينة من القلوب، والأمان من النفوس. هذه المستجدات جعلت الواحد منا يعيش القلق والرهبة، فلا يأمن على بيته المُحصَّن، ولا على سيارته المقفلة في مرآبها، ولا على أولاده وبناته وهم يلعبون عند الباب أو الساحة المجاورة، أو يذهبون إلى الخباز القريب. فلا يمر يوم إلا ونسمع ونقرأ عن سرقة هنا أو هناك تشمل السيارات والأموال والمصوغات والأثاث وكل شيء، والأشنع من ذلك حين تسمع عن اختطاف هذا الطفل وتلك الطفلة والعبث بهما، مستغلين كونهما صغيرين أو من المتخلِّفين عقليا، وهذه واللهِ مصيبة المصائب.

نحن نعرف أن هناك موازنة (ضخمة) للأمن، ونعرف أن الجهات الأمنية والحكومة (ما منها قصور أو تقصير)، تبذل قصارى جهودها في سبيل خفض مستوى الجريمة في البحرين، ولكن... لماذا هذه النتيجة العكسية؟... أي لماذا كلما زادت الموازنة وتضاعفت الجهود الأمنية زاد مستوى الجريمة المصحوبة بالجرأة والوقاحة والتحدي؟ بدليل أن معظم هذه الجرائم تتم نهارا وفي أماكن تقع على الشوارع العامة، والأدهى من ذلك أن معظم الجرائم تسجل «ضد مجهول»، وهذا ما جعل البعض يتهكّم - وهو معذور - بقوله: لو أن جزءا من هذه الجرائم تمسُّ شخصا من ذوي النفوذ هل تُقابل بشيء من التهاون؟ وهل سيُقال للشخص المسروق: لماذا لم «تركِّب» جهاز إنذار في بيتك وسيارتك ومتجَرك؟ أي بمعنى أوضح «إحمِ نفسك بنفسك»... إذا ما هي مسئولية الأمن الحكومي من هذه القضايا إذا كنتُ أنا وغيري مسئولين عن حماية سياراتنا وبيوتنا ومتاجرنا وأطفالنا وأعراضنا من عبث العابثين؟

المطلوب شيء من الجد والحزم من قبل الأمن، وشيء من الاهتمام براحة الناس وسلامتهم، وقديما قيل: «نعمتان مجهولتان: الصحة والأمان»، وقال الشاعر: «إذا الإيمان ضاع فلا أمانُ». فعلى الجميع - وخصوصا الحكومة - أن ترسِّخ الإيمان في النفوس بتوفير ما يحتاج إليه الناس من ضروريات، وفي مقدمة ذلك (العمل) الذي يحفظ الكرامة ويصون الأعراض والأموال والممتلكات مِنْ العبث، والبحث الجدي عن كيفية دخول المخدرات وأخواتها إلى بلادنا، ومَنْ هم الأشخاص الذين يقفون وراء كل ذلك، ومعاقبتهم بصورة تعيد البسمة إلى الشفاه، والأمان إلى القلوب والسعادة إلى النفوس، وبغير ذلك سيصرخ الكل - بِلا هوادة - ومِنْ أعماق القلوب «الجريمة... إلى متى؟!»

إقرأ أيضا لـ "علي الشرقي"

العدد 505 - الجمعة 23 يناير 2004م الموافق 30 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً