العدد 5054 - الجمعة 08 يوليو 2016م الموافق 03 شوال 1437هـ

الفيدرالية والأقاليم: معنًى ومبنًى (3)

عبدالحسين شعبان comments [at] alwasatnews.com

كاتب عراقي وحقوقي عربي

الفيدرالية بحسب الدستور العراقي، جاءت موسّعة وصلاحياتها كبيرة ومفتوحة، على عكس صلاحيات السلطة الاتحادية التي جاءت مقتصرة على أبواب محدّدة، وفيما لو حصل خلاف بين الدستور الاتحادي والدستور الإقليمي، فإن الأول يخضع للثاني وليس العكس، كما هي الغالبية الساحقة من فيدراليات العالم، وليس بمستطاع قيادة الجيش بما فيه القائد العام للقوات المسلحة، نقل أو تحريك قطعات عسكرية من وإلى الأقاليم، إلاّ بموافقتها. وبحسب الدستور يحقّ للأقاليم فتح ممثليات لها في السفارات العراقية في الخارج لمتابعة القضايا الإنمائية والثقافية والاجتماعية.

وبالقراءة القانونية فإن مثل هذا الوضع سيكون نواة لدويلة داخل دويلة بغض النظر عن النوايا، طالما ستكون هناك امتيازات وصلاحيات، فلا يمكن والحال هذه إلاّ التمسك بها لأنها ستكون «حقوقاً» مكتسبة، وخصوصاً وقد تضمنها الدستور، وليس بعيداً عن ذلك «العلاقات الخارجية» و»الاقتصادية» وإشكالات النفط وتوابعه، من الإنتاج إلى التصدير، ومن التعاقد إلى التوزيع، وعلاقة السلطة الاتحادية بالسلطة الإقليمية، سواء بالتنسيق أو بالإشراف أو الموافقة. وقد انفجرت هذه الأزمة منذ سنوات بين الحكومة الاتحادية وبين إقليم كردستان، ولم تجد طريقها إلى الحل لحد الآن، على رغم محاولات نزع فتيل الأزمة. وأعتقد أن سبب هذه الإشكالية في الدستور هي في المادتين 111 و112، اللتين تنصّان على:

- مادة 111

النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كلّ الأقاليم والمحافظات .

- مادة 112

أولاً: - تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المُستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المُنتجة، على أن توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد، مع تحديد حصّة لمدّة محدّدة للأقاليم المتضرّرة، والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق، والتي تضرّرت بعد ذلك، بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد، وينظم ذلك بقانون.

ثانياً: - تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة معاً برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز، بما يحقق أعلى منفعةٍ للشعب العراقي، معتمدةً أحدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار.

وإذا كانت الحكومة الاتحادية تدير النفط والغاز من الحقول الحالية، فإن النفط والغاز غير المستخرج تتم إدارته من جانب الأقاليم بالتنسيق والتعاون مع الحكومة الاتحادية، ومثل هذه النصوص كانت وراء تفسيرات وتأويلات مختلفة ومتنوّعة، بل ومتناقضة ولإقليم كردستان تفسيراته، مثلما للحكومة الاتحادية تفسيراتها.

إن تلك الإشكاليات جعلت من مبدأ الفيدرالية أو «الأقاليم» إمّا وسيلة للتحلّل من الهيمنة المركزية للدولة وذكرياتها المؤلمة، وخصوصاً للكرد، لاسيّما في فترة النظام الاستبدادي السابق، ولكنها قد تؤدي بالواقع العملي إلى إضعاف الدولة وسلطتها الاتحادية لحساب الأقاليم، أو اعتبار الفيدرالية بعبعاً مخيفاً، باعتباره طريقاً للانفصال والإنقسام، ما سيبقي على المركزية الشديدة الصارمة، وهو ما سارت عليه الدولة منذ تأسيسها، ولاسيّما خلال فترة النظام السابق، بل إن هذا الاتجاه يعتبر أي حديث عن الفيدرالية إنما يصبّ في تقسيم العراق وقد يكون موحى به أو مدفوع الثمن من جهات خارجية مشبوهة. وهكذا يتعامل الفرقاء مع الفيدرالية بحسب أهوائهم التي تتراوح بين المقدّس والمدنّس.

وكلا الشعورين ينمّان عن عدم ثقة وعدم وجود فهم مشترك وقناعات موحّدة حول الفكرة الفيدرالية معنًى (أي مضموناً) ومبنًى (أي صياغة)، وترتفع درجة الشكوك في ظلّ وجود هيمنة طائفية وتمييز وتهميش، ناهيك عن الرغبة في الحصول على المزيد من المكاسب على حساب الآخر وتحت تبريرات مختلفة.

الفيدرالية التي رفعت شعارها الحركة الكردية منذ مطلع التسعينات وأيّدتها قوى يسارية وليبرالية ووطنية بشكل عام، كانت تطويراً لشعار الحركة الوطنية القديم منذ مطلع الستينات «الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان»، وذلك في إطار دعوة صريحة إلى تمثيل الشعب الكردي وتمكينه من تقرير مصيره في إطار الوحدة الوطنية العراقية كما اختارها، لكن الأمر لم يقتصر على ذلك، وظهرت مشكلات قديمة وجديدة، بعضها عويص، وخصوصاً ما يتعلق بكركوك أو بما سمّي المناطق المتنازع عليها، والتي ورد ذكرها في المادة 58 من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية أو المادة 140 من الدستور الدائم الذي تم الاستفتاء عليه في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2005، وأجريت الانتخابات على أساسه في 15 ديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته.

وكان الدستور الدائم امتداداً لقانون إدارة الدولة التي صدر في عهد بريمر، وقد نُقلت الكثير من مواد الأخير وأحكامه إلى الدستور الدائم، الذي جاء مليئاً بالألغام، بحيث لم يشعر أي طرف بالارتياح، في حين إن الدستور هو تعبير عن الواقع السياسي والاقتصادي ودرجة التطور الاجتماعي ويعكس المصالح والأهداف المشتركة للفئات الاجتماعية المختلفة، لكن الأمر في الدستور العراقي اتخذ منحًى مختلفاً. ولذلك وفي أكثر الأحيان يوضع الدستور على الرف ويتم الحديث عن التوافق والديمقراطية التوافقية خارج اللعبة الانتخابية (كقدر دائم لا مردّ له)، ولكن ما إن تدبّ الخلافات يتذكّر كل طرف الدستور، حتى وإن كان يتعارض تماماً مع ما يقول، لكنه يحاول الاستناد إليه من باب الزعم بتمسّكه باعتباره «أبو القوانين»، حتى وإن كان الأمر شكلياً، ثم يُصار بعد ذلك للعودة لما يسمى بالتوافق دون أي اعتبار لصندوق الانتخاب وإرادة الناخبين.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسين شعبان"

العدد 5054 - الجمعة 08 يوليو 2016م الموافق 03 شوال 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً