العدد 5060 - الخميس 14 يوليو 2016م الموافق 09 شوال 1437هـ

أزمة النفايات... قراءة في مواقف السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

تتباين المواقف في واقع السلوك البشري في ما يخص مفاهيم وقيم العلاقة مع المحيط البيئي للإنسان، ويتمحور جوهر التباين في نوع السلوك اﻻجتماعي المرتكز على مقوم الوعي في فهم طبيعة تلك العلاقة، ويمكن أن نشخص جوهر ذلك السلوك من جوانبه السلبية واﻻيجابية في مفاصل أزمة النفايات التي شهدتها المحافظتان الجنوبية والشمالية في الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك، في بدايات شهر يوليو/ حزيران 2016، إذ ترك تدني الوعي اﻻجتماعي في شأن الطرق السليمة في التخلص من المخلفات المنزلية أثره السلبي في مضاعفة واقع الأزمة، وتمثل ذلك في عدم فهم ضرورة التعاون في تجاوز آثار الأزمة الطارئة في العمل على إلقاء المخلفات المنزلية في الحاويات المخصصة لذاك، وعلى العكس من ذلك جرى تكديس المخلفات عند بوابات المنازل والشقق في العمارات السكنية، وإلقاؤها بشكل عشوائي في الطرقات والممرات والأزقة وأمام البقالات والمطاعم وفي الحدائق العامة والسواحل والمواقع المهمة للسياحة الإجتماعية.

الموقف المسئول مقوم استراتيجي في إدارة الأزمات البيئية، وقوة فعلية في إحداث التحول النوعي في العمل التنفيذي لبناء السلوك اﻻجتماعي البيئي، ويمكن اﻻستفادة من ذلك النهج في بناء الخطط المؤسسة في إنجاز أهداف التنمية المستدامة. حالة الطوارئ التي تسببتها أزمة النفايات الطارئة تركت أثرها في تأكيد ذلك الموقف، وتجلى ذلك في مواقف مختلف الأطراف المؤسسية، الحكومية والخاصة والمجتمع المدني واللجان الأهلية، والمجتمعات المحلية في التصدي لظاهرة أزمة النفايات، والعمل على الحد من مخاطرها المنظورة وغير المنظورة على الأمن الصحي والبيئي للمجتمع المحلي، وتركت المظاهر الملموسة لأزمة النفايات على الأمن الصحي والشخصي لحياة المجتمع أثرها الفعلي في المبادرات المسئولة لمختلف الأطراف، إذ تسبب تراكم النفايات في الطرقات والأزقة في زحف الكلاب الضالة والقطط إلى المناطق السكنية، وبدأت مجاميع الجرذان والصراصير تغزو تلك المناطق، إلى جانب الروائح العفنة والكريهة التي تركت أثرها السلبي على الحالة الصحية والنفسية للمجتمعات المحلية.

جمعية البحرين للبيئة كعنصر فعلي في منظومة المجتمع المدني بالارتكاز على أهدافها والتزامها المسئول في دعم المشروع الوطني للبيئة، وضعت أزمة النفايات الطارئة في صلب اهتماماتها، وقام أعضاء الجمعية بمبادرات ملموسة في دعم حملات النظافة في عدد من المواقع، ورصد حالة البيئة في مناطق مختلفة في المحافظتين الشمالية والجنوبية،. وفي سياق ذلك الجهد والحرص المسئول في المساهمة لحل الأزمة القائمة، جرى صباح اﻻثنين الماضي في إطار الجوﻻت الميدانية الالتقاء مع مشرفين ميدانيين من الشركة الإسبانية المسئولة عن جمع النفايات «بحريني وإسباني» وإطلاعهم على بعض حقائق تكدس المخلفات عند بعض المنازل. وفي السياق ذاته، جرى توضيح الأخطاء المهنية لعمال الشركة أثناء جمع المخلفات ورفع الحاويات، والتي تشكل عاملا مهما في الأزمة القائمة، وتعزيزاً لذلك الجهد جرى مخاطبة عدد من أعضاء البرلمان عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتقديم مرئيات الجمعية بشأن واقع الأزمة.

التفاعل المسئول مع تداعيات الأزمة على الصعيد الرسمي تجسد في تشكيل غرفة العمليات، وفريق لطوارئ ضم ممثلين من وزير الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني والمجالس البلدية والبلديات في المحافظة الجنوبية والشمالية، كما جرى تنظيم حملات تنظيف للمواقع الإستراتيجية بمشاركة شخصيات مسئولة في البلديات وأعضاء المجالس البلدية، ودعماً للجهود الهادفة إلى تجاوز أزمة النفايات تفاعل الإعلام بمسئولية عالية، وساهم في إبراز جوهر حقائق الأزمة في التقارير الميدانية التي جرى في سياقها رصد حالات الخلل والتجاوزات التي أدت إلى أزمة النفايات، وكان للجهد الإعلامي أثره الإيجابي في تفعيل الجهود وتقديم الصورة الحقيقية لمكامن الخلل، التي تسببت في بروز الأزمة إلى الجهات المسئولة ما ساهم في دعم خطط العمل التنفيدي، في تيسير مهمة إيجاد حلول عملية لتقصير فترة تجاوز أزمة النفايات.

إن متابعتنا الميدانية لواقع أزمة النفايات جعلنا نكون في موقع الحدث، لذلك ينبغي أن نكون منصفين في قول الحقيقة في ما يخص التجاوب المسئول من قبل الشركة الإسبانية مع ما قدمناه من مقترحات في سياق لقائنا مع المشرفين الميدانيين، إذ لمسنا تجاوبا مسئولا، وأن هناك تغيرا ملموسا في نشاط الشركة، ونتفق مع ما قاله وزير الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني عصام خلف «إن كميات القمامة بعد إزالة المتراكمة منها خلال الأيام الماضية بدأت بالعودة تدريجياً إلى معدلها الطبيعي».

وبالارتكاز على ما جرى تشخيصه، نعتقد أن النتائج الايجابية للجهود التي بذلت خطوة إيجابية، لكن ذلك في حاجة إلى خطوات مستدامة تضع حلولا عملية للتمكن في عدم تكرار الأزمة، لذلك نرى أن الحل الأمثل لمواجهة هكذا أزمات، يكمن في وضع خطة استراتيجية لتنفيذ توجيه رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، المنشور في صحيفة «الوسط» العدد 5058 (الأربعاء 13 يوليو 2016) الذي يشير إلى «أهمية الاستفادة من التقنيات الجديدة لإعادة تدوير النفايات والاستفادة منها في مجال إنتاج الطاقة»، وتوجيه «وزارة الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني بالتنسيق مع الجهات المعنية إلى أهمية استكمال الدراسات الخاصة بإنشاء مصنع إعادة تدوير المخلفات، والمضي قدماً في هذا المشروع المهم والاستفادة من التقنيات الجديدة في مجال إعادة التدوير وإنتاج الطاقة، والعمل على سرعة تجاوز كافة ما يعوق تنفيذ هذا المشروع، حفاظاً على الصحة العامة والبيئة».

أزمة النفايات كشفت عن عيوب جوهرية في مفاهيم الإدارة والرقابة البيئية والمسئولية والوعي اﻻجتماعي في العلاقة مع مفاهيم النظافة العامة، وذلك يؤكد ضرورة وضع معايير قانونية وإدارية لإدارة عمليات الأزمات البيئية، وبناء نظام للرقابة الإدارية والاهتمام بقضايا الوعي الاجتماعي في شأن مضار المخلفات المنزلية والطرق السليمة في التخلص منها، وفرض عقوبات وغرامات مالية على مخالفة الالتزام بقواعد النظافة العامة.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 5060 - الخميس 14 يوليو 2016م الموافق 09 شوال 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً