العدد 5064 - الإثنين 18 يوليو 2016م الموافق 13 شوال 1437هـ

أزمة النفايات... قراءة في مناهج تعديل السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

أكدت دﻻﻻت وثوابت معطيات مفاصل أزمة النفايات، وبما ﻻ يدعو للشك، أن هناك عناصر متداخلة في أسبابها وتأثيراتها، أدت إلى ما شهدناه في واقع تداعيات الأزمة وتصاعد وتائرها، والتي تسببت في ما حصل من إرباك وتخبط في تقييم واقع الأزمة، وتحديد ما ينبغي اتخاذه من اجراءات منهجية، وفق خطة عملية مؤسسة في مقومات آلياتها التنفيذية، للتمكن من وقف تدفق طوفان أمواج نهر النفايات التي نتيجة جملة من اﻻعتبارات والعوامل، أغرقت في فترة وجيزة الشوارع والأزقة والحدائق العامة والسواحل بأكوام من النفايات، وتسببت في تلويث المناطق السكنية، وتركت روائحها العفنة والكريهة والضارة بالصحة أثرها السلبي على نقاء وجودة الهواء في المحيط البيئي للانسان؛ ما تسبب ذلك في قرع ناقوس الخطر وتطلب الإمعان المتعمق في جذور الأزمة والأسباب التي جعلت منها أن تكون أزمة فعلية، ومصدر تهديد للأمن الصحي والبيئي للمجتمع.

الخطر الذي أحدثته الأزمة على الأمن الصحي والبيئي للمجتمع، لم يقتصر حدود تأثيره على متخذي القرار الإداري والتنفيذي المسئولين المعنيين في معالحة هكذا أزمات؛ بل تعدى ذلك ليشمل مواقف أفراد المجتمع الذين تفاعلوا مع حوادث الأزمة بأشكال مختلفة في طبيعتها، التي على رغم اختلافها في الشكل إﻻ أنها متفقة في جوهر مضامين مرئيات مقاصدها، ويمكن تبين ذلك في ما وردنا من مقترحات تعقيباً على ما جرى نشره من مقالات في شأن أزمة النفايات، ومن ذلك ما اقترحه أحد القراء في إجراء مقارنة بين أزمة النفايات في لبنان، والأزمة التي عصفت بالبحرين.

من الطبيعي إدراكنا أن اﻻستفادة من الوقائع والحاﻻت المشابهة مسألة ذات قيمة في بناء منظومة الإجراءات المنظمة لعملية مواجهة هكذا حاﻻت، وبالنظر إلى ما اقترحه القراء ومقارنتها مع موقف أحد المسئولين في محافظة مهمة في مملكة البحرين الذي صار يمتدح قدرات إجراءات إدارته، مستبعداً بذلك إمكانية أن يحدث ما هو حاصل من خلل في حدود دائرته، فإن ذلك يشير إلى جوانب الفهم غير الواعي في قراءة تداخل المهام، وترابط آليات العمل التنفيذي، كوننا نعيش ضمن نظام إداري واحد، وفي دولة صغيرة ومتشابكة في نظامها المناطقي والجغرافي، كما أن ذلك يمثل أيضاً في مضمون جوهره ضعف في فهم منهجيات وضرورات الاستفادة من تجارب الآخرين. وفي مقابل ذلك، فإن الموقف الآخر من المعادلة يؤكد على الفهم الواعي للقراء في ضرورة الاستفادة من التجارب الأخرى، لبناء نظام للاستعداد المبكر لمواجهة الأزمات الطارئة.

ليس هناك خلاف على وجود فواصل مشتركة في الجوانب الفنية واﻻدارية بين محددات واقع أزمة النفايات في البحرين، ومثيلتها في لبنان، وعلى رغم اختلافهما في الأسباب، لكنهما يتفقان في المضمون والجوهر كظاهرة بيئية عامة، ويتفقان بشكل فعلي في عنصرين مهمين يتمثلان في الوعي والإدارة، ويختلفان في عوامل وأسباب وجودهما، إذ إن السبب الفعلي في أزمة النفايات في لبنان يرجع إلى الجانب السياسي والخلافي، ذلك ما تؤكده ثوابت دﻻﻻت الأزمة، وما أشار اليه البروفيسور في «L’Ecole Des Mines De DOUAI» جورج عواد في حديث خاص لموقع «ليبانون فايلز»، إذ يقول «ما توصلنا إليه حتى اليوم أن للنفايات حلول عديدة وهي متوافرة في لبنان، ولكن للأسف مشكلتنا هنا هي سياسية بامتياز»، بينما السبب الفعلي لأزمة النفايات في البحرين مرتبط حصراً بالجوانب الفنية والإدارية والقانونية والوعي الاجتماعي.

ذلك التشخيص يدفعنا إلى طرح سؤال مهم في مضمون جوهر استراتيجية الحدث، إذ إنه هل يمكن القول إن أزمة النفايات تمثل في جوهر مفاصل أحداثها وأسباب بروزها أزمة وعي؟ وهل تلك المعضلة في حاجة إلى منعطف نوعي في سياسة بناء وتحسين الوعي البيئي للمجتمع، للتمكن من تغيير خريطة الوعي الاجتماعي في شأن الطرق السليمة في التخلص من النفايات والمخلفات المنزلية والأخرى؟ أم التفتيش عن الإجابة عن الأسئلة المطروحة في تشخيص منظومة العمل التنفيذي القائمة في إدارة عملية الرقابة ومعالجة هكذا قضايا؟

تعليقاً على ما جرى طرحه من أسئلة أشار المهندس سعيد العسبول «أن أزمة النفايات من الأزمات التي يعاني منها كوكبنا في هذه الحقبة الزمنية من تاريخه، ولا يمكن إرجاع أزمة النفايات إلى عامل واحد، وهو عامل الوعي الاجتماعي لوحده، بل إن هنالك عدة عوامل أخرى تساهم فيها أطراف متعددة عالمياً وإقليمياً ومحلياً. لا يمكن تناول الأزمة بعيداً عن الطور الذي وصل إليه تطور الإنتاج في الكثير من البلدان وما يتطلبه من موارد طبيعية ضخمة، ذلك ليس في البلدان الرأسمالية التقليدية فحسب، بل اليوم في الصين والهند والبرازيل، وتتراوح القدرة على مواجهة أزمة النفايات على مدى قدرة الجهاز البيروقراطي فيها على تطوير الاستراتيجيات والسياسات والخطط ووضع البرامج واستحداث الوسائل التكنولوجية المتقدمة لمعالجة النفايات، وإعادة تدويرها في صناعات غير ضارة بالبيئة».

الحديث عن الحلول الممكنة لهكذا أزمات، يدخل في سياق معادلة متداخلة الإجراءات ينبغي أن ترتكز على قاعدة مؤسسة في مقومات بنائها المدعومة بمنظومة من السياسات بعيدة الأهداف الإستراتيجية، والتي يراعى في منظومة تكوينها ضرورة وجود الخطط التنفيذية التي تأخذ في الاعتبار توفير البناء القانوني والإداري، واﻻرتقاء بالوعي البيئي للمجتمع، ونعتقد أن تمكين ذلك في تحقيق جوهر أهداف خطط العمل التنفيدي في تنظيم طرق التخلص من النفايات بمختلف أشكالها، يستدعي بناء نظام فني للمعالجة السليمة للنفايات، وبناء نظام فاعل للرقابة، وتكوين لجنة للتنسيق المؤسسي ترتكز على منهج الشراكة، وتتولى وظائف تنسيق الجهود في متابعة قضايا النظافة العامة، ودراسة وإقرار وتنفيذ الخطط المشتركة للتوعية بقضايا النظافة العامة، وبناء الوعي والقدرات البيئية للمجتمع.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 5064 - الإثنين 18 يوليو 2016م الموافق 13 شوال 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 6:06 م

      المقالات ممتازة ورائعة ونتمنى منك أن تطرح مبادرة لحل هذه الأزمة المتراكمة من بداية السنة الحالية

    • زائر 2 | 5:05 ص

      سياحة التنظيف
      كل يوم ونحن نشاهد عمال النظافة للشركة الاسبانية جالسين بلا حسيب ولا رقيب ويتجولون في الازقة وكأنهم في رحلة سياحية.
      هل هناك جهاز للرقابة والتفتيش من البلدية ذلك ما لم نراه وكيف لوزاراة البلديات تقوم بالمحاسبة دون ضبط نشاط الشركة.
      لا نتصور بيكون هناك تغير في الحالة اذا لا تتخذ الجهات المسؤولة (البلديات والمجالس البلدية الغائبة هي الاخرى) اجراءات ملموسة ولن يفيد ما يسلط عليه الكتاب من حقائق لان جهاز الرقابة في سبات.

    • زائر 1 | 4:47 ص

      سلوك البشر وطمعهم هو سبب مشاكلهم، أتذكر قصة أن ذو القرنين عندما دخل مدينة بدون أبواب سألهم عن السبب فقالوا ليس بنا من نخافه لا لصوص ولا مجرمين.هذا يعني أن مُسبب المشكلة اذا اختفى اختفت المشكلة واذا اختفت المشكلة لا داعي لوجود حل، ما أقصده أننا كبشر مثلا لو أكلنا فقط بقدر حاجتنا هل كان سيتبقى لدينا فضلات طعام؟ لو لبسنا المعقول هل ستكون هناك ملابس نرميها؟ لو كنا معتدلين فعلا لكانت نفاياتنا محدودة وعلى نطاق ضيق، ولكن ما نلاحظه أن كل منزل يخرج منه كيسا قمامة أو ثلاثة أو أربعة يوميا!!!! ما السبب ؟

اقرأ ايضاً