العدد 5067 - الخميس 21 يوليو 2016م الموافق 16 شوال 1437هـ

أزمة النفايات... قراءة في تجارب السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

الأزمة البيئية التي سببتها ظاهرة تكدس النفايات في المحافظتين الشمالية والجنوبية، هل يمكن القول أنها حديثة العهد في حيثياتها؟ وهل ما شهدناه في مظاهر الأزمة يجسد واقع المشكلة أم هي أبعد من ذلك؟ وهل معضلة النفايات مرتبطة بالظواهر التي شهدناها، أم أنها في واقع الأمر أكثر عمقاً في جوهر الحقائق غير المرئية للنفايات المختلفة التي يجري إلقاؤها بشكل متواتر في المياه البحرية والساحلية؟ وهل يمكن أن نستثني مسئولية المجتمع من مشكلة النفايات؟

الدراسات تجيب بمنهجية علمية على ما هو مطروح من أسئلة، إذ إن مشكلة النفايات وآثارها الصحية والبيئية تصدرت اهتمامات الخبراء والمختصين ونشطاء البيئة في مرحلة مبكرة على الصعيد العالمي، وفي البحرين تزايد الاهتمام بهذه المشكلة في بدايات القرن الحالي، ويمكن تبين واقع ذلك على سبيل المثال في مضمون جوهر الدراستين للباحثين اسماعيل المدني ووحيد زينل الصادرة عن الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية وتتمثل في «المخلفات الصلبة في قاع البحر في المياه الاقليمية في مملكة البحرين – 2002» و«المخلفات الصلبة في سواحل وقاع البحر في مملكة البحرين – 2003»، وتبين الدراستان بالأرقام حجم ومستوى النفايات المتنوعة في مكوناتها التي يجري إلقاؤها في المياه الساحلية والبحرية، والتشخيص العلمي لجوهر المعضلة وأبعادها الخطيرة على البيئة البحرية وصحة الإنسان، وتحدد مخرجات عملية ومنهجية في معالجة مشكلة النفايات، ومن المفيد الأخذ في الاعتبار بمخرجات الدراستين في بناء منظومة الإجراءات لخطة العمل التنفيدي في معالجة مشكلة النفايات.

المكتبة العربية تضم بحوثا ودراسات علمية قيمة تستعرض تجارب الدول في شأن طرق معالجة معضلة النفايات المتصاعدة وتائرها على المستوى العالمي، ومن المهم الاستفادة من مرئياتها العلمية والمهنية في تبين مؤسسات الحلول التي يجرى تشخيصها في تجارب الدول، وفي بناء رؤية مؤسسة يمكن أن تفيد في تشخيص الإجراءات العملية لحل مشكلة النفايات في البحرين، ويمكن الاشارة على سبيل المثال إلى الدراسات المرجعية الصادرة عن الجمعية الكويتية لحماية البيئة وتتمثل في «وثائق مؤتمر الشرق الاوسط الرابع بشأن دور الوعي البيئي في إدارة النفايات – 10- 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2001» و«أفضل الممارسات البيئية في مجال إدارة النفايات الصلبة في بعض الدول العربية – 2003» اعداد الباحثين مشعل عبدالله المشعان وعبدالمنعم مصطفى مصطفى، وتسلط الدراسات الضوء على الطرق المنهجية للتخلص من النفايات في تجارب الدول العربية.

الأهمية المنهجية لتجارب إدارة عمليات التخلص من النفايات يمكن تبينها في الدراسة العلمية «إدارة النفايات الصلبة في بعض الدول العربية - 2002» إعداد أحمد أصفري ومشعل المشعان، ويمكن تبين ذلك بشكل جوهري في الفصل المعنون «تقييم الوضع الراهن لمرافق النفايات الصلبة في منطقة المشروع» إذ تتم الإشارة إلى أن الوضع الراهن لمرافق النفايات الصلبة في مختلف الدول العربية (البحرين، تونس، السعودية، الكويت، مصر) المشمولة بهذه الدراسة متشابهة تقريباً من حيث قصور هذا المرفق في أدائه لخدمة المجتمعات السكانية في المدن العربية المدروسة، وتتبنى الدراسة جملة من المخرجات يمكن الإشارة إلى الأهم منها وتتمثل في:

1 - ازدواجية وتداخل المسئوليات المتعلقة بإدارة هذا المرفق، وتعدد الجهات والمؤسسات المتعاملة مع مشكلة النفايات الصلبة في الدولة الواحدة.

2 - نقص برامج التدريب وإعداد القوى البشرية والإدارية والفنية اللازمة، وعدم توافر مصدر موثوق ومستمر وموحد للمعلومات المتعلقة بهذا المرفق.

3 - نقص التشريعات والقوانين والارشادات المتعلقة بإدارة النفايات الصلبة، وعدم التزام الكثير من الجهات الرسمية والخاصة بالأنظمة والقوانين الصادرة. وتواني الدولة في كثير من الأحيان عن تطبيق القوانين الموضوعة، وخاصة تجاه المخالفين لها سواء من قبل الجهات الرسمية أو الخاصة.

4 - صعوبة الحصول على المعلومات المتوافرة عن كميات وأنواع النفايات الناتجة لدى (القطاعات العامة والخاصة والمشتركة)، وعلى الاخص ما يتعلق بالنفايات الصناعية الخطرة والطبية، وعدم اهتمام أصحاب هذه المؤسسات باتباع الأصول اللازمة في جمع وتصنيف هذه البيانات.

5 - ضعف المشاركة الشعبية، وعدم الاهتمام بالتوعية الشعبية بالقدر الكافي، فيما يتعلق بأخطار الاستهانة باتباع الخطوات الصحيحة في التعامل مع هذه النفايات.

الناشط البيئي عماد سعد في سياق الجدل بشأن الطرق العملية لحل معضلة النفايات وجه إلينا سؤالا استراتيجيا «برأيك ماهي أفضل الممارسات في التعامل مع النفايات على مستوى المجتمعات أو على مستوى التشريعات؟» وبالارتكاز على ما جرى تشخيصه نرى أنه من الضروري تبني الاجراءات الآتية:

1 - إقرار تشريع يقنن جوانب العلاقة القانونية المؤسسية والمجتمعية والممارسات والتنظيم الإداري في طرق التخلص من النفايات ويحدد المسئوليات والمخالفات وسقف العقوبات القانونية.

2 - بناء نظام فني متطور يرتكز على الطرق الحديثة في معالجة وفرز واعادة تدوير النفايات مع اﻻخذ في اﻻعتبار عدم الإضرار بالبيئة.

3 - بناء نظام اداري متطور للرقابة والتفتيش البيئي يضم كوادر فنية ومختصة في المجالات العلمية المختلفة ذات اﻻرتباط.

4 - تشكيل إدارة للضبطية القضائية تتولى مهام ضبط المخالفات واعتماد نيابة بيئية للتسريع في المعالجة القضائية وفرض المسئولية القانونية.

5 - إعداد وبناء السياسات اﻻستراتيجية التي تحدد منهجيات ومخارج العمل لمواجهة الأزمات الطارئة، وتشخص اتجهات تطوير مناهج معالجة قضايا النفايات، وبناء الوعي الإجتماعي في شأن الطرق السليمة للتخلص من النفايات المنزلية، وترشيد استهلاك الموارد للتقليل من انتاج النفايات.

6 - وضع وتنفيذ خطة متنوعة الوسائل والمناهج التربوية والتعريفة بشأن معضلة النفايات المنزلية، ومناهج معالجتها، وطرق التخلص منها بمشاركة المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني، والمجتمعات المحلية لنشر ثقافة الحد من إنتاج النفايات والتقليل من أخطارها الصحية والبيئية.

تجارب الدول دروس مهمة ينبغي الاستفادة منها في بناء السياسات وتطوير الأداء وتصحيح المسار القانوني والإداري واﻻرتقاء بالمفاهيم الإدارية، وآليات معالجة وتنظيم السلوك البشري في شأن أزمة النفايات المتصاعدة آثارها على الأمن الصحي والبيئي للمجتمع على المستوى الوطني.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 5067 - الخميس 21 يوليو 2016م الموافق 16 شوال 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:31 ص

      نناشد وزير البلديات بأن ينظر في موضوع أزمة النفايات التي أصبحت مشكلة كبيرة وتزداد تفاقم في الفترة الأخيرة ، ونشكر السيد شبر على طرح موضوع النفايات وشكراً

اقرأ ايضاً