العدد 5115 - الأربعاء 07 سبتمبر 2016م الموافق 05 ذي الحجة 1437هـ

عنصرية الدواء

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

البَهَق مرض جلدي يعاني منه 2 في المئة من سكان هذا العالم الممتد. تتكاثر البقع «البيضاء» على الجسد «الدَّاكِن» حيث تفقِده لونه فتُحدِثُ ما يراه صاحبه بأنه تشوُّه في المنظر. هذا المرض وعلى الرغم من أنه ليس بمُعْدٍ إلاّ أن الدراسات توصّلت إلى أن 30 في المئة من المصابين به لديهم تاريخ عائلي بالمرض.

كان البشر الأوّلون يعتقدون بأن اعتراء البرودة لأعضاء الجسم، أو خلطاً جرى بين الدَّم والبلغم وغَلَبَة الأول على الثاني، أو مخالطة مرَّة سوداء للدَّم هي السبب في الإصابة كما قالوا. ثم ظنوا بأن حبّ القِنَّب والشِّيطَرَج أو استخدام الحَلَزُون أو عروق يُصبَغ أحد الأدوية بها كفيلة بعلاج البَهَق، لكن ذلك لم يكن صحيحاً.

علمياً، يحدث البَهَق عندما يتوحّش الجهاز المناعي فيقوم بمهاجمة الخلايا الصباغيّة خطأً. وهذه الخلايا هي المسئولة عن لون البشرة وقدرتها على إنتاج الميلانين، الأمر الذي يؤدي إلى تغيّر لون الجلد إلى الأبيض بعد أن تتوقف الخلايا المسئولة عن الميلانين. وهو يحدث غالباً عند ذوي البشرة الدَّاكِنة. بينما البعض يُرجعها إلى حالات نفسية شديدة أو ربما التعرض لمواد كيميائية قد تُشوِّه الجلد.

من هنا أبدأ. فقد حدَّثني أحد الأطباء الاستشاريين الحاذقين في الأمراض الجلدية وهو الدكتور حسين جمعة، أن في هذا الأمر معادلة تحتاج إلى تفصيل. فالبَهَق يُلحَظ أكثر عند ذوي البشرة الدَّاكِنة، كَونْ أصحاب البشرة البيضاء لا يظهر عليهم بشكل واضح بسبب تماهِيْ اللونين المتماثلين: لون بشرتهم ولون بقع البَهَق.

لذلك، فإن الغربيين لا يعبأون كثيراً به؛ لأنه لا يسبب لهم ضرراً نفسياً أمام الآخرين، بعكس ما هو موجود عند أصحاب البشرة الدَّاكِنة الذين يخشون الإحراج أو التحاشي. وهو أمر موجود في الهند على سبيل المثال حيث أن المصاب بـالبَهَق لا يتم مصافحته، وذلك لاكتناز الذاكرة لديهم (خطأً) بأن هذا النوع من المرض الجلدي هو وريث مرض الجُذام القديم، وبالتالي إمكانية العدوى منه.

أمام هذا الحال (من عدم الابتلاء) يرى الغربيون أنهم ليسوا معنيين بإنفاق الأموال على البحوث والدراسات لابتكار علاج له، حاله كحال مرض الملاريا الذي أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن 198 مليون إنسان قد أصيب به قبل عامين (البعض يصلها إلى 283 مليون حالة). فـمادام أن الملاريا لم يقتل 755 ألفاً في الغرب فلا ضير ولا مشكلة في ذلك! ذات الأمر ينطبق على مرض السّل أيضاً.

الدراسات أو العمليات الجراحية الأكثر تطوراً اليوم لمواجهة البَهَق تبدو محدودة. إما استخدام خلايا جلدية من مناطق سليمة من الجسم ووضعها في بؤرة المنطقة المصابة، ليعود 43 في المئة من لون البشرة، وإما عن طريق جَلَسَات الليزر والمَراهِم على أمل الحصول على منطقة شبه طبيعية بنسبة 60 في المئة أو عبر تثبيط جهاز المناعة بـالكورتيزون، وأنواع أخرى من العلاجات.

هذا الأمر مدعاة للتأمل فعلاً، إذ كيف يمكن أن يكون مرض يعاني منه 140 مليون إنسان في العالم غير مهم ولا يحظى بأهمية «بحثية» تُذكر؟ لكن، وفي الوقت نفسه مرض جلدي آخر كـالأكزيما يتم البحث فيه منذ العام 1966 ولغاية العام 2015 بـ 22 دراسة معمَّقة، على الرغم من أن عدد المصابين به أقل بـتسع مرات عن البَهَق؟ السبب واضح وجلي في ذلك كما أعتقد، وهي أن الأكزيما يعاني واحد من كل خمسة أطفال منه في بريطانيا على سبيل المثال.

حمى القش تحظى أيضاً باهتمام واسع في الغرب، والسبب أن 16 مليون إنسان يعاني منها في بريطانيا وحدها، وأن هذا العدد مرشّح لأن يرتفع خلال عقدين إلى 30 مليوناً. لذلك ترى حجم الدراسات التي تُجرى عليها لا حصر لها، فضلاً عن العلاجات التي توضع لمواجهتها.

هذا الأمر يجعلنا نعتقد كمال الاعتقاد، بأن بقية الأمراض لو لم يكن لها نصيب من الإصابة لدى تلك الدول لما حصلنا على الأدوية المناسبة لها، ولا أجريت الدراسات التي تفضي بها، بما فيها حالات السرطان بشتى مراتبه وأشكاله. لذلك نرى المراكز الأميركية الخاصة بمراقبة الأمراض الوراثية متيقنة من أن لديها ما يكفي من الإجراءات التي تقي النساء من الإصابة بسرطان عنق الرحم.

الحقيقة أن هذا الأمر يدل على أن التطور العلمي نابع من حاجات «جهوية» ومنتقاة ولا علاقة له بما يجري لـ7 مليارات إنسان بكاملهم. بل إن تطوّر بعض الأمراض وفتكها بالبشر الفقراء راجع بالأساس لموقف تلك الدول المتقدمة منها.

تُرى، لماذا طلب الرئيس الأميركي باراك أوباما ملياراً و800 مليون دولار من الكونغرس لمكافحة فيروس زيكا؟ لقد طلب أوباما ذلك بعد أن تم اكتشاف 50 حالة فقط من تلك الحالات في بلاده. لنا أن نتخيل ذلك! ولو لم تكن البُلدَان الـ26 المبتلاة به بعيدة عن أرض «الدولة العظمى» لما اكترثت أصلاً.

هذا العالم يجب أن يسير بمنطق آخر. يجب أن يُفعِّل قليلاً حسّه الإنساني بدل هذا التمييز الفاضح، الذي ظننا أنه فقط يُعربد في فضاء السياسة والاقتصاد لنتفاجأ بأنه ينسحب حتى إلى الأشياء الأخرى التي من المفترض أن تكون عامة وإنسانية.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5115 - الأربعاء 07 سبتمبر 2016م الموافق 05 ذي الحجة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 5:58 ص

      انا لائما احاول ان اجد الوقت لقراءة مقالات الاخ محمد و لكني اليوم قد لا اتفق معه 100% و ذلك ان امراض مثل الزكام صرفت الدول المتقدمه الكثير من الاموال ثم اوقفت الدفع عندما لم تخصل على علاج بعد طول عناء. البهاق لا يعدي و هذا يقلل من اهميته التي تظل جماليه فقط بالاضافه ان العلماء الى الان لايعرفون الكثير عنه حتى يحفزهم و يحفز الشركات العالميه للبحث على دواء. المسأله تبقى كم سنصرف اموال و هل هناك افق للحصول على نتيجه.

    • زائر 4 | 3:19 ص

      كل يجر النار الى قرصه
      المصالح فوق كل اعتبار لدى أغلب البشر، فلا الساسة و لا غيرهم من فئات المجتمع يعيرون اهتمامهم لبشر لا علاقة لهم بهم الا ان بكونو بشرا، فبعض الدول قد تجري ابحاث لأمراض حيوانات فقط لانها استشرت بحيواناتها ضاربة عرض الحائط ببشر أصابهم وباء في بلاد اخرى. فلا غرابة لأنانية البشر.

    • زائر 3 | 1:46 ص

      اعتقد بأن اللوم يصوب الينا نحن كعرب ومسلمين، فبدلا من انفاق الاموال على البحوث والدراسات في سبيل العلم بشتى علومه وأنواعه، اصبحنا ننفق تلك الاموال على العطايا والهدايا والتبذير وشراء الاسلحة في سبيل كبت شعوبنا وارضاءا لرغباتنا الوقتية

    • زائر 5 زائر 3 | 3:40 ص

      نسيت مصروفا للمال يتلخص برميه علي الراقصات و المطربات و المطربين. نحن رواد هذا الصرف و يجب تسجيله في احصائيات جنيس !!!!!

    • زائر 2 | 1:41 ص

      السؤال الآن : هل يتحمل العلماء وأرباب البحث العلمي المسؤولية في تلك العنصرية؟؟؟؟

    • زائر 1 | 12:54 ص

      الله متعنا والمؤمنين والمؤمنات بالصحة
      من المؤسف أن بلداننا العربية لا تولي الاهتمام بالدراسة والبحث
      والدليل مرض السكلر
      لو خصصة ميزانية لهذا المرض لساهم ذلك في ايجاد العلاج

اقرأ ايضاً