العدد 5117 - الجمعة 09 سبتمبر 2016م الموافق 07 ذي الحجة 1437هـ

مَنْ هم الأخطر؟!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هل «الإسلاميون» وحدهم متطرفون؟ هذا السؤال لا يطرحه «الدَّاعشيُّون» ولا «القاعديون» وحدهم كي نقول إنها «دعاية ممجوجة» بل باتت أقلام مثقفين غربيين تتحدث عنه. أيضاً، هذا السؤال لا يطرحه عرب ومسلمون أو شرقيون في صحفهم «للتشهير» بل باتت صحف غربية تتحدث عنه.

الصورة الفاقعة اليوم، هي لمذابح الأقليات التي يشرع في تنفيذها إرهابيون محسوبون على الإسلام. هي صورة الأسواق الشعبية وقد تفحّمت فيها الجثث بفعل السيارات المفخخة أو الانتحاريين. أن نرى صور الرؤوس وهي تتدحرج بين الأرجل. لكن، هل هناك صورة أخرى لأعمال يقوم بها أشخاص ليسوا عرباً ولا مسلمين وفيها من القسوة ما يفضي بضحاياها إلى الموت؟!

الإجابة نعم. دعونا نقرأ ما يُكتَب عن ذلك. قبل فترة قصيرة نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية The Guardian تقريراً حول الخطورة التي يُمثلها اليمين المتطرف في الغرب، واصفة اليمين بأنه الخطر الأكثر تهديداً لأوروبا. فهو من ذات السِّنخ العرقي والثقافي والبيئة العامة والمتفاعلة للقارة العجوز، وبالتالي فهم خطر من بطنها، ولا يحتاج إلى بطاقات تجيز مروره وعبوره نحو أي هدف يريده.

لذلك أشارت الصحيفة وفقاً للمعطيات التي تملكها إلى أن عملية استباق تلك العمليات وإحاطتها أمنيّاً واستخباراتيّاً بات أمراً صعباً، والسبب في ذلك هو ما أشرنا إليه، فضلاً عن أن المتورطين في تلك الهجمات لا يتلقون أوامر مباشرة من رأس مُدبّر أو مُوجِّه، بل هي نتاج الغطاء الآيديولوجي الخاص لكل منهم، وهو ما يجعلهم الأقدر على تخطي الحواجز الأمنية والعقبات القانونية.

كما أن «الطبيعة الصامتة» لمتطرفي اليمين في أوروبا، تجعلهم لا يُصرِّحون ولا يتفاخرون بأعمالهم الإرهابية وبالأفكار التي تأثروا بها، بل ولا يبوحون بذلك حتى لأصدقائهم وأهاليهم إلاّ في حالات لم تزد على الـ 18 في المئة، بعكس المتطرفين الإسلاميين الذين أشارت الصحيفة إلى أن 45 في المئة من أعمالهم صرّحوا وتفاخروا بها في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي قبلاً وبعداً.

لذلك ليس مستغرباً أن يتم اكتشاف 40 في المئة من أولئك اليمينيين المتطرفين في أوروبا بالصدفة، من خلال عمليات التحقيق التي تتم في أنشطة آخرى لا صلة لها بالأولى، أو لسوء استخدام الجاني لأدوات الجريمة فتفضحه ليتم اعتقاله.

اعتمدت «الغارديان» على تقرير أصدره المعهد الملكي للخدمات المتحدة (آر يو إس آي) عدَّد فيه الهجمات الإرهابية (المنفردة) التي قام بها اليمين والدِّينيون المتطرفون في أوروبا طيلة 14 عاماً، (2000م - 2014م). وعلى رغم أن قتلاها لم تزِد على الـ 110 وجرحاها على 325 فإن المسألة تتعلق بالجرائم التي وقعت في أوروبا وليس على أرض المسلمين، وهنا الفرق.

يقول التقرير إن 98 خطة مُعَدّة، و72 هجوماً إرهابيّاً نفَّذه اليمينيون والدِّينيون المتطرفون في 30 دولة أوروبية، سمى سويسرا والنرويج كنموذجين فيها. وربما اختار بيرن وأوسلو كونهما من أكثر الدول الأوروبية استقراراً وتنمية وإنفاقاً اجتماعيّاً، إلاّ أن النرويج وحدها شهدت مقتل 77 شخصاً وإصابة 242 آخرين بعد أن قام أندرو بريفيك بهجومه الدموي في (يوليو/تموز 2011).

المشكلة الأخرى التي يتعرّض لها التقرير والتي تزيد من المشكلة وتجعلها مُركَّبة هي «غض الطرف» الذي تمارسه «الكثير» من وسائل الإعلام الغربية تجاه تلك الجماعات وتركيزها الشديد والدائم على الخطر القادم من المتطرفين الإسلاميين. وهو ما يجعل من مسار المواجهة مساراً أحاديّاً أو موجهاً.

وبحسب ما نشره موقع إنكوايستر الإخباري قبل أيام فإن برنامجاً تابعاً لجامعة جورج واشنطن أجرى دراسة عن الأنشطة النازية في «تويتر». ولاحظ البرنامج أن متابعي هذه الأنشطة أكثر بكثير من أولئك الذين يتابعون حسابات المتطرفين الإسلاميين، وهم أكبر بثمانية أضعاف من مؤيدي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ومتوسط أكبر بـ 22 ضعفاً! إلاّ أن إدارة تويتر لا تواجههم.

وفي الوقت الذي تقول فيه إدارة «تويتر» إنها أغلقت في الشهر الماضي وحده (أغسطس/ آب) 26 ألف حساب مرتبط بداعش نرى أن عدد الحسابات التويترية للنازيين وصلت إلى 25 ألف حساب بعد أن كانت 3 آلاف و500 حساب فقط قبل أربع سنوات! هل أنها لا ترى ذلك، ولا تلحظ أن ثلاثة من «أكبر عشرة هاشتاغات» يستخدمها النازيون والقوميون البِيْض بحسب برنامج جامعة جورج واشنطن.

أن يكون الفارق في «المكافحة» بين 1100 حساب لإسلاميين متطرفين يتم غلقه في مقابل سبعة حسابات لنازيين وعنصريين بِيْض يتم غلقها يصبح الأمر واضحاً في مدى اختلال الكفتين والنظرة المجحفة للمفاهيم. لذلك، حقَّ لـ «انكوايستر» أن يقول بأنك «أقل عُرضة بكثير لتلقى أي عواقب على التغريدات المثيرة للجدل إذا كنت مؤيداً للنازية مما لو كنت مسلماً». فالنازيون أصبحوا يُغرّدون بحرية أكبر نظراً إلى وجود «حصانة نسبية» تقيهم العواقب المفترضة كما يذكر البرنامج.

الخطير في الأمر أننا ربما نشهد تحولاً أوروبيّاً خلال الثلاثين سنة المقبلة جوهره هو تكوُّن بؤر سياسية وفكرية صلبة للتيارات اليمينة المتطرفة، «قد» تصبح قادرة على الفوز بمقاعد ثم تسيير سياسات وأخيراً الوصول إلى سدة السلطة حتى. وهذه التجربة حصلت في عشرينات القرن الماضي في ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا تكللت بحرب عالمية مدمّرة. وعلى الجميع أن يتذكر ذلك.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5117 - الجمعة 09 سبتمبر 2016م الموافق 07 ذي الحجة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 4:11 ص

      اليمينيون المتطرفون أخطر في بلادهم أوربا والمتطرفون الإسلاميون الأخطر في بلادنا العربية والإسلامية

    • زائر 3 | 2:14 ص

      صباح الخير

      نعم كلام ونظره صحيحه ما تفضل به المعلقين ولكن أين نحن من كل هادا اذا كنا رعاء إلى غيرنا يوجهنا كيف ما يشاء من العدل والإحسان أن نلوم أنفسنا الله سبحانه وتعالى يقول واعتصموا بحبل الله جميعأ ولا تفرقوا انعكست الايه الكريمه فتمسكنا بحبل الشيطان ومايزيدهم الشيطان إلا غرورا

    • زائر 2 | 1:03 ص

      الأخطر الإرهابيون في ملابس أنيقة يخطّطون ويدعمون من خلف الكواليس . يخطّطون ويدعمون دولا وجماعات ارهابية حتى اذا قامت الحروب باعوا اسلحتهم ، ثم اذا تفاقمت الأزمة اقنعوا الدول المجاورة بمساعدة هذه الدول في القضاء على هذه الجماعات فيكون ابتزازهم مرتين

    • زائر 1 | 12:59 ص

      الغارديان التي أعدت هذه الاحصاءات تناست انّ سياسة حكومتها هي الأساس الأكبر لظهور مثل هذه الحركات المتطرفة وذلك برعايتها لأنظمة الظلم والاستبداد العالم وهي تستضيف في لندن أكبر فضائيات الفتنة بل تدعمها لبث سموم الفتنة بين السنّة والشيعة لكي تتغذى عليها ببيع السلاح والمال الحرام

اقرأ ايضاً