العدد 5124 - الجمعة 16 سبتمبر 2016م الموافق 14 ذي الحجة 1437هـ

مشكلتنا مع الأسماء... هذا المسَجَّى مثالٌ

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في أحيان كثيرة تترك الأسماء نُدوباً في ذاكرة الشعوب. هتلر، الذي حَكَمَ ألمانيا بين العامَيْن 1933م و1945م لايزال اسمه مزعجاً للكثيرين في أوروبا، وتحديداً في الدول التي نالت منه ما نالت. أتذكر أنه وفي العام 2004م تفاجأ موظفو البروتوكول أن اسم هتلر لايزال ممهوراً على قائمة الشرف لمدينة باد دوبرن التي كانت ستستضيف قمة الدول الصناعية الثماني الكبرى آنذاك، ولم يهدأ بال المعنيين إلا بعد أن تمت إزالة الاسم من المكان.

في العام 2006م احتجّ اليهود في الهند على افتتاح مطعم هناك سُمِّي بـ صليب هتلر، ويُقدِّم طعامه على أطباق عليها صلبان معقوفة باللون الأحمر وبداخلها اسم هتلر، بالضبط كما كانت ألمانيا النازية تستخدمه في الكثير من شعاراتها، على رغم أن أصحاب المطعم قالوا بأنهم لا يُروّجون للفكر النازي، وإنما اختاروا الاسم طلباً في التميُّز عن أقرانهم في المطاعم الأخرى.

ولو عدَّدنا تنوّع الشعوب، ومواقفها التاريخية من بعض الشخصيات لرأينا أسماء كثيرة (منذ العصور الغابرة) تلقى حساسية شديدة نتيجة دورها في الصراعات السياسية أو الدينية التي انعدمت فيها كفّتَيْ الصراع، وسقط فيها ما سقط من أبرياء، ووقع فيها ما وقع من حَيْف.

من الأسماء التي قد تُشكِّل حساسية لدى الكثيرين وبالتحديد العرب هو اسم: شَمْعون بيريز (93) الرئيس الإسرائيلي الأسبق، الذي يعيش اليوم حالة حرجة في المستشفى بعد جلطة دماغية خطيرة أصابته في الجانب الأيمن من المخ، مخلفة آثارها على جهازه العصبي.

بالتأكيد، ليس من الإنسانية أن يشمت أحدٌ بأحدٍ يمر في وضع صحي خاص مهما كان، إلَّا أن المسألة في جوهرها لا تتعلق بـ اسم مجرّد كـ شَمْعون، بل بفعل كان له دور أساسي في الصراع العربي الإسرائيلي منذ العام 1946م ولغاية الآن. وهو الصراع الذي خلف ملايين الصور لمآسٍ بين تهجير وقتل.

بالتأكيد، فإن لفظة واسم شَمْعون في التاريخ لها مدلولات كبيرة وكثيرة. فـ شَمْعون الصَّفا هو أخو نبي الله يوسف، وكذلك هو والد مارِيَة القِبْطِيَّة أمِّ إبراهيم. كما أن إسحاق بن إبراهيم بن عَبَّاد بن شَمْعون الدَّيْرِي، وبَكْران بن الطَّيِّب بن شَمْعون القاضي (بن أطروش) هما مُحَدِّثان معروفان في كتب الحديث والسِّيَر. وشَمْعون (وقيل شَمْعَان) هو مؤمن آل فرعون كما جاء في بعض المصادر. وفي عصرنا الحالي هناك من الخيّرين والمسالمين بالتأكيد مَنْ يحمل هذا الاسم، لذلك فالمسألة هي ليست في اللفظ بقدر ما هي مع الفعل الذي اقترن به.

سبعون عاماً قضاها شَمْعون بيريز في حالة عِداء مع العرب. رَأَسَ حكومة إسرائيل مرتين بصفته زعيماً لحزب العمل، ورئيساً لها بين عامَيْ 2007م و2014م. وقبل ذلك وخلال سنة 1947م كان ضمن قيادة عصابات الهَجَناه، ثم دبلوماسيّاً مهمته إتخام إسرائيل بالسلاح، ثم رئيساً لبعثة وزارة الدفاع الإسرائيلية في واشنطن ثم نائباً فمديرها العام وعراباً للهجوم الثلاثي على مصر العام 1956م.

لذلك يصبح من العجب أن يُمنَح بيريز جائزة نوبل للسلام إلى جانب مناضل كبير كـ أبي عمار في العام 1994م، ليغسل بذلك تاريخاً بدأه في الهَجَناه والموساد مروراً إلى وزارة الدفاع وانتهاءً برئاسة الحكومة ثم دولة إسرائيل، وما جرَّه ذلك التاريخ وتلك التجربة من مآسٍ ذاقها الفلسطينيون والعرب.

حتى في عمليات السلام التي لم يكن فيها قعقعة سلاح كان له دور في صناعة مجده الخاص على حساب نوايا العرب. خلال التحضير للقاء فيينا السري بين الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات وشَمْعون بيريز قبل توقيع اتفاقية كامب ديفيد، توقع المصريون أن يلجأ بيريز إلى تسريب مواقف مصر المرنة كي يدفع بيجن للتشدد، ولكي يكسب ثمار ما سيأتي طمعاً في الوصول إلى رئاسة الحكومة وهو ما حصل.

كل مَنْ عَرَفَ شمعون بيريز يعرف أنه ملحد لا يؤمن بالعقائد اليهودية، لكنه وفي الوقت ذاته دائم الاستشهاد بنصوص التوراة لإثبات حق اليهود في فلسطين كما ثبت عنه. لذلك وصفه أحد عظماء الصحافة العالمية بأنه «شخصية شديدة التعقيد»، ولعلها تصلح لأن تكون التعبير الأشد قرباً من تصوير دولة إسرائيل ذاتها.

أصرّ بيريز على جعل إسرائيل «نووية» كي تمتلك سلاح الردع غير التقليدي. وعلى رغم نوايا السادات تجاه مسألة السلام فإن بيريز قال وبلا لياقة إن البعض أخبره بأن أحد أسباب ذهاب السادات إلى القدس هو قلقه من أسلحة إسرائيل النووية، وأن مفاعل ديمونة كان عنصراً أساسياً في جعل تفكير السادات يترك الحرب ويأتي إلى السلام، وكأنه تباهٍ بما تملكه من سلاح مدمّر.

لقد كان بيريز هو صاحب نظرية الأمن القائم على إشباع الداخل وإفقار الخارج. بمعنى أن تمتلك إسرائيل أسلحة نووية، لكن وفي الوقت نفسه تقوم بتجريد جوارها من أي صورة من صور ذلك السلاح. لذلك، كانت إسرائيل واحدة من أهم المضطلعين على تدمير أسلحة العراق بعد العام 1991م، ثم متابعة أساسية لتقليم قدرات إيران النووية.

كان بيريز لا يكتفي بالتعرض لـ عراق صدّام حسين ولا لـ إيران الخمينية، بل كان يتحدث عن خطر باكستان على إسرائيل أيضاً. حيث إن إسلام آباد هي دولة «نووية»، وهو يعتقد بأن دواعي الصراع مع الهند ليست كافية لأن يكون خطرها لا يصل لـ تل أبيب.

شَمْعون بيريز قد يرحل عن دنياه، لكن فعله طيلة السبعة عقود لا أظن أنه سيرحل معه. كما أن الذاكرة المزكومة بالمآسي التي ساهم فيها ستظل تذكره بالتأكيد.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5124 - الجمعة 16 سبتمبر 2016م الموافق 14 ذي الحجة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:35 م

      سيرحل غدا
      وبعدها ستتوافد الحشود لتقديم العزاء
      وستجد من يترحم عليه ويمجده
      وسيحصل على عدة القاب بالمجان
      أما جرائمه فسيتذكرها من ذاق طعمها فقط
      هكذا هي حال الدنيا

اقرأ ايضاً