العدد 5127 - الإثنين 19 سبتمبر 2016م الموافق 17 ذي الحجة 1437هـ

خيانة المثقف

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

المثقف هو من يحمل المصباح لينير الظلام، بسبب ما يحمله من علم ومعرفة وبصيرة تستكشف الطريق.

كلمة «مثقف» مأخوذة من «ثقف الرمح»، إذا قوّم اعوجاجه، وبدون ذلك لن يصيب الهدف. ويذكر الكاتب المصري علاء الأسواني في محاضرةٍ عن «المثقف والسلطة في مصر»، الفرق بين «المثقف» و «المتعلم»، فالأول من يتخذ موقفاً في حياته، أما المتعلّم فحامل شهادة أو درجة علمية. وبالتالي إذا كان لديك علم وثقافة ومعرفة أكثر من المواطن العادي، فواجبك أن تدافع عن المواطن العادي وقضاياه.

الأسواني وهو يتتبع تاريخ بلاده، يقول إن قطاع المثقفين يقوم بعكس ذلك، بالدفاع عن النظام ومعاداة المواطن وقضاياه! ويستشهد بوزير الثقافة السابق فاروق حسني، الذي كان يتفاخر قائلاً: «لقد نجحت في 18 عاماً في إدخال المثقفين في حظيرة الدولة (النظام)». وكانت طريقته في إدخالهم للحظيرة بتعيينهم في منصب «مستشار»، ولكنه مستشار «لا يُستشار»! ويروي تجاربه معهم، حيث كانوا مستعدين للتوقيع على بيان استنكار على منع نشر قصيدة في موزمبيق، أو انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان في جنوب إفريقيا و «إسرائيل»، لكن حين تطالبه بالحديث عن تعذيب الآلاف في سجون طرة أو أبوزعبل، على بعد مئات الأمتار من مكتبه، يرد: «سيبني بعيد عن السياسة»!

الطريف أن الأسواني عرض نظريتين لظاهرة النفاق في مصر، وهي عموماً تنطبق على بلدان أخرى كثيرة وليست مقتصرة على مصر، الأولى أن محمد علي باشا حين أرسل مجموعةً من الطلبة إلى فرنسا للدراسة في النصف الأول من القرن التاسع عشر، عادوا ليخدموا الدولة المصرية، وأصبحوا بالتالي موظفين. ومن هنا لا يمكن أن تتوقع من موظفٍ أن يعارض أو ينتقد رب عمله. أما النظرية الثانية فهي أن العقلية العربية والإسلامية أميَل بطبيعتها للاستبداد وتمجيد الطغاة، كما يحدث هذه الأيام بصورةٍ كاريكاتيريةٍ سخيفةٍ مع القذافي وصدام وصالح، لأنها تتغذّى على فكرة وجوب طاعة الحاكم المتغلب بالسيف، حتى لو جلد ظهرك وسلب مالك. وهي فكرةٌ تتعارض تماماً مع ما جاء به الإسلام من أفكار تحررية تهدف إلى العدل والمساواة بين البشر، وإنّما أدخلت لاحقاً على الفكر الإسلامي بعد سيطرة الأمويين على الحكم وسحق معارضيهم، وتكرّست في عهد العباسيين الذي أضافوا إليها فكرة أن الحاكم «ظل الله في الأرض».

الأسواني يضيف «عندنا كتاب ومثقفون رسميون في مصر يمجدون الطغاة»، ويستشهد بكاتبة مصرية استضافت القذافي عبر «فيديو كونفرانس»، بعدما أصدر روايةً لم يسمع بها أحد، وخاطبته بقولها: «أرجوك ألا تترك الأدب العربي»! وحين صنع جائزةً أدبيةً للرواية، أراد أحدهم تسويقها في الغرب، فرشّح كاتباً إسبانياً شهيراً لنيلها، لكنه رفض قبولها لأن أسرته قتلها الجنرال فرانكو، وعاش طوال حياته مناضلاً من أجل الحرية، وقال: «الغريب أن لجنة الجائزة رشحتني وكانت تظن أنني يمكن أن أقبل جائزةً من شخص ارتكب مجازر».

الطريف أن الكاتب المصري جابر عصفور، وهو «مثقف جاهز للاستلام»، قبل الجائزة من دون تردد. لكنه بعد سقوط القذافي، ادعى أنه أعاد الجائزة، كما يقول الأسواني، فلمّا سألوه عن الفلوس، أجاب: «لقد أعدتها معنوياً»! ولم يسأله أحد: كيف أعادها معنوياً؟ ولمن أعادها؟ وفي أي بنك يمكن أن تُصرف مثل هذه الادعاءات!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5127 - الإثنين 19 سبتمبر 2016م الموافق 17 ذي الحجة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 23 | 7:08 ص

      انها معضله...عايشناها مع الرفقاء الذين سبقونا في السبعينيات والمجاهدين في الثمانينيات.. كنتُ اضن ان البعثي واليساري هما فقط من يتبنى هذا الدور لملئ الكيس نهاية المشوار وبعد النضال .. واذا بي ارى اخوة مجاهدون ذاقوا الويلات .. واذا هم على نفس الشاكله والطريقه.. فلا الدين ولا الضمير يستطيعان ايقاف الجشع بنهاية العمر

    • زائر 22 | 6:12 ص

      وفي النهاية، وبعد سقوط الطغاة يملأ الفراغ الانتهازيين من رجال الدين الذين يعتبرون أنفسهم أيضاً «ظل الله في الأرض»، ونعود للمربع الأول.
      شكراً على المقال الرائع!

    • زائر 21 | 6:08 ص

      انه الي يضحكنى انه بعض الصحفيين انهم دكاترة لاكنهم يتللذون بالكذب من اجل مصالحهم فهل هؤلاء مثقفين طبعا لا لانه الله لايحب الكذب ويحب الحق خصوصا فى ظلمات الشعب الطيب فل يوتعون هؤلاء من الكذب اليومى لانه ماراح افيدهم كذبهم على الناس الشعب واعي ويعرف الحق ولا يؤيدهم اله السدج والله ياخد الحق

    • زائر 20 | 4:34 ص

      المثقف العربي اذا ما يسيطر علية حاكم يسيطر علية رجل دين او يخاف من كلام الناس والاغلب يبحث عن الشهرة.
      و الاسوء اللي مايفهم ويدخل روحة يقعد ايعاي مع الخصوم مستانس بتصفيق الناس لاهي حتى اذا استيقظ الصبح البحر غزير
      و الاسوء من الاسوء اللي يخاف من كلام الناس,
      قليلون هم الاحرار

    • زائر 19 | 4:03 ص

      الثقافة أو العلم الذي لا يقود صاحبه إلى طريق الصواب لا خير فيه . بل هو عين الجهل .

    • زائر 17 | 2:33 ص

      شهادات الزور حين تصدر من مثقفين وحقوقيين ومعمّمين فإن وزرها مضاعف

    • زائر 16 | 2:32 ص

      حين تسخّر الأموال وموارد الدول لشراء ضعفاء النفوس ممن يعرفون بالعلم فهذه الطامّة الكبرى على الأمّة فبدل ان تذهب هذه الأموال لتطوير الدول وللارتقاء بها الى المستويات العليا في البحوث والاكتشافات العلميةـ بدل ذلك تذهب اموالنا لشراء ذمم المفكّرين والعلماء واصحاب العقول المبدعة .
      هذا التوجيه السيء لأموال البلاد الاسلامية يجعلها في مؤخرة الركب ولا امل في تطورها او لحاقها بالعالم

    • زائر 15 | 2:24 ص

      اكيد من قال الدراز ما فيها مشكلة
      صدق مئة بالمئة

    • زائر 14 | 2:15 ص

      حين يضعف الوازع الديني او يضعف النبي الداخلي في الإنسان وهو الضمير فلا غرابة في تصرّف من فقد هذين الاثنين ان يرتكب حتى الجرائم بحق الانسانية

    • زائر 13 | 1:38 ص

      اللهم لا تبتلينا ونبيع ضمائرنا ... يوم لا ينفع مال ولا بنون.. أحسنت أيها الأستاذ الكبير
      لأننا نرى في مسرح الحياة عجب عجاب .. هذا من يبيع موقفه الإنساني والوطني من أجل منصب وهذا من يبيع دينه وهذا من أجل منصب وهذا وهذا وهذا ولكن نعرف تماما بأن من يبيع حقوق الناس مصيره مزبلة لا ذكر له يبقيه.

    • زائر 12 | 1:36 ص

      أحنا مانحب المثقفين....نبي عقول مشحونة تتن....

    • زائر 11 | 1:29 ص

      من وجهة نظري هناك علم شريف وعلم غير ذلك، علم لأكل اللوزينج وحصاد الاموال والجلوس على الموائد . وعلم لنفع الناس والبشرية وشتان بينكما يا سالما
      من يتعلم العلم للارتزاق والعيش على ما يحصده من علم ليسخره لملأ بطنه والركض وراء المغريات وبين من يسخّر العلم للأهداف النبيلة.
      الأول خائن لنفسه ولمجتمعه وللعالم والبشرية
      والآخر مخلص لله وللبشرية

    • زائر 10 | 1:18 ص

      المناصب و العطايا و الفلوس كلها وسائل لتغيير النفوس تجعل من الحق باطلا و الباطل حقا. المجتمع الدولي يرى مشكلة و المثقف المغرى\\المشترى لايرى مشكلة

    • زائر 8 | 12:58 ص

      المثقف العربي وليد بيئته يجاريها و تجاريه

    • زائر 4 | 12:18 ص

      اقولون كل ديره وفيها مقبره

    • زائر 3 | 11:55 م

      اعظم الخيانة خيانة الامة

    • زائر 2 | 10:54 م

      احلى شيء انها اعاد الجائزة معنويا. ههههههههه.

اقرأ ايضاً