العدد 5138 - الجمعة 30 سبتمبر 2016م الموافق 28 ذي الحجة 1437هـ

أهمية العلم والاقتصاد والانفتاح الثقافي

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

نشر الأستاذ الجامعي البريطاني جيري بروتون مقالاً في «نيويورك تايمز» بتاريخ 17 سبتمبر/ أيلول 2016، تحدث فيه عن إنجلترا في مطلع القرن السابع عشر الميلادي، في عهد الملكة إليزابيث الأولى (قبل أن تتوحد مع اسكتلندا وتتشكل بريطانيا). المقال شرح كيف أنَّ تلك البلاد الصغيرة نسبيّاً كانت منقسمة طائفيّاً في داخلها (بين المذهبين المسيحيين الكاثوليك والبروتستانت)، وكانت تعيش الرعب خوفاً من إسبانيا، صاحبة القوة العظمى آنذاك، والتي كانت تشن حروبها بالاعتماد على ثروات الذهب والفضة التي حصلت عليها من أميركا الجنوبية، وبالاعتماد على نهجها الديني - الطائفي (إذ كانت تطرح نفسها المدافعة عن المذهب الكاثوليكي).

الملكة إليزابيث الأولى اعتلت العرش في 1558م، واصطدمت مع إرادة الدولة الإسبانية في 1570، وتعرضت بعد ذلك إنجلترا لغزو الأسطول الإسباني في 1588. ذلك الغزو فشل في دخول الأراضي الإنجليزية، وبعد ذلك فرضت إسبانيا المقاطعة الاقتصادية على إنجلترا وعلى التجار الإنجليز، وذلك بهدف تدمير الدولة الإنجليزية التي تبنت المذهب البروتستانتي.

تحت ذلك الحصار، قررت الحكومة الإنجليزية الانفتاح على العالم البعيد... وعليه سمحت الملكة إليزابيث الأولى بتأسيس عدة شركات تجارية كبرى للاستفادة من الأسواق المربحة. فقد راسلت إليزابيث الأولى السلطان العثماني، ورعت تأسيس شركة «Turkey Company»، التي فتحت التعاون الاقتصادي مع الدولة العثمانية. كما تواصلت الملكة إليزابيث مع شاه فارس، ورعت تأسيس شركة الهند الشرقية في 1600م، وهي الشركة التي سيطرت على الهند وجميع الأراضي والبحار اللصيقة بالهند (بما في ذلك الخليج العربي). كما أنشأت التحالف الإنجليزي - المغربي مع القائد المغربي أحمد المنصور، وكان تحالفاً تجاريّاً قام على أساس العداء المتبادل مع الملك الإسباني فيليب الثاني.

وضمن تأسيس الشركات التجارية الإنجليزية العابرة للبحار، تأسست لاحقاً في 1606 (بعيد وفاة إليزابيث الأولى) شركة فيرجينيا «Virginia Company of London»، والتي توجهت في تجارتها مع المستعمرة الإنجليزية الجديدة في أميركا (الولايات المتحدة حاليّاً). نتائج تأسيس تلك الشركات نعرفها لاحقاً من التاريخ، إذ انتشرت اللغة الإنجليزية في كلِّ مكان، ونمتْ الإمبراطورية البريطانية مع تمدد نفوذ تلك التجارة العابرة للبحار والقارات.

وقد صاحب تلك الحركة التجارية إلغاء الرقابة على الفكر والكتابة في إنجلترا، وبالتالي استطاعت بريطانيا إطلاق نهضة أدبية وعلمية كبرى (ويليام شكسبير توفي 1616، فرانسيس بيكون توفي 1626، إسحاق نيوتن ولد في 1643، الخ)... وهذه النهضة مازالت آثارها معنا حتى الآن. لقد استطاعت بريطانيا توسيع نفوذها عبر التجارة، وعبر التعامل المرن مع مختلف المناطق في الشرق والغرب.

إنّ الدروس من ذلك كثيرة، وهي أنّ بريطانيا تفوقت على إسبانيا، ثم فرنسا، واستطاعت أنْ تتحول من دولة صغيرة إلى إمبراطورية كبيرة عبر إطلاق الحرية للعلوم وللتجارة، وانفتحتْ على مختلف العوالم والثقافات... ومنها أنّه عندما أفل نجمها إنّما كان ذلك بسبب إنفاقها ثرواتها على الحروب، ولاسيما في الحربين العالميتين الأولى والثانية... ومن كلِّ ذلك ندرك أهمية العلم والاقتصاد والانفتاح الثقافي في رقي البلدان وتفوقها.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 5138 - الجمعة 30 سبتمبر 2016م الموافق 28 ذي الحجة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 1:30 ص

      النهضة العلمية اذا لم يصاحبها نهضة أخلاقية فلا خير فيها اذ لا زالت هذه الدولة المتطورة والمتقدّمة تدعم استذلال الشعوب.....والتعدي على حقوقها .
      التطوّر العلمي أمر حتمي وارد في سياق تطوّر البشرية وارتقائها لكن التخلّف الأخلاقي هو المصيبة والداهية الكبرى

    • زائر 6 | 12:35 ص

      لا اوافق من يدعي بانه لا فائدة من الحروب في زمن الوحوش! والدليل ان احد اركان قيام الاسلام هو السيف والحروب وكان الامام علي عليه السلام يحرض علي مقاتلة الاعداء ويقول: مالكم تكادون ولا تكيدون ويتناقص من اطرافكم ولا تتحاشون ...ويقول: صرتم غرضا يرمى ولا ترمون...

    • زائر 5 | 11:42 م

      المشكلة أن يتحول التمييز إلى عقيدة، بدلا من الإيمان الصادق بالمبادئ الدينية والإنسانية المشتركة.

    • زائر 4 | 11:25 م

      قد اسمعت لو ناديت حيا - و لكن لا حياة لمن تنادي

    • زائر 3 | 11:13 م

      دكتور لاتتعب نفسك .. الجماعة مصرين على التجهيل وخنق الطاقات العلمية بحرمانهم من أبسط حقوقهم وهي مواصلة دراستهم الجامعية حسب رغباتهم وحرمانهم من البعثات وهم فخر الوطن وعزه .. ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

    • زائر 2 | 11:06 م

      لا رابح في الحرب
      واللبيب باﻹشارة يفهم

اقرأ ايضاً