العدد 5138 - الجمعة 30 سبتمبر 2016م الموافق 28 ذي الحجة 1437هـ

المنبر الحسيني المسئول

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

موسم عاشوراء هو الحدث الذي يبرز في منظومة أحداثه المتنوعة والمتداخلة في مكونها الاجتماعي والإنساني مؤشرات، وأسئلة مهمة تشير إلى دلالات هي في حاجة إلى تمعن ومعالجة مسئولة ترتكز على مقومات مؤسسة في أهدافها الموجهة للارتقاء بالمفاهيم والثقافات والسلوك المحيط بواقع الحدث، الذي يجسد البعد القيمي والتاريخي والإنساني لرسالة عاشوراء، المرتكزة على المقوم الأخلاقي ومبدأ العدالة الإنسانية، وتُجسد تلك المؤشرات والأسئلة في بعد مضمون جوهرها، المسئولية الفردية والاجتماعية والمؤسسة الأهلية في شأن الممارسات المتمثلة في ظاهرة الإسراف، وعدم الالتزام بقواعد النظافة العامة، وتجاوز الحدود المعقولة في استخدام مكبرات الصوت الذي يتسبب في حدوث الضوضاء المؤذية، وتلك حاﻻت لها آثارها السلبية على الحياة الصحية والنفسية، والأمن البيئي للمجتمع، عدا أنها تجاوز للقيم التي يؤكد على ضرورة الامتثال بها الدين الإسلامي الحنيف.

الإسراف في استهلاك المواد الغذائية تقليد لم يكن معروفاً في ثقافة التقاليد الاجتماعية في تنظيم شعائر عاشوراء في المراحل التاريخية السابقة، وإذا ما تمعنا في واقع الظاهرة من الطبيعي نتبين أبعادها السلبية الاجتماعية والصحية والبيئية أيضاً، إذ تتسبب في بروز الأمراض الصحية للأفراد الذين يفقدون اتزانهم في تناول الوجبات بشكل مفرط، وخارج الطاقة الاستيعابية لحاجتهم الغذائية، دون إدراك للآثار السلبية التي يمكن أن يتركها ذلك السلوك على واقعهم الصحي، كما أنه من المعروف أن الإسراف في استهلاك المواد الغذائية له آثاره البيئية بسبب الزيادة المتصاعدة في كمية المواد الغذائية الفائضة عن الحاجة، التي تجد طريقها في حاويات المخلفات، ومن الطبيعي أن تكون لتلك الظاهرة آثار اقتصادية على الفرد والمجتمع التي تبرز في عملية الصرف في شراء المواد الغذائية، وفي تمويل عمليات جمع ومعالجة المخلفات.

السلوك غير المسئول في عدم الالتزام بقواعد النظافة العامة من الظواهر التي تشهد تصاعداً ملحوظاً في ممارسات الأفراد في أيام عاشوراء، وتتحول الشوارع والطرقات العامة والأزقة والمناطق السكنية إلى ما يشبه مكباً للنفايات، بسبب الممارسات غير الواعية والسلوك غير الرشيد في العلاقة مع نظافة المحيط البيئي للإنسان، وتلك ظاهرة محط اهتمام بعض القائمين على المآتم، إذ يحرص البعض منهم في تنظيم برامج لتوعية مرتادي المآتم والمجتمع بأهمية الحفاظ على النظافة العامة، وما أثار اهتمامنا في هذا الشأن مبادرة مأتم رأس رمان في تعليق لوحات توعوية حملت شعار (بيدك تنقذ بيئتك) ويدعو الشعار مرتادي المأتم إلى الالتزام المسئول في التعامل السليم في طريقة التخلص من المخلفات ورميها في المواقع المخصصة لذلك، والحرص على الالتزام بقواعد الحفاظ على النظافة العامة. إن ذلك الجهد ثقافة يسعى عدد من القائمين على المآتم لتبنيها، بيد أن ما هو مؤسف عدم امتثال غالبية أفراد المجتمع بما يجري الدعوة إلى الالتزام به، وفي هذا الشأن تشير الباحثة الاجتماعية هدى المحمود إلى أن أحد الأصدقاء الملتزمين في حضور المآتم الحسينية قال: «إن الخطيب يبح صوته وهو يناشد ويوجه ويقرن هذا بآيات وأقوال للأئمة بوجوب الالتزام بالنظافة والسلوك الحضاري داخل وخارج المآتم، وعندما ينتهي الخطيب من خطبته ويخرجون للخارج نجد كل الأوساخ والمخلفات في كل مكان، وكأنما كانوا يستجيبون لنصح الخطيب بشكل معاكس»، ذلك ما شهدناه العام الماضي في أحد المآتم الذي نظم برنامجاً توعويّاً، ودعا رئيس مجلس بلدي سابقاً للمشاركة في البرنامج وتوجيه رسالة توعوية إلى مرتادي المأتم، وسعى في سياق كلمته التوجيهية في توضيح الآثار السلبية لمشكلة عدم الالتزام بقواعد النظافة العامة، وحَث على تبني السلوك الإيجابي في التعامل مع المخلفات وصدم بما شاهده بعد خروجه من باب المأتم!

الظاهرة المقلقة للقطاعات الاجتماعية على اختلافها تتمثل في حالة الضوضاء التي نشهدها في أيام عاشوراء، بسبب الاستغلال غير المقنن والمفرط لمكبرات الصوت التي هي في حاجة إلى قراءة متمعنة لآثارها السلبية على المجتمع المحلي، وبالأخص الأطفال والمرضى وكبار السن والطلبة، الذين هم في حاجة إلى توفر بيئة صحية مناسبة، ومن المعروف أن تلك الظاهرة محط اهتمام رجال دين معروفين، الذين حرصوا في توجيه رسائل النصح والحث على ضرورة تنظيم استخدام مكبرات الصوت، وخفض مستوياتها، واقتصارها على المستمعين في داخل المآتم.

ما جرى معالجته من قضايا دائمة الحضور في الحوار الاجتماعي، وإدراكاً لما لهذه القضايا من أهمية في فكرنا الإسلامي، تواصلنا مع رجل الدين الشاب المتنور سيد ميثم المحافظة للاسترشاد برأيه السديد في شأن ذلك، إذ أشار «ورد عن الزهراء (ع) في خطبتها: «وَطَاعَتَنَا نِظَاماً لِلْمِلَّةِ، وَإِمَامَتَنَا أَمَاناً مِنَ الْفُرْقَةِ» الحسين (ع) إمام والاقتداء بالحسين (ع) وبأخلاقه لا ينسجم مع مظاهر البعثرة واللانظام والسلوك اللاحضاري واللاإنساني، فنظافة طريق العزاء والاعتدال في المضايف، وكذلك الاعتدال في استخدام مكبرات الصوت في المآتم، وعدم الإسراف في وجبات المآتم سلوك وثقافة لا تنفك عن إحياء عاشوراء الحسين (ع)».

المنبر الحسيني إلى جانب ذلك تقع في دائرة مسئوليته مهام متشعبة في حيثياتها الاجتماعية، في استثمار الحالة الروحانية لعاشوراء وما تتميز به من أثر إيجابي في شد اهتمام واصغاء جيل الشباب إلى ما يوجهه الخطيب، والحرص على تبصيرهم وتوعيتهم بما يحيط بهم من مخاطر، إذ إننا في حاجة إلى تحصين الشباب من طوفان مخاطر العولمة وتنويرهم بما تمثله آفة المخدرات من خطر على مستقبلهم، وعلى أمنهم الأسري والصحي، ونعتقد نحن في حاجة إلى خطباء على قدر من الثقافة والمعرفة بمتطلبات القضايا الاجتماعية والإنسانية الذين يمكنهم ربط قضية عاشوراء في المعالجة الواعية لقضايانا المجتمعية والوطنية، البعيدة عن مختلف أشكال التعصب، والفهم المسئول في طبيعة العلاقة المتبادلة مع المستمعين في طرح القضايا المفيدة.

السؤال المحوري الذي يظل يؤكد حضوره وينبغي التأكيد عليه، ما هي مسئولية الخطيب وكذلك القائمين على المنبر الحسيني في تحقيق الجدوى الإيجابية المطلوبة من شعائر عاشوراء وتغيير ذلك الواقع؟ ذلك ما ننتظر الإجابة عليه في واقع الممارسة المشهودة قولاً وفعلاً في أيام عاشوراء.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 5138 - الجمعة 30 سبتمبر 2016م الموافق 28 ذي الحجة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 5:05 ص

      3-تعالج بعض المظاهر العاشورائية في التالي:
      @ نهضة الحسين هي نهضة لجميع المسلمين فلتكن أيام عاشوراء أيام وحدة وتآلف وتعاضد وبما أن نهضة الحسين هي نهضة للإنسانية جمعاء فلتكن أيام عاشوراء فرصة لعشاق الحسين بتعريف العالم بالحسين وقيم الحسين وأهداف النهضة الحسينية بلغة إنسانية بعيدة عن التعريف بأنفسهم للآخرين لأننا ما نزال في قصور في تعريف العالم بالحسين.

    • زائر 15 | 5:03 ص

      2- تعالج بعض المظاهر العاشورائية في التالي:
      @عدم إغلاق بعض الطرق بالوقوف الخاطىء للسيارات من مبدأ رحم الله رجلاً أزال شوكة من طريق المسلمين، وأيضاً إماطة الأذى عن طريق المسلمين صدقة.ولتشكل لجان أهلية وشرطة المجتمع والمرور لخدمة تنظيم المواقف.
      @ الأمر بالمعروف لوقف مظاهر غير مقبولة، من قبل المنظمين في كل المناطق ومنها العاصمة من قاعدة قولوا للناس حسناً، أحفظوا ألسنتكم وكفوا عن الفضول وقبيح القول.

    • زائر 14 | 5:01 ص

      1- تعالج بعض المظاهر العاشورائية في التالي:
      @تنظيم أجهزة الصوت المستخدمة في المآتم عبر مبدأ كونوا زيناً لنا ولا تكونوا علينا شيناً.
      @ الموائد العاشورائية تحتاج إلى تنظيم في بعض المناطق من مبدأ كلوا وشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين. وأيضاً( إن المبذرين كانوا أخوان الشياطين).وأشيد بمشروع تدبير لحفظ الطعام
      @نظافة الشوارع من مخلفات الجمهور سواء بعد العزاء أو قبله إنطلاقاً من مبدأ النظافة من الإيمان. ولتوضع جائزة قيمة في النظافة ليشترك الجميع ويشعرون بالمسؤولية تجاه ممارساتهم ويقيموها.

    • زائر 13 | 4:58 ص

      ماطرحه الدكتور يتطلب حملة يشارك فيها القائمون على المآتم مع الجمعيات والصناديق الخيرية في الأحياء والمجتمعات المحلية .. أي أن تكون هذه من مهام جهات أهلية تتبنى هذه الدعوة وتسعى لتنفيذها خلال أعضاءها وعضواتها

    • زائر 12 | 4:57 ص

      نعم لقدأصاب الدكتورشبرالوداعي كبدالحقيقه بعدأن تم تجريدالثوره الحسينيه بكل أسف عن اﻷهداف اﻹنسانيه الساميه التي انطلقت من أجلها

    • زائر 11 | 4:54 ص

      ما ذكره الدكتور شبر هو المطلوب فعلا من أجل إلا تتحول عاشوراء عن رسالتها المجتمعية المنشودة ..من خلال هذه المظاهر المنافية لها سواء بتزايد المضايف وعشواءيتها واسراف المأكولات وتضييق في المساحات ،فضلا عن عدم الالتزام بالنظافة وضوضاء وصخب الميكروفونات.

    • زائر 10 | 4:48 ص

      وجهة نظر القارئ
      أولاً: مخطئٌ أيضاً من يظن أن ارتفاع أصوات المكبرات في المناطق المشتركة هو دليل على الحضور الكبير لقضية الإمام الحسين في وجدان المجتمع؛ بل قد يكون دليلاً على غياب كبير لمظلوميّة تتكرس بأفعال غير منضبطة وسلوك غير سليم.
      ثانياً يجب أن تكون هناك لجان في مسئولية الحفاظ على البيئة.
      ثالثاً : طبيعة الناس في قرى البحرين يريدون يخدمون ويشترون الأكل بالأسعار العالية بداعي أن الإمام الحسين يستاهل أكثر وأكثر ، وهو فعلاً يستاهل أكثر ولكن بالطرق الإرشادية الصحيحة والمعبرة.

    • زائر 8 | 6:32 ص

      أحسنت النشر دكتور مع الأسف ما أوردته حقائق عن غالبية المسلمين والتي تتنافى وما ورد في الكتاب الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وتوجيهات آل البيت ع حتى في داخل أمنية المساجد في حيث تجد اتباع الديانات الأخرى يحرصون على النظافة و البيئة ويظهر ذلك من الملابس التي عليهم في حين الكثيرون يحضرون إلى الصلاة وكأنه ذاهب إلى مزاولة رياضة في نادي وليس استشعار بأهمية وقاسية المكان وأداء الفريضة. الحديث يطول واتمنى عليك أن يكون لك مقال آخر في رصد السلوم السلبي والايجابي بعد العشر الأوائل. مع تحياتي

    • زائر 7 | 5:27 ص

      الموضوع جيد وعقود طويلة هناك أصوات لامست تلك النقاط لكن بدون فائدة ، فالسلوك هو اصعب ما يتغير في الانسان ، وعاشورا هو مناسبة تاريخية فلسفية وليست مناسبة لسلوكيات دموية مؤلمة من اجل إثبات حب الحسين عليه السلام . فالإمام الحسين كان مسالما وطيبا ونظيفا ولم تصدر منه سوى الكلمة الطيبة والسلوك الحضاري.

    • زائر 6 | 2:36 ص

      احسنت
      المقال يدور حول ثلاث نقاط مهمة جدا وهي التنظيم السلوكي للافراد حسينيا من حيث النظافة والاطعام الصوتيات الصاخبة والمقال ركز كثير حول الاهتمام بالنظافة ولم يعالج تلك المظاهر بما هو واجب شرعي وثقافي وان كثير من سلوكيات الشباب الحسيني تتماثل للتطور والتقدم والتنظيم التلقائي دون الحاجة الى محاضرات متخصصة وهذا من واقع ملموس حيث ترى كثير من من لا تلمس منه روح التعاون في طوال السنة تجدوه من المتطوعين للنظافة والتنظيم والالتزام السلوكي الشامل اما الاطعام الحسيني فقد نحى منحى مخالف لما كتب للافضل

    • زائر 5 | 2:15 ص

      الفوضى الملازمة لسلوك محبي الحسين هو تفريغ هذه القضية من جوهرها والتركيز على الشكل الذي لا يغني عن الحق شيئا

    • زائر 4 | 1:12 ص

      قبل ذلك السؤال الأهم :من هو الخطيب المؤهّل لارتقاء هذا المنبر؟
      لكي يقف خطيب ويلقي خطابا او محاضرة او بحثا على مجموعة من الناس لا بدّ ان يكون لديه المؤهل العلمي الذي يؤهله لارتقاء هذا المنبر العظيم .
      ان جعل المنبر مجرد اعواد يرتقيها كل من هبّ ودبّ فإنّ ذلك لن ينتج شعوبا واعية ذات ثقافة يعتدّ بها ورغم ان الثقافة لا تنحصر في المنبر الحسيني حاليا لكنها ساعات يجب ان تستغلّ افضل استغلال

    • زائر 1 | 12:29 ص

      السلام على الحسين..
      في كل عام يتجدد حزني على ممارسات وطقوس مكتسبة تنسب لآل البيت ع، أصبح الحسين دمعة وطعام وممارسات واللوان حمراء وخضراء.... تحت شعار ومن يعظم شعائر الله فإنهامن تقوى القلوب! خلال الشهرين سوف ينفق في العالم على امور لا علاقة لها باهداف الحسين ع تقدر بآلاف الملايين (روتب خطباءوزيارات كربلاءو مضايف وملابس وديكورات وووو) في مقابل هناك فقراء ومرضى و طلاب وحاجات ومعسرين و مديونين ووو كان أولى ان توجه لهم بأسم الحسين ع اقتداء باحد أهداف كربلاء .

    • زائر 2 زائر 1 | 12:53 ص

      اتفق مع زائر 1 .. والمقاال رائع ..كلام سليم مئه بالمئه ..الغريب اني هالكلام اقوله أمام ناس مثقفين ومتعلمين ..وأواجه بحرب شرسه بحجة من يعظم شعائر الله فأنها من تقوى القلوب .. للأسف أصبحت واقعة الطف مجرد مضائف وإسراف وفوضى ..تتجدد الذكرى ونرجع بخفي حنين ..

    • زائر 9 زائر 1 | 9:21 ص

      بارك الله فيك
      جبته والله في الصمبم

اقرأ ايضاً