العدد 5138 - الجمعة 30 سبتمبر 2016م الموافق 28 ذي الحجة 1437هـ

«صبيان»... مال الحوطة!

سعيد محمد saeed.mohd [at] alwasatnews.com

كثيراً ما يتحدث البعض عن إسطبلات الخيل (الحوطة كما اصطلح على تسميتها شعبياً)، كونها مرتعاً للفساد وسوء الأخلاق والممارسات المشينة وقس على مثل تلك الأوصاف الكثير، منها ما هو صحيح ومنها ما هو باطل! لكن، من الممكن تقديم صورة أخرى لا يعرفها الكثير من الناس.

ربما تكون فكرة الموضوع غريبةً نوعاً ما، إلا أن بيئة «الحوطة» ومجتمعها وشبابها ونشاطها ليست في مجملها مرتعاً «مشيناً»، بل فيها الكثير الكثير مما يمكن أن نعتبره من أجمل وأروع الصور، وخصوصاً أننا على مشارف ذكرى عاشوراء الحسين (ع)، ومن ذكريات «الإسطبل» أيام الشباب، نعيش لحظات جميلة تزيح الطائفية والتشدد والتطرف، وتنحو نحو التسامح والمحبة والأخوة... كيف ذلك؟ ألم أقل لكم إن الموضوع فيه من الغربة بعض الشيء؟

في «الحوطة» ومنها، درسٌ جميلٌ للطائفيين وأهل الشقاق ودعوات التفتيت المذهبي والتشنيع على معتقدات الناس، ففي أغلب الإسطبلات، وهذا الكلام عايشته شخصياً منذ فترة الثمانينيات، هناك العديد من شباب البلد من مختلف مناطق البحرين ومن الطائفتين الكريمتين، وعادةً ما يكون «صبيان الحوطة» من عشاق الخيل ونواصيها وعروبتها وأصالتها، ولربما كان هذا هو السبب في أن يكون «صبيان الحوطة» من السنة والشيعة، نموذجاً جميلاً لا يضاهيه نموذج إبليس من قبيل أولئك الذين يهاجمون معتقدات غيرهم وشعائرهم ولاسيما في عاشوراء، ولا يتورعون عن تسمية المآتم الحسينية بـ «المآثم» و «منابع الشرك» و «منابر الفساد»، وكأن الله سبحانه وتعالى أطلع تلك الفئة على نوايا الناس وأفعالهم من جهة، ثم وكلهم ليتولوا محاسبة خلق الله على معتقداتهم... وعلى العموم، في كل «ديرة مقبرة»، وفي كل مجتمع، هناك الأنياب الطائفية البغيضة من كل الأديان والطوائف، وليس من دين أو مذهب واحد فحسب.

صبيان «الحوطة» من الإخوة السنة والشيعة، تجدهم في إسطبلاتهم المشتركة ولاسيما تلك الواقعة على شارع النخيل أو في منطقة سار والشاخورة وغيرها، والمذهل، أنك لا تجد بينهم أي صراع أو خلاف أو تناحر سياسي أو طائفي، حتى في حال النقاش في المواضيع الدينية والعقائدية والسياسية، فهم في الغالب يتلقون آراء بعضهم بعضاً باحترام، وبأسلوب لا يمكن أن تجده في مجالس الطائفيين من مشايخ أو نواب أو مسئولين، ولعلهم يتعلمون درساً من صفاء نفوس «لصبيان مال الحوطة».

تماماً، كما يشارك فنانون من مختلف الأديان والمذاهب في المرسم الحسيني سنوياً، فتجد الفنان السني يقدم إبداعاته إلى جنب الفنان الشيعي والمسيحي والبوذي والهندوسي، فإن العديد من الفرسان ومربي الخيل من الإخوة السنة، اعتادوا سنوياً على مشاركة خيولهم في مواكب العزاء القريبة من مناطق إسطبلاتهم، ويشارك من لديه ناقة بناقته في المشاهد التمثيلية الكربلائية أو المسرحيات، باعتبارها شكلاً فنياً متطوراً من الإحياء العاشورائي وفيه يبدع الممثلون في تقديم مشهد مؤثر في النفوس، لكنك لن تجد بينهم من يعتبر ذلك شركاً وإثماً، فالمجتمع البحريني بسنته وشيعته، أحيا مواسم عاشوراء منذ قديم الزمن. «لصبيان مال الحوطة»، يتمتعون بروحية بحرينية عالية النقاء والصفاء، وليست الحوطة أو «الإسطبل» أو مدرسة الفروسية هي مكان اجتماعهم الأول ولا دونه، فهم يجتمعون ويتزاورون طيلة العام، فتجد «التميمي» في ضيافة «مدن» وترى «سلطان» في ضيافة «المحاسنة» وترى «بودانة» في ضيافة «سيدشرف»، حتى لو كانت العواصف الطائفية حولهم تشتد وتعصف بالجميع... أتذكر في الثمانينيات، كان ابن عمي الفارس «صادق الدبيني» يدير إسطبل السيدجعفر السيدشرف البلادي، وكنا في ذلك الوقت نجتمع من بعض الأصدقاء «بروك... مبارك من السلمانية» و «فرووي... فرج من أم الحصم»، وغيرهما من الأصدقاء طيلة أيام عاشوراء الحسين (ع)، وليس علمنا فقط هو أخذ الخيول إلى مواكب العزاء، بل يحضر الجميع للاستماع إلى المحاضرات والمشاركة في مواكب العزاء. للعلم «لصبيان مال الحوطة» فيهم الطالب الجامعي وفيهم الطبيب وفيهم الباحث وفيهم الأستاذ الجامعي وفيهم المثقف وفيهم الإنسان العادي، لكن من دون شك، كل أولئك يأملون من أهل المنبر الديني عموماً، والمنبر الحسيني خصوصاً في هذا الموسم، ومن الشعراء والرواديد، أن يكون شعار «الحسين يجمعنا» يتبلور بشكل حقيقي في إحياء الذكرى تحت مظلة الدين والوطن والأخوة، ولترسيخ مبادئ نهضة الإمام الحسين (ع) في نفوس أبناء الأمة، ولسنا في حاجة إلى الخرافات والخزعبلات والخطاب الاستفزازي الطائفي الناري، ولسنا في حاجة لطرح المواضيع التي تثير البغضاء والتناحر، فالوطن في حاجة للجميع، أياً كان الخلاف السياسي وأياً كانت الأزمات... الإمام لم يخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، إنما خرج لطلب الإصلاح في أمة جده المصطفى محمد (ص).

إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"

العدد 5138 - الجمعة 30 سبتمبر 2016م الموافق 28 ذي الحجة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 24 | 6:00 ص

      والله خوي سعيد موضوعك جدا روعه عساك ع القوه

    • زائر 23 | 2:53 ص

      بارك الله فيك.. مقال جميل جدا

    • زائر 22 | 1:59 م

      أقشعر بدني من اطروحتك .. ابدعت لانتقائك للكلامات (محمد جمعه )اسطبل اصبيان مال المحرق - الشاخوره ..جزيل الشكر والتقدير

    • زائر 20 | 10:18 ص

      سلمت يمناك
      المشكله الان الطائفيين سيغرسون انيابهم في الاسطبلات لان الهدف تفكيك الوحدة الوطنية واي موقع يكون نمودج للتعايش يكون هدف للطائفيين

    • زائر 19 | 8:53 ص

      احسنت على هذا المقال الجميل

    • زائر 18 | 7:40 ص

      اشكرك اخي الكاتب بصراحة كلامك عين العقل وانا احد هؤلاء الشباب ومربي خيل والكثير من الناس ماخذة نظرة وفكرة سيئة عن اصحاب الاسطبلات وهذا مفهوم خاطئ فمثل ماتكرمت اخي الكاتب منهم الطبيب والمهندس والمثقف ورجال الدين وجميع فئات المجتمع ومناصبها هم من اصحاب وملاك الخيل ،وليس لدينا اي تفرقة او مشاحنات مذهبية وطائفية او اختلافات سياسية بل بالعكس تماما جميعنا اخوة وتجمعنا رياضة وهواية الخيل ودائما نتواصل ونزور جميع الخيالة من مختلف الاديان والجنسيات .
      ألف شكر وتحية لك أخي الكاتب

    • زائر 17 | 7:39 ص

      بارك الله فيك استاذي الفاضل موضوع جميل واقع نعيشه

    • زائر 16 | 4:44 ص

      موضوع جميل جدا وكلام صحيح بكل معنى الكلمة.
      أتمنى من الكل أن يفهم معنى الأخلاق قبل النميمة ونقل الكلام عن الآخرين من هؤلاء الناس الذين نشئوا نشئة نظيفة من الحقد والتفرقة.

    • زائر 13 | 7:18 ص

      قاتل الله الجاهلية والتضليل الاعلامي والسياسة التي غيرت العقول والمفاهيم. شكرا للكاتب

    • زائر 12 | 7:05 ص

      اهل الحوطه رياييل واهل الشهامه والنخوه

    • زائر 11 | 6:10 ص

      انا شيئين في القلبي الخيل وحب الوطن

    • زائر 10 | 5:54 ص

      اشكر الكاتب على اللفتة الذكية

    • زائر 9 | 3:39 ص

      اللهم خلصنا من الشر ...

    • زائر 8 | 3:30 ص

      المشكلة حوطه واحد تحدث بها الممارسات المشينة ويعمعمها الناس

    • زائر 7 | 3:25 ص

      لا يمكن لأي أمة ان تتقدم بالرجوع للخلف و اجترار الماضي و اسقاطه على الحاضر التيارات الدينية بمختلف مشاربها و لا استثني اي احد منها سواء كان هذازالتيار ينتمي لابناء الغالبية العظمى للإسلام او ينتمي للأقليات التي في الغالب هو من الموالي

    • زائر 6 | 3:18 ص

      تعتبر حرب "داحس والغبراء" من أهم الحروب المروعة المؤلمة التى قامت بسبب السباق، وهي أشهر من نار على علم في تاريخ العرب، وقد احتدمت نارها أربعين عامًا بين قبيلتى "عبس" و"ذبيان" وراح فيها رجال وصبيان من الطائفتين الكريمتين!!.

    • زائر 5 | 3:17 ص

      الكاتب يقول أتذكر في الثمانينيات
      نقول لك من 2011 كل شي تغير والنفوس الى الاسف تغيرات كثير
      انا ومجموعة من شباب المحرق معروف ان في تاسع وعاشر ما نتغده في بيوتنا كله في الماتم ومن 2011 ما دخلنا ماتم
      لا احد يقول ما تغير شي

    • زائر 15 زائر 5 | 4:52 م

      عادي تقدر تدخل أي وقت

    • زائر 21 زائر 5 | 10:26 ص

      تعال السنة من سابع و الكل بيحطك على راسه

    • زائر 4 | 2:32 ص

      الخيل تجمعنا على بركة الله سبحانه وتعالى وحب الوطن
      الخيل علمتنا صفات طيبة ما هي موجودة عند الطائفيين
      شكرا أستاذ سعيد

    • زائر 1 | 12:23 ص

      أعتقد أن فكرة الموضوع وطريقة المعالجة والأسلوب. .عال العال والأهم المضمون حتى أنني فهمت أن في الحوطة.... أفضل من الطائفيين ....

اقرأ ايضاً