العدد 5169 - الإثنين 31 أكتوبر 2016م الموافق 30 محرم 1438هـ

دلالات «أولمبياد القراءة» بدبي

رضي السماك

كاتب بحريني

تُعد دور«الأوبرا» عالمياً من أهم صروح الثقافة والفنون بمختلف أشكالها، بما فيها الموسيقى والمسرح... إلخ، في أية دولة تُتأسس فيها مثل هذه الدار، وذلك لما يُعبّر عنه المشروع من وعي عميق لقيادتها بما تؤديه من وظيفة ثقافية وعلمية عظيمة الشأن حضارياً. وهل هناك افتتاح لدار مثل دار «أوبرا دبي»، والذي وُصف بالمبنى الاسطوري في محاكاته أروع دور الأوبرا العالمية، من تدشينه بذلك الحدث الثقافي العربي العظيم المتمثل في الحفل الختاميلمسابقة «تحدي القراءة العربي»، والذي جرى برعاية نائب رئيس دولة الامارات وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل المكتوم؟ وهل هناك من تشبيه لهذه الفعالية العلمية التي تبارت فيها 21 دولة عربية رسمياً وعدد من الدول الاجنبية أجمل من وصفه بـ»أولمبياد المعرفة»، كما جاء على لسان الأديبة والإعلامية القديرة المعروفة بروين حبيب إحدى عريفي الحفل، إلى جانب زميلها على المسرح المثقف الأستاذ مصطفى؟ وإذا كان وصف بروين لهذه المسابقة المعرفية العلمية الكبرى بـ «الأولمبياد» لا يخلو من مغزاه بأنه آن الأوان لدولنا العربية، وعلى الأخص الخليجية، بعد عقود طويلة من تغليبها الاهتمام بالرياضة على الثقافة إنفاقاً وإعلاماً، لإحداث توازن بين القطاعين إنفاقاً واهتماماً على الأقل.

فإن كلمة الإعلامي السعودي تركي الدخيل لا تخلو هي الأخرى من مغزاها البليغ، حينما وصف علاقة المعرفة بأبوابها الإنسانية العريضة بالجنة، في إشارة مُبطنة لضحالة فكر همج عصرنا «الدواعش» المتوحشين الذين يفجرون أنفسهم في مجاميع البشر الأبرياء طلباً لجنة حور العين، مذكراً بمقولة لفولتير «إن من سيقود الجنس البشري هم الذين يعرفون كيف يقرأون»، وهذا لعمري من أهم وسائل محاربة الارهاب؛ أي بالانفتاح الخلاّق على كل الثقافات الإنسانية، لا التشرنق النرجسي على ثقافتنا باسم الخصوصية والأصالة... مهما يكن فإن النجاح الساحق الذي حققه «أولمبياد المعرفة» انطوى على دلالات كثيرة ينبغي أخذها في الحسبان من قبل الدول العربية كافةً، ولعل أهمها:

أولاً: إن المسابقة لم تظهر فقط مجاميع مجهولة من الطلبة العرب الموهوبين المتفوقين من مُحبي القراءة وتوسيع ثقافاتهم العامة، بل أظهرت دلالة ذات مغزى تتمثل في ان معظم الذين تصدروا المراكز في التصفيات النهائية، وصولاً للمراكز العشرة، جاؤوا من مدارس القطاع العام ومن طبقات فقيرة، أو في أحسن الاحوال من «الطبقة الوسطى»، وهذه الفئات هي الأكثر كفاحاً بالمعنى الحقيقي من أجل التحصيل العلمي والمعرفة بقدراتها المحدودة، وسط كل الظروف المعيشية والاجتماعية التي تعيش في ظلها أسرها، دون أن يتوافر تحت أيديهم ما يتوافر لدى أبناء العائلات الميسورة والثرية من تسهيلات وإمكانات متنوعة هائلة للقراءة والاغتراف من مناهل الثقافة العامة بكل روافدها لو شاؤوا.

ثانياً: إن واحداً من أكبر ما حققه «تحدي القراءة العربي» من نجاحات كبيرة وكسب احترام العرب جميعاً له، إنما تمثل في الآليات الصارمة التي اُتبعت في التحكيم لتقدير قدرات المتسابقين وقيمة ما اكتسبوه من كثير الكتب التي قرأوها، وهي آليات اتسمت بأعلى درجات الشفافية والنزاهة والتجرد، وبالتالي فهي جديرة بالاستفادة منها ليس على الصعيد القومي في مختلف مسابقات الجوائز العربية كالرواية والشعر والعلوم والصحافة وخلافها فحسب؛ بل وعلى الصعيد القُطري في المجالات المذكورة ذاتها، وفي توزيع البعثات العلمية بمختلف درجاتها العلمية من الثانوية العامة حتى الدكتوراه أيضاً، ولا نعني بذلك نسخ آليات «تحدي القراءة العربي» آلياً، بل الاستفادة منها مبدئياً بما يوائم كل حقل من حقول العلم والمعرفة، ولتوخي تحقيق الحد الأدنى من رضا الرأي العام بشفافيتها ونزاهتها وتجنب اتهام انحيازها لدولة على حساب دولة أو أكثر على الصعيد القومي، أو الانحياز لشخص موالٍ غير كفء على حساب شخص آخر أكثر كفاءة منه؛ لكن له رأيا مُخالفا لبعض أو كل سياسات الدولة التي ترعى المسابقة، أو لفئة دون فئة على الصعيد الداخلي القُطري في توزيع «البعثات» .

ثالثاً: إنه ينبغي على الدول العربية، في ضوء ما حققته جوائز تحدي القراءة العربي من تحفيز جاء أشبه بإعلان النفير العام العلمي لمحاربة شكل من اشكال الاُمية المتمثل في عزوف طلبتنا وشبابنا العربي عن القراءة وتوسيع الثقافة العامة منذ نحو ربع قرن، وبخاصة بعد ظهور أجهزة وسائل التواصل البالغة التطور، بأن تقوم بمبادرات قُطرية شبيهة على الأصعدة الوطنية لغرس وتنمية روح وحُب القراءة والثقافة العامة لدى الناشئين والشباب من مواطينها، إن هي ابتغت حقاً أن يرتقي اسمها كدولة في المراكز المتقدمة في «أولمبياد دبي للمعرفة» السنوي، أو حتى مسابقات وجوائز عربية ودولية أخرى.

رابعاً: لقد كانت واحدة من أهم وأروع الشهادات التي قيلت في أولمبياد المعرفة «تحدي القراءة العربي»، هي تلك التي جاءت على لسان الكاتبوالروائي العالمي باولو كويلو في الرسالة التي بعث بها بعد يومين من حفل الاختتام إلى الشيخ مكتوم، فمما جاء فيها؛ وصفه عادة القراءة بأنها «عطر المعرفة»، وأن مشروع «تحدي القراءة العربي» رسالة إلى العالم العربي بأنه الحل الجذري لخروج مجتمعاته من أزماتها على اختلاف اشكالها، في إشارة مُبطنة لداء «الارهاب»، والحل هو في القراءة.

وقد رد المكتوم عليها برسالة جوابية نفيسة في لغتها التعبيرية البليغة ودلالاتها تضاهي رسالة كويلو، مذكرا إياه كيف أن شمس الحضارة العربية الإسلامية هو الذي سطع على ظلام أوروبا، وكيف كانت بغداد في عصرها الذهبي (إبان الخلافة العباسية) تزخر بأكثر من 100 من دور «الوراقة» المعروفة اليوم بدور النشر، وتنتج مئات الآلاف من الكتب المخطوطة، ناهيك عن المكتبات المليونية في الاسكندرية والقاهرة والمغرب والأندلس، مؤكداً له بأن لا انفتاح ولا تعايش ولا إبداع ولا اختراع ولا ابتكار ولا اقتصاد بدون رد الاعتبار للكتاب، لكن المكتوم ختم رسالته مُبدياً له تفاؤله بالجيل العربي الجديد، إثر ما أظهره مشروعه «تحدي القراءة العربي» من نجاح عظيم فاق كل التوقعات.

في تصريح لها إلى «الوسط»، أعربت بطلة البحرين في أولمبياد القراءة العربي،ولاء البقالي، التي تمكنت من اجتياز كل شروط وآليات قياس قدراتها الصارمة، بما في ذلك الامتحانات التحريرية والمقابلات الشخصية التي شهد بنزاهتها القاصي والداني، بأنها تتطلع إلى دراسة الطب بعد تخرجها في نهاية العام الدراسي الحالي 2016/2017، فهل تتمكن من اجتياز آليات قياس قدراتها في المقابلات الشخصية لوزارة التربية والتعليم لتنال رغبتها في التخصص الذي تطمح إليه؟ أم تفشل كما فشل مئات المتفوقين والمتفوقات الذين اقتربت مجاميعهم من نسبة الـ 100 في المئة؛ لأنهم لم يتمكنوا من إثبات قدراتهم أمام لجان التحكيم بوزارة التربية؟

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 5169 - الإثنين 31 أكتوبر 2016م الموافق 30 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 4:09 ص

      أحسنت أستاذنا الكريم بهذا المقال الذي تفهمه العقول المنصفة الموضوعية التي لم تشبها شوائب النفس الأمارة بالسوء.
      إذا محاسني اللاتي أُدل بها* كانت مساوئ، قُل لي: كيف أعتذر.

    • زائر 1 | 12:51 ص

      عزيزي الأستاذ الفاضل رضي السماك ....... بعد التحية
      اللجنة التي وقفت امامها ولاء البقالي كان لها معايير محدده تطبقها دون تحيز لذا اجتازتها ولاء.
      أما لجنة المقابلات الشخصية هل لها معايير محددة تقيم على أساسها الطلبة؟
      ومن أعضاء تلك اللجان وما شهاداتهم حتى يقيمون الطلاب؟

اقرأ ايضاً