العدد 5175 - الأحد 06 نوفمبر 2016م الموافق 06 صفر 1438هـ

باب الهزيمة والنصر في سورية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كلما امتد الصراع في أي بلد زادت مسمَّياته. عندما بدأت الأحداث في تونس نهاية ديسمبر/ كانون الأول العام 2010، كنا نسمع عن منطقة سيدي بوزيد فقط، والتي أحرق فيها محمد البوعزيزي نفسه. ثم بدأنا نسمع عن «جلمة» و«المكناسي» و«حاجب العيون»، ثم أكثر بعداً حيث القصرين وقفصة وهكذا.

في سورية حصل الشيء ذاته. كان الأمر في بدايته يدور بشأن «حي عربين» في درعا. ثم ما لبث الحال أن توسّع فقمنا نسمع عن «طفس» و«داعل» و«الطيبة» إلى أن وصلنا اليوم ونحن نسمع عن مئات من المناطق السورية. والحقيقة أن كثرة الأشياء عادة ما تُفقِد المرء القدرة على فهمها فهماً جيداً.

أتذكر أننا وحين نشرنا ملفاً عن الأزمة السورية في «الوسط» في فبراير/ شباط 2014، واجهنا صعوبات كبيرة في تشريح الخريطة السورية إدارياً وجغرافياً وديمغرافياً، ثم في عملية تقييد مساحات الصراع وحصْر المسمّيات كي نخرج بخلاصات قريبة من الواقع. هذا الأمر بات يتكرر في كل قراءة بـ«سورية» الآن.

اليوم، ينحصر الصراع من حيث الأهمية «الأكبر» في محافظة حلب. أي نحن نتحدث عن مساحة تصل إلى 18 ألف و500 كيلومتر. هذه المساحة من المدن والأرياف تتوزع على تسع مناطق، هي: جبل سمعان وأعزاز والباب وجرابلس وتل رفعت والسفيرة وعفرين وعين العرب ومنبج.

فإلى جانب مدينة حلب هناك ريف غربي وثانٍ شرقي وثالث جنوبي ورابع شمالي، بين بعضهم تداخل معقد. فأحدها يُطل على تركيا وآخر على إدلب وثالث على الرقة ورابع على حماة. كل هذه المناطق اليوم موزعة ما بين شرق تسيطر عليه المعارضة السورية وغرب تسيطر عليه الدولة السورية، وهناك مناطق شمالية يسيطر عليها الأكراد وأخرى يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

نقطة الصراع الحقيقية تتمحور بشأن المناطق الشمالية القريبة من الحدود التركية. كيف؟ السبب باختصار هو تعدد أطراف الصراع هناك واقترابه من قلب المشكلة السورية وهي الحدود المفتوحة من تركيا والتي أدت إلى دخول عشرات الآلاف من المسلحين من دول عِدَّة. دعونا نفصل.

كانت تركيا ولغاية يوليو/ تموز من العام 2013، مطلقة اليد في الشمال السوري. بعد ذلك قرّر حزب البعث في سورية تحريك غرائز الأكراد القومية كي تشتعل في وجه الأتراك، وهو ما حصل فعلاً. كان الأتراك يرون في «داعش» جزءًا من جائحة المعارضة ضد الأسد، وبالتالي فهي ليست أولوية تسبق أولوية الصِّدام مع الأسد. كما أنها رأت فيهم قوةً تُلجِم الأكراد في مناطق عين العرب «كوباني».

بعد تعاظم دور الأكراد خشي الأتراك من ذلك الدور، فدفعت بكل ما يمكن أن يكبح جماحه، لكن الأميركيين كان لهم رأي آخر، كون الأكراد مُكوّناً طامحاً ومفتوحاً في علاقاته المستقبلية، كما هم أكراد شمال العراق، فدعموهم بقوة جعلتهم يلتهمون مناطق عِدَّة في الشمال السوري، الأمر الذي اضطر أنقرة لأن تدخل مباشرة في الأراضي السورية في الـ 24 من أغسطس/ آب الماضي.

بدأت تركيا بعملية درع الفرات للسيطرة على جرابلس في أقصى الشمال الشرقي لحلب. بعدها أوصل الأتراك جرابلس بمنطقة في الوسط الشمالي الشرقي حيث مدينة الراعي، ثم الانعطاف قليلاً نحو الوسط حيث دابق، حينها أصبحت على مقربة من قوات سورية الديمقراطية ذات الغالبية الكردية في تل رفعت، وأقرب شمالاً إلى منطقتَيْ نبل والزهراء التي يسيطر عليهما الجيش السوري.

لكن بقيت هناك منطقة أهم من ذلك، وهي مدينة الباب في الوسط الشمالي الشرقي لحلب والتي لم تبعد سوى 15 كيلومتراً عنها، في حين يقف الجيش السوري النظامي على بعد 10 كيلومترات عنها أيضاً. هذه المنطقة هي بوابة الجميع لشرق حلب الذي تسيطر عليه المعارضة.

الأتراك يريدون أمرين هنا: لَجْم الأكراد عبر قطع طريقهم المأمول بين نهر الفرات وعفرين، ثم إقامة منطقة محظورة بدعم ألماني بطول 90 كم وعمق 50 كم، كي يحولوا دون التهام الجيش السوري لشرق حلب ثم استعداده لاسترداد إدلب حين تصل دمشق هذه المنطقة بغرب حلب.

من هنا تصبح هذه المنطقة وما حولها عين العاصفة. الأتراك يريدونها من أجل لجم الأكراد وحماية المعارضة شرق حلب. والأكراد يريدونها لتعزيز مواقعهم الشمالية وكسر النفوذ التركي. والجيش السوري النظامي يريدها كي يقتحم شرق حلب ويُخليها من المعارضة المسلحة بعد قطع خطوط الإمداد الرئيسية ثم الانعطاف صوب ريف حلب الشمالي لاستعادة ما تبقى من أراضٍ حتى الحدود التركية.

اليوم الجميع يُراقب ويترقب. والتعزيزات التي استقدمها الجيش السوري النظامي باتت تتمركز على بعد عشرة كيلومترات فقط من منطقة الباب. والروس يُحمِّلون المعارضة السورية المسئولية عن خرق الهدنة. والأميركيون يدرسون اقتحام الرقة بالتعاون مع الجيش التركي.

لكن السؤال الآن: كيف يمكن لتلك المعارك أن تجري في لحظة واحدة في ظل تشابك الخطوط واختلاف المصالح؟ هذا الأمر إنْ حصل سيعني المعارك التي ستحدّد مصير الأزمة السورية وما ستؤول لها موازين القوى على الأرض لكل تلك المكونات المسلحة والعسكرية.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5175 - الأحد 06 نوفمبر 2016م الموافق 06 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 11:06 ص

      لو لا التدخل الغربي والتمويل العربي لتم لسماحة بشار الأسد وجيشه وحلفائه القضاء على الإرهاب في سنة واحدة

    • زائر 6 | 3:51 ص

      كما قال الرفيق بشار الأسد أحلام أردوگان ستدفن في حلب. بتقديري الحرب بحاجة لسنتين على الأقل و أربع بالأكثر -والله أعلم- للحسم الكامل ومن يراهن على حل سياسي واهم ويعيش في عالم آخر، فلا الرئيس الأسد سيقبل الإملاءات و لا المعارضات والجماعات الإرهابية العميلة تقبل بعصيان أسيادها الغرب وأردوگان.

    • زائر 2 | 12:36 ص

      لا نصر في سوريا بعد ان دمّرها الغرب بأموال العرب
      الشيء الوحيد هو استطاعة محور المقاومة البقاء رغم الحرب العالمية التي خططها الغرب انتقاما من هزيمة 2006

    • زائر 1 | 11:23 م

      أحييك...

    • زائر 3 زائر 1 | 12:56 ص

      حسب ان الله ونعم الوكيل على من كان السبب فى خراب بيوت البشر وبلدان الامه العربيه.

    • زائر 4 زائر 1 | 1:33 ص

      تتكلم عن معارضة !! وهي ارهاب وتوحش

    • زائر 5 زائر 1 | 1:53 ص

      شكرًا على المقال ولو ارفق بالمقال خارطة سوريا لكان اوضح للقارئ ..

اقرأ ايضاً