العدد 5179 - الخميس 10 نوفمبر 2016م الموافق 10 صفر 1438هـ

العقلانية والحرية والعدالة

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

لو كان لا بد من الإشارة إلى أهم 3 جوانب في الثقافة العربية، والتي تحتاج إلى الاتفاق على تعريفها، والمرجعية الرئيسية التي تنطلق منها، وأهم مكوناتها وأهدافها، والنتائج التي ستنتج جراء ممارستها في الواقع العربي... فإنني شخصياً سأشير إلى الجوانب الثلاثة التالية: العقلانية والعدالة والحرية.

لا توجد كلمات يكثر اللغط بشأنها، وتكثر الانقسامات بشأن مفاهيمها أكثر من هذه الكلمات. ولم تستطع القرون ولا الألوف من الكتب التي كتبها المئات من المفكرين عبر تلك القرون، تكوين تيارات مجتمعية مهيمنة، ونافذة تأخذ غالبية العرب بفهمها تلك التعابير، وبالتالي يتبنى أغلب العرب الثقافة التي تضم تلك التعابير الثلاثة.

ومن هنا يأتي عدم تجذر تلك التعابير في الثقافة العربية، ما يجعلها ثقافة قابلة للاختراق والتلاعب بها، وادعاء البعض بعدم قابليتها للتعايش مع الحداثة، ومع متطلبات عصرنا الذي نعيش.

أبرز ما في هذه الكلمات الثلاث هو ترابطها واعتماد تواجد كل منها على تواجد الأخرى. فالعقلانية لا يمكن أن تمارس في مجتمع لا تقوم فيه الحياة على حرية العقيدة والتفكير والبحث. والحرية تحتاج إلى العقلانية والعدالة لمنع إمكانات شططها وانقلابها إلى عبث ضار بالإنسان والمجتمع. والعدالة تظل تطبيقاتها ناقصة في مجتمعات لا تمارس العقلانية ولا تعيش أجواء الحرية.

لو نقلنا موضوعنا إلى الواقع العربي لرأينا كيف أن غياب واحد من الجوانب الثلاثة في أية لحظة تاريخية قد قاد إلى الكثير من الإخفاقات وحتى الفواجع.

فمثلاً، لقد توافرت فجأة مساحات كبيرة من الحرية السياسية والاجتماعية في بداية الحراكات الناجحة للربيع العربي في الكثير من الأقطار العربية، لكن عدم تجذر مفاهيم وممارسات العقلانية والعدالة في حياة شعوب ومجتمعات تلك الأقطار، قد قاد لارتكاب الكثير من الأخطاء والخطايا في ممارسة الحرية التي توافرت آنذاك.

والأمر نفسه حكم ما جرى من حراكات شعبية ضد الاستبداد والفساد في ليبيا وسورية واليمن، على سبيل المثال، إذ غاب التوازن غابت الضوابط فيما بين الحرية المنتزعة وبين ممارسة العقلانية والعدالة والانصاف. وها نحن نعيش إلى يومنا هذا نتائج ذلك الغياب المطلوب في الثقافة السياسية العربية.

وقد وصلت تلك الفاجعة في خلل الموازين إلى القيمة في الأراضي التي غزتها وحكمتها القوى الجهادية التكفيرية، إذ غاب وجود أي من الجوانب الثلاثة إلى ممارسة إسلام بعيد كل البعد عن الرسالة الإلهية، التي نزلت على نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم.

وحتى في الواقع الفكري السياسي العربي تظهر فداحة غياب فهم مجتمعي مشترك لتلك المفاهيم الثلاثة. فاللغط بشأن موضوعي الشورى والديمقراطية، وبشأن موضوعي الرأسمالية والاشتراكية، وبشأن الخلافات المذهبية وبشأن مكانة وحرية المرأة، هذا اللغط سيظل معنا لقرون أخرى، طالما أن تلك الجوانب لم يحسم أمرها في العقل الفردي وفي العقل الجمعي.

ما يوجع القلب هو أن ما يسود الحياة العربية هو ممارسة عكس تلك التعابير الثلاثة. فالذي يسود هو اللاعقلانية والعبودية وأشكال لا حصر لها من المظالم.

من أجل إصلاح الثقافة العربية، وعلى الأخص السياسية منها. أصبح لزاماً بناء فهم مجتمعي مشترك، وإلى حد معقول، بشأن المرجعية الأساسية لتلك الجوانب الثلاث، بشأن مكوناتها وأهدافها الإنسانية، بشأن ضرورات توازنها عند التطبيق وبشأن النتائج التراكمية المنتظرة.

ولعل مؤسسات المجتمع المدني السياسية والثقافية والاقتصادية العربية تدرك بأن الحديث عن الديمقراطية وعن التنمية الاقتصادية، وعن ولوج عصر العلوم والتكنولوجيا؛ بل وحتى عن وحدة الأمة السياسية، سيكون حديثاً مليئاً بالثغرات وإمكانات الانتكاسات ما لم يواز تلك الأحاديث وجود المحاولة التي نتحدث عنها.

وتوجد أسئلة كثيرة في ذهن الإنسان العربي بشأن تلك الكلمات الثلاث، وهي تحتاج إلى إجابات معقولة شبه متفق عليها، وذلك قبل أن تصبح مفاهيم تلك الكلمات جزءاً أساسياً من ثقافته.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 5179 - الخميس 10 نوفمبر 2016م الموافق 10 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 4:10 ص

      تحرير قوى الإعلام من القيود ومن العقائد والمذاهب والاديان والاعتبارات الخزعبلية ووو .. في اعتقادي نجح كبار قوى الفكر والرأي تغير دفة السفينة العربية الى الاتجاه الصحيح .. المؤكد تفهم القادة العرب للحاجة الماسة لقوى الدفاع الفكري العربي لمواجهة المخاطر والتحديات خاصة تحديات العصر والمستجدات على الساحة العربية .. وابعاد قوى العبث والطفيلون والمتأخونون والمتعبدون عن الفكر السياسي من أجل حماية الاوطان العربية من دول الخلافة .. الداعشية والولي الفقية حيث يمثلان وجهان لعملة واحدة

    • زائر 3 | 12:39 ص

      العقلانية والحرية والعدالة والديمقراطية مبتغى كل الشعوب بس بعيداً عن تقريب عقائدهم حتى لايصبحوى الشعوب تلقاءين أعداء لبعضهم

    • زائر 2 | 11:46 م

      وما يوجع القلب أكثر يا دكتور ان الشعوب التي عليها المعوّل في التغيير اصبحت دمى ولعب في ايد الاطماع والجشع يتلاعب بها المتسلّطون على خيرات الأمّة فيسخّرون اموال الاوطان للرشاوي وشراء الذمم الرخيصة، حتى اصبح الكثير من هذه الشعوب بلا ضمير بسبب بريق المال .
      لقد تمّ شراء الكثير من المثقفين والصحفيين وقادة المجتمع حتى المحسوبين على الدين اصبحوا اكثر وبالا على الأمّة وتاجروا بدينهم

    • زائر 1 | 11:27 م

      عقلانية وحريّة وعدالة: وكأنك يا دكتور تتكلم عن مصطلحات انقرضت منذ زمن ولا وجود لها

اقرأ ايضاً