العدد 5217 - الأحد 18 ديسمبر 2016م الموافق 18 ربيع الاول 1438هـ

مستوى الكذب الذي لا يُطاق!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في كل مرة نكتشف أن الخطر أكبر مما نعتقد. ففي لحظة ما كنا نظن بأن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) يعتمد بشكل أساس على داعمين من خارج الحدود يمنحونه العتاد والسلاح. الآن تبيَّن أن ذلك الاعتقاد أكثر تركيباً وتعقيداً. فالتنظيم يعتمد على آخرين في مواده الأوّلية الداخلة في صناعاته العسكرية، إلاّ أن تسيير أموره فيها ترجع إلى خبراء لديه!

قبل أيام، أصدرت مؤسسة أبحاث التسلّح في الصراعات (كار) تقريراً أشارت فيه إلى أن هذا التنظيم يُنتِج «أسلحة على نطاق ودرجة من التطور يضاهي مستوى تسلح قوات الجيش الوطنية، إذ لديه توحيد قياسي للإنتاج في الأنحاء المختلفة» التي يسيطر عليها في العراق وسورية.

وأضافت تلك المؤسسة التي مقرها بريطانيا وتراقب الأسلحة في الصراعات حول العالم، وفقاً لتقرير وكالة «رويترز»، بأن التنظيم لديه «سلسلة إمداد قوية من المواد الخام التي تجلبها من تركيا»، وأن «درجة الدقة الفنية لما تصنعه تشير إلى أنه لا يمكن وصف ذلك بأنه إنتاج بدائي للأسلحة».

الغريب أنه و«على رغم أن منشآت الإنتاج تستخدم مجموعةًً من المواد غير القياسية وسلائف كيمائية تستخدم في صناعة المتفجرات إلاّ أن مستوى التنظيم ومراقبة الجودة وإدارة المخزون يشير إلى نظام مُعقد للإنتاج الصناعي ويخضع لرقابة مركزية» حسب التقرير.

وعندما زارت المؤسسة منشآت التنظيم في مدينة الموصل حديثاً، والتي دخل الجيش العراقي مناطق واسعة فيها وقفت على جزء «من منظومة تنتج أسلحة وفقاً لقواعد إرشادية دقيقة أصدرتها سلطة مركزية» قادرة على التحكم، ما يعني أن نظام الاتصالات لديها مُحكم وقوي.

في جانبٍ آخر شاهَدَته مؤسسة «كار»، أن إنتاج التنظيم العسكري شمل «منظومةً للمراقبة تتضمن تقديم تقارير دورية وتفصيلية عن معدلات وجَوْدَة الإنتاج التي تساعد في ضمان التوحيد القياسي في أنحاء الأراضي التي كانت خاضعة لسيطرة» التنظيم في العراق وسورية.

ومن بين ما كان يُنتجه التنظيم هي قذائف «المورتر التي تُصَنّع في منطقةٍ من الأراضي الخاضعة» للتنظيم إذ «تجري معايرتها لتتناسب مع الأنابيب التي تنتج في منشآت تقع في مناطق أخرى»، حيث قُدِّرت بـ«عشرات الآلاف من الصواريخ وقذائف المورتر في الأشهر السابقة على هجوم الموصل».

وذلك «التوحيد القياسي تطلَّب ثباتاً في إمدادات الخامات، وهو ما تحقّق من خلال شبكة مشتريات كبيرة في تركيا المجاورة، وسلسلة إمداد تمتد من تركيا إلى الموصل عبر سورية» جعل التنظيم يسعى لـ«محاكاة الوظائف التي تقوم بها جيوش الدول في محاولة» طمعاً في الثبات والشرعية.

لذلك زوَّد التنظيم مقاتليه «بتعليمات مُعقَّدة عن تصنيع وزرع العبوات الناسفة وتشغيل منظومات الأسلحة المعقدة مثل الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات» كما جاء. هذا يعني أن ما كان يُقال عن أحوال هزيمة الجيش العراقي المتهالك في الموصل سنة 2014 لم يكن بتلك الدِّقة، إذ أن الجيش كان يواجه جيشاً مماثلاً لديه قدرات تسليحية متقدمة، وأنظمة اتصال تفوقه بأشواط.

المسألة لا تقف عند التصنيع العسكري، بل في آلية الاستيراد ووسائطه ونقاطه. فالتقارير تشير إلى أن هذا التنظيم يستورد مكونات إنتاجه البالغة 700 مكوِّن لصناعة العبوات الناسفة من 51 شركة في 20 دولة حول العالم، أهمها تركيا، التي تقوم 13 شركة فيها بعملية التوريد للتنظيم. وحسب تلك التقارير فإن بعضاً من تلك المكوِّنات يحصل عليها التنظيم في مدةٍ لا تزيد عن الشهر وبشكل قانوني حتى!

هذا أمر غريب فعلاً. إذْ كيف والعالَم يخوض حرباً ضد هذا التنظيم بقيادة الأميركيين كما يقولون، يحصل مثل هذا «التساهل» في عملية المراقبة سواءً في مسار التصدير أو في الآليات أو جعله يتضخّم بالخبراء العسكريين الذين يمكن رصدهم حتى وهم في الكهوف؟ بل وترفض حكومة إحدى تلك الدول وهي تركيا «التعاون في التحقيق لتحديد فعالية اللوائح السارية في أنقرة فيما يتعلق بتتبع المكونات» التي تمّ الحصول عليها «حول مدن ربيعة وكركوك والموصل وتكريت وكوباني»، كما صرّح بذلك جيمس بيفان المدير التنفيذي لمؤسسة الأبحاث؟ هذا أمر مستَهجَن!

هذا الأمر يعيدنا إلى أن نتساءل بشأن مشاهد مماثلة في بقاع مختلفة من العالم. ففي لحظةٍ ما يتأمّل المرء في كيفية حصول حركة «طالبان» على السلاح! وكيف كان يحصل نمور التاميل في سريلانكا طيلة 26 عاماً على السلاح! وكيف يحصل الانفصاليون الطوارق في مالي على السلاح! وكيف تحصل جماعة بوكو حرام في نيجيريا على السلاح!

وكيف يحصل حزب العمال الكردستاني في تركيا على السلاح! وكيف يحصل متمردو أقلية الكاشين المسيحية في بورما على السلاح! وبالتأكيد كيف يحصل جيش فارك (وكذلك جيش إلن) في كولومبيا على السلاح! وكيف تحصل حركة الشباب المجاهدين في الصومال على السلاح! وبالتأكيد كيف تحصل جبهة النصرة وتوابعها في سورية على السلاح؟

هذا الأمر يعطينا صورةً مختلفةً عن هذا العالم ومستوى الكذب فيه حول موقفه من الصراعات المستعرة والإرادات المواكبة لها، وهل هي في طور التهدئة أم التثوير. نحن لا نقول بأن هناك دعماً مباشراً من دول (على رغم إمكانية حصول هذا الأمر) لكننا نعتقد أن الإرادة تجاه ذلك الدَّم المراق هنا وهناك لا تتناسب مطلقاً. وهي تدفع الكثيرين إلى التفكر بسوء نية تجاه السياسات المتبعة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5217 - الأحد 18 ديسمبر 2016م الموافق 18 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 12:06 م

      هذا المقال قد لخص كل ما يدور في الشرق الاوسط وقد اسهب الكاتب المحترم جل نقاط الغموض ولا نقول الا قول الحق جل وعلى "انهم يكيدون كيد واكيد كيد فمهل الكافرين امهلهم رويدا" والجاي من الكوارث عن الساكت والمتلون على اشد واعتى.

    • زائر 11 | 3:01 ص

      وكلٌ يدعي وصلا بليلى * وليلى لا تقر لهم بذاك
      إذا انبجست دموعٌ في خدودٍ، * تبين من بكى ممن تباكى.

    • زائر 10 | 11:54 م

      في بلادنا يعتقدون أن إنكار الحقيقة يغير الواقع. إنهم يعتقدون أن القصص الوهمية والغضب تغير الحقيقة! قصصهم اللاواقعية جبانة تهرب من الأسئلة وتقول لا مساس لا مساس!

    • زائر 7 | 11:12 م

      الغرب يدير المعركة بالكامل ويتلاعب حسب رغبته ويوصّف الارهاب حسب المزاج وحسب المصلحة وحتى اذا أراد احد استئصال الإرهاب فلن يسمحوا له لأن الارهاب سلاحهم الذي يهدفون من خلاله لتفتيت المنطقة .
      فأين يجدوا فرصة افضل من هذه يحاربون بأموال دولنا وبشبابنا كوقود لحروبهم وفي النهاية يحاولون تحقيق اطماعهم من دون أي خسارة

    • زائر 6 | 11:08 م

      أمريكا تحمي حزب الله و هو منظمة ارهابية، ما تشوفه طالع داخل على سوريا و لا حسيب و لا رقيب!

    • زائر 5 | 10:44 م

      العالم يحمي جبهة النصرة وهي تنظيم القاعدة وخير شاهد الموقف الامريكي لرافض لضرب النصرة في حلب

    • زائر 4 | 9:50 م

      العبرة في النهاية. لو يعطونهم سلاح نووي.(( سيغلب الجمع ويولون الدبر)) للظالم جولة وللمظلوم دولة.

    • زائر 3 | 9:25 م

      لدي رد عليك بشأن نقطة مكونات العبوات الناسفة التي تحصل عليها داعش من تركيا بشكل قانوني (كما تزعم في مقالك)، أهم عنصر في العبوات الناسفة هو مركب كيميائي يستخدم كسماد زراعي، و نعم في تركيا يصنع يباع بشكل قانوي للأغراض الزراعية و هي فقط قبل بضعة أشهر لجأت لمنع بيعه و تصنيعه و ذلك بسبب استخدام حزب العمال الكردستاني له في تصنيع المتفجرات ... الموضوع ليس مؤامرة، كثير من الدول تصنع و تبيع هذا المركب الكيميائي، علما بأن بريطانيا منعت تصنيعه و بيعه في السبعينات بسبب أنشطة الجيش الجمهوري الإيرلندي.

    • زائر 9 زائر 3 | 11:41 م

      ولماذا ترفض التحقيق إذا كان الموضوع بهذا الوضوح وهذه البساطة؟؟؟

اقرأ ايضاً