العدد 522 - الإثنين 09 فبراير 2004م الموافق 17 ذي الحجة 1424هـ

رفع الصور والأعلام بين المدلول الديني والاستثمار السياسي

حبيب أحمد الهملي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

شن بعض الكتاب في الصحف المحلية حملة إعلامية ضد ما أسموه رفع صور لشخصيات أجنبية وأعلام دول أجنبية في المسيرات والمظاهرات التي تنطلق بين الحين والآخر لدعم قضيتي فلسطين والعراق، وشارك هؤلاء بعض الكتاب العرب في صحف عربية مرموقة وقامت بعض صحفنا المحلية بإعادة نشر مقالاتهم فيها، وذلك للتدليل على عدالة ما يطرحه ويصوره أولئك الكتاب، ثم بادر كتاب آخرون قريبون من حملة تلك الصور إلى دعوة أولئك الشباب إلى ترك رفع صور تلك الشخصيات وعدم رفع اعلام غير اعلام المملكة وفلسطين والعراق لما في هذا التصرف من أثر على الوحدة الوطنية من جهة وعلى الثقة مع الحكم من جهة ثانية.

وفي رأيي لم يوفق الفريقان في معالجة القضية، فاستثمرها الفريق الأول سياسيا بتوجيه سهام الاتهام والتشهير والتشكيك في وطنية الشباب وولائهم لبلدهم، واقتصر الفريق الثاني على الأمر والنهي دون تقديم فهم واضح يبرر لجوء الشباب لحمل هذه الصور ورفعها بمناسبة ودون مناسبة.

وما ألحظه هو أن هذا السلوك جزء من ظاهرة تطبع سلوك كثير من الشباب المتدين، فهي لا تقتصر على رفع تلك الصور في المسيرات والمظاهرات فحسب، بل إنها تمتد لتجعل من تلك الصور الخلفية الدائمة لشاشات الكمبيوتر والهواتف النقالة، كما أنها تباع في الأسواق كملصقات حائطية، وتزدان بها جدران بعض مجالس الاستقبال وغرف النوم في البيوت وأيضا جدران بعض المساجد والمآتم الحسينية الرجالية والنسائية وأضرحة الأولياء الصالحين المنتشرة في أنحاء متفرقة من البلد، ناهيك عن تلك النشرات والإصدارات لبعض المآتم واللجان العاملة في الشأن الثقافي والاجتماعي والتي كثيرا ما تحمل أغلفتها وبعض صفحاتها الداخلية تلك الصور المشار إليها، كما يتم الاستعانة بأقوال تلك الشخصيات لتكتب على بعض الملصقات واللافتات التي تعلق لإحياء بعض المناسبات الدينية كمناسبة عاشوراء، يضاف إلى ذلك انه يلاحظ وجودها ملاصقة لميدالية المفاتيح، إذن فهذه ظاهرة سلوكية عامة وما نشاهده في المسيرات والمظاهرات هو بعض مظاهرها وليست هي كلها، ولأنها كذلك فهي تحتاج إلى دراسة وتحليل علمي دقيق بعيدا عن المزايدات والاتهامات.

يمكننا فهم هذه الظاهرة وإعطاء تفسير علمي لها من خلال الأمور الآتية:

- الشباب والبحث عن القدوة.

- دور التقليد في العلاقة بالرموز.

- الانتصارات في زمن الهزائم.

الشباب والبحث عن قدوة

من أهم ما يميز مرحلة الشباب هو البحث عن مثل أعلى يقتدون به في سلوكهم بل وربما في اعتقاداتهم، ولا يوجد نوع محدد لهذه القدوة فربما يكون ذلك القدوة رجل دين أو بطلا سينمائيا أو لاعبا دوليا أو مطربا عالميا وهكذا فكل شاب وحسب المؤثرات من حوله كالبيئة والتربية ووسائل الإعلام والاتصال تتشكل لديه رؤية وهدف في الحياة، ويطمح من خلال هذا لأن يثبت ذاته بالبحث عما يميزها ثم ما يلبث حتى يحصل له على شخصية - قدوة تعينه وتحدد له أفضل وسيلة للوصول إلى الهدف الاسمى الذي اقتنع به، ويعبر الشباب بمختلف الوسائل والسلوكيات عن التعلق بهذه الشخصية -القدوة، فقد تجد صورتها مطبوعة على الفانيلا أو على هاتفه النقال أو شاشة الكمبيوتر، وقد يتطور ذلك حتى إلى التقليد في السلوك كما نلحظ هذه الأيام من تقليعات غريبة في أساليب حلاقة رؤوس الشباب، أو ما نلحظه من بعض الشباب المتدينين من التشبه بمظاهر وسلوكيات شباب حزب الله المجاهدين.

إذن ما يقوم به بعض الشباب المتدين من رفع صور أو غيرها ما هو إلا استجابة لغريزة كامنة في النفس هي البحث عن قدوة، لكن يثار هنا تساؤلان، الأول لماذا هذه القدوات بالذات؟ والثاني إذا كان تصرف الشباب هذا يمكن تفسيره بحالة البحث عن قدوة فكيف نفسر ولع الكثيرين من الكهول وربما كبار السن بهذه الشخصيات؟ هذان السؤالان يمكن الاجابة عليهما من خلال معرفة من هي هذه الشخصيات وماذا تمثل بالنسبة إلى هؤلاء جميعا؟

خصوصية العلاقة

معروف أن الصور التي يحملها الشباب المتدين هي غالبيتها لفقهاء ومراجع دين أو من هم محسوبون على مدارسهم الفقهية والفكرية، وهنا نحتاج إلى معرفة خصوصية هذه العلاقة التي أقامتها فكرة التقليد في المذهب الشيعي حتى يتبين مدلول التعلق بها، بشأن هذه العلاقة يقول الكاتب فهمي هويدي «أقامت فكرة التقليد رباطا وثيقا بين الفرد الشيعي وبين قيادته الفقهية الحية، الأمر الذي مكن تلك القيادة من أن تؤدي دورا كبيرا في حياة الفرد، يكاد يصل إلى دقائق حياته الأسرية ومختلف تصرفاته المالية الشرعية، من الزواج والطلاق والإرث، إلى البيوت والوصية والرهن وما إلى ذلك...، في ظل هذا النسيج المحكم الذي يشد إلى قيادته المرجعية في أموره الدينية والدنيوية، وتلك الشبكة الدقيقة من الوكلاء والممثلين، أصبحت العلاقة بين الفقهاء والأتباع شديدة الخصوصية، وأصبح نفوذ المرجع الديني على جمهور المقلدين شديد القوة، بحيث لا تقارن به علاقة الفقيه بجماهير المؤمنين عند أهل السنة» أزمة الوعي الديني ط1/1988 ص297، ولنتأمل استجابة الجماهير الشيعية العراقية أخيرا لدعوة المرجع السيد السيستاني لإجراء انتخابات في العراق، وهي التي ظلت تنتظر إشارة الحوزة منذ بدء الاحتلال لمقاومته، ولعل هذه العلاقة الخاصة التي أشار إليها الكاتب فهمي هويدي هي سر ارتباك الإدارة الأميركية وتريثها قليلا قبل المضي في تنفيذ مشروعها الاستعماري في بلاد الرافدين.

وإذا أضفنا إلى هذه العلاقة الخاصة بين المرجع ومقلديه مسألة تنامي الوعي السياسي وانبعاث غريزة حب الانتماء والتحزب السياسي لدى الشباب خصوصا بعد قيام نظام الجمهورية الاسلامية في إيران في بداية التسعينات بعد تولي آية الله السيدعلي الخامنئي قيادة الجمهورية لأسباب ليس محل ذكرها الآن، فيمكن القول ان حمل هذه الصور يعبر بدرجة أولى عن الولاء الفقهي (التقليد في الأحكام) وبدرجة ثانية عن الولاء السياسي، والولاء السياسي هذا ليس هو الولاء الذي يقابل الولاء للوطن وقيادته السياسية كما يحلو للبعض الترويج له بقوة، وإنما هو الولاء الذي يقابل الولاءات السياسية المتعددة داخل الطائفة الشيعية نفسها، وبتعبير أوضح هو الولاء الذي يعبر عن الإيمان بنظرية ولاية الفقيه كما تتبناها القيادة الإيرانية مقابل الولاءات الأخرى التي قد ترفض هذه النظرية أو ترى وجوب تعديلها لتتوائم مع الواقع المتعدد للمرجعيات الشيعية عبر تاريخها من جهة ومع الواقع السياسي للدولة العصرية وما تفرضه من ضرورة احترام سيادتها من جهة ثانية، فرفع الصور هو في جزء منه افراز عن الصراع الداخلي بين الاتجاهات المتعددة فقهيا وسياسيا داخل الوسط الحوزوي والمرجعي الشيعي، لكن على رغم ذلك فإن الذي يثير إشكالا فعلا هو استخدام مصطلح «ولي أمر المسلمين» إشارة إلى قائد الجمهورية السيدعلي الخامنئي، فمصطلح «ولي الأمر» في التاريخ السياسي الإسلامي يشير إلى الحاكم الفعلي للدولة، فهنا يأتي التساؤل من هو حاكمنا الفعلي فهل هو السيد الخامنئي؟ هل نحن قادرون على الانصياع لأوامره كحاكم لنا حتى لو خالف ذلك الأمر قوانين الدولة التي نعيش فيها أو أوامر الحاكم الذي يحكمنا فعليا؟ وهذا لو قدر له أن يحصل سيشكل بلاشك خطورة بالغة على الوحدة الوطنية من جهة وعلى الثقة بين الحاكم والمحكوم من جهة ثانية خصوصا مع وجود تلك الأبواق التي تسترزق على طبق الإثارات الطائفية والعرقية، وقد تنبهت قناة «المنار» أخيرا إلى خطورة استخدام هذا المصطلح فعدلت عن استخدامه منذ فترة ويبدو أنه حتى الإذاعة الإيرانية العربية نفسها بدأت تقلل من استخدامها له وصولا إلى تركه إلى الأبد، من هذا المنطلق أرى أننا بحاجة إلى مراجعة بل وتراجع عن استخدام هذا المصطلح الذي يثير إشكالات دينية وسياسية داخل الطائفة الشيعية نفسها قبل علاقتها مع غيرها من أنظمة حكم وشعوب إسلامية، فإذا كنا ننتقد نظام حكم الطالبان لاستخدامهم مصطلح «أمير المؤمنين» فكيف نقبل لأنفسنا استخدام مصطلح لا يختلف عنه في مدلوله الديني والسياسي شيئا بل وربما أخطر منه لكونه مرتبطا بالمرجعية الدينية.

انتصار الثورة والحزب

تنامت الصحوة الإسلامية بعد نكسة 67 إذ اكتشف الشباب العربي عقم الأطروحات القومية والاشتراكية والعلمانية في إنقاذ الأمة ما هي فيه من ضعف وانهيار مستمر فلجأ إلى الإسلام كملاذ وحصن أخير، ثم جاء انتصار الثورة الإسلامية في إيران 1979م على أعتى قوة طاغوتية داعمة للكيان الصهيوني في المنطقة، لتعطي هذه الصحوة زخما كبيرا، وقد رفعت هذه الثورة شعارات تحرير فلسطين وحولت السفارة الصهيونية إلى سفارة دولة فلسطين واعتبار أن «إسرائيل» وأميركا العدو رقم واحد للأمة ثم دعمها المقاومة في جنوب لبنان بتشكيل حزب الله على يد الحرس الثوري الإيراني، وإذا أضفنا لذلك ما حققته المقاومة من نصر تاريخي ولأول مرة في تاريخ العرب في مايو/ أيار 2000م، فإن التعلق بشخصية قائد الحزب السيدحسن نصرالله وعلم الحزب يصبح مبررا في عقول ووجدان شباب الأمة الذين لم يعرفوا سوى الانكسارات المتتالية لأمتهم منذ ولادتهم، وإذا كانت القيادة الإيرانية هي القيادة الروحية لهذا الحزب وهي التي أشرفت على إعداده ودعمه ماديا ومعنويا منذ بداية تشكيله في مطلع ثمانينات القرن الماضي وحتى الآن فإن هذا يضيف الكثير إلى رصيدها في قلوب الشباب المتدين ناهيك عن كون هذه القيادة تمثل مرجعية دينية لها مكانتها الخاصة كما أشرنا

إقرأ أيضا لـ "حبيب أحمد الهملي"

العدد 522 - الإثنين 09 فبراير 2004م الموافق 17 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً