العدد 5222 - الجمعة 23 ديسمبر 2016م الموافق 23 ربيع الاول 1438هـ

الثالوث الجديد في سورية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

روسيا وإيران وتركيا. مساحتهم مجتمعة هي 19 مليوناً و506 آلاف و757 كيلومتراً على أهم قارتين وهما آسيا وأوروبا. واقتصادياتها مجتمعةً تصل إلى 3 تريليونات و946 ملياراً و344 مليون دولار، ومجموع نفوسهم يفوق الـ 299 مليوناً و667 ألفاً و864 نسمة. ولديها جوار مع 41 دولة مختلفة جلها محوري وله تأثير على الأمن والاقتصاد الإقليمي والدولي، سواء أمن الطاقة أم الأمن السياسي أم الحركة الصناعية. وواحدة منها لديها حق في نقض قرارات مجلس الأمن «فيتو».

هذه الدول اجتمع وزراء خارجيتها ودفاعها في موسكو قبل أيام؛ للتباحث بشأن الأزمة السورية. وهي دول معنية بتلك الأزمة أزيد من غيرها؛ كونها داخلة بشكل مباشر فيها. روسيا تدعم الدولة السورية بالقوة الجوية والبحرية وبالدبلوماسية في المحافل الدولية، وإيران تدعمها على الأرض بشرياً ومالياً. أما تركيا فهي تدعم القوى المسلحة المعارضة لدمشق مالياً وعسكرياً وسياسياً.

ولكل من هذه الدول الثلاث مصالح في سورية. الروس يريدون الإبقاء على نافذتهم على البحر الأبيض المتوسط من جهة الشرق عبر قاعدتهم في طرطوس، وألا يعبث أحد بمسار أنابيب الطاقة لأوروبا (وتحديداً الغاز) كي لا تكون بديلاً عن موسكو، وفي نفس الوقت خوض معركة مع الجماعات الإسلامية المتطرفة خارج الأراضي الروسية، في حرب استباقية تقيها زعزعة أمنها القومي.

الأتراك بات من المهم لديهم الآن هو تقويض أي مساع كردية لإنشاء كيان سياسي محاذي لـ تركيا من جهة الجنوب، يمكنه أن يشكل حلقة اتصال مع نشاط الأكراد في تركيا، وتحديداً مع حزب العمال الكردستاني الذي يخوض حرباً ضد الدولة التركية لتعزيز وجوده في جنوب البلاد عبر حكم ذاتي يوفر له مستقبلاً قومياً أفضل مما هو عليه الآن ضمن مجموع القوميات والهويات القائمة.

تدرك هذه الدول أن حاجتها المتبادلة أقوى من أيّ شيء آخر. تركيا تحتاج لـ روسيا؛ لأن الأخيرة توفّر لها جزءا مهما من الطاقة، وتصدِّر لها 3 ملايين سائح، فضلاً عن احتضانها ثلاثة آلاف شركة تركية في روسيا. والأخيرة تريد من تركيا أن تؤمن لها الحدّ الجنوبي من البحر الأسود، ومضيق البسفور وبحر مرمرة ومضيق الدردنيل فـ إيجاه، وأن يعوّضها الأتراك عن عقوبات الغربيين.

تركيا تريد من إيران نفطاً وغازاً لتشغيل مصانع السيارات والكيماويات والبلاستيك والمعادن، وإنقاذ 413.724 كم من الطرق البرية. كما لا تريد أن تخسر تبادلاً تجارياً معها يصل إلى ما بين 22 و30 مليار دولار، فضلاً عن الضريبة القومية/ الدينية، التي تبدأ «تركياً» من آذربيجان (الشرقية والغربية) وأردبيل وتبريز وزنجان وقزوين، و»إيرانياً» بالتأثير على 26.3 في المئة من الأتراك بينهم شيعة وعلويون.

إيران تريد من تركيا أن تبيع لها النفط والغاز إلى وسط أوروبا، وأن تبقى البنوك التركية، رئة يتنفس منها الاقتصاد الإيراني، وأن يقوم النظام المالي التركي بمساعدة النظام المالي الإيراني، ويقدّم له طرق عبور بنكية آمنة، باتجاه المصارف، ودفع مستحقات بيع وشراء إيرانية متبادلة في أوروبا وآسيا وإفريقيا، فضلاً عن مساعدتها في الوصول إلى المضايق المائية في جنوب البحر الأسود.

هذه المصالح للدول الثلاث لم تجعلها في يوم من الأيام في حالة صِدَام أو قطيعة، ما خلا الخلاف الروسي التركي (وليس القطيعة) بشأن إسقاط طائرة سوخوي الروسية، والذي لم يستمر أزيد من 10 شهور. فعلى رغم أن الإيرانيين والروس من جهة والأتراك من جهة أخرى كانوا يخوضون حرباً غير مباشرة ضد بعضهم في سورية، إلاّ أن التواصل لم ينقطع مطلقاً بين هذه الدول وفي أحلك الظروف.

ومن بين تلك التفاصيل داخل تلك المصالح يظهر لنا حقيقة وطبيعة ما يجري في سورية وحولها من قِبَل الأتراك والإيرانيين والروس وإلى أين يسير؟. وبالتدقيق في «إعلان موسكو» الأخير الذي كان قد دعا إليه الإيرانيون، يقرأ المتابع حساسية اللقاءات وما تمخض عنها وهي التي انطوت على مناقشات معلنة ثلاثية الأبعاد: سياسية واستخباراتية وعسكرية، وأخرى مضمرة بشأن الاقتصاد بحضور الوزراء المعنيين من الدول الثلاث.

تلك المناقشات راعت الحدود الفاصلة بين مصالح تلك الدول بشكل دقيق، إلى الحدّ الذي أعلن فيه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن خبراء من الدول المجتمعة عملت على صياغة نص «إعلان موسكو» بشأن الخطوات العامة والتفصيلية لدفع التسوية السورية، واستغرق وقتاً حتى نضج.

ففي الوقت الذي أكّد فيه الإعلان «استحالة الخيار العسكري» أكّد على «حل الازمة السورية بناء على القرار رقم 2254 لمجلس الأمن الدولي». وفي الوقت الذي أشار إلى ضرورة «فصل الإرهابيين عن المعارضين» أكّد على «سيادة واستقلال ووحدة وسلامة أراضي الجمهورية العربية السورية باعتبارها دولة متعددة الأعراق والديانات، غير طائفية ودولة ديمقراطية» بحسب النص.

هذا جزء من صورة سورية القادمة والدول المؤثرة في مستقبلها والذي ستكشفه الأيام المقبلة بشكل أكثر وضوحاً.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5222 - الجمعة 23 ديسمبر 2016م الموافق 23 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 6:45 ص

      روسيا تفصل وايران وتركيا وسوريا يلبسون هذا لاينطبق على هذه الدول او على اثنتين ايران وسوريا يفصلون ويلبسون بأنفسهم انما هذا ينطبق على العرب فامريكا تفصل لهم وهم يلبسون وان لم يلبسوا طاروا بل نعلمك حتى بريطانيا وفرنسا تلبسان ماتفصله أمريكا هذا عمى سياسي فلابد من الاستقلال عن أمريكا لا الاتباع الاعمى لها واذا تم ونفذ هذا كانت الحرية والاستقلال

    • زائر 10 | 12:33 ص

      أرى بعض تعليقات المنكوين والمنكوبين بحالة النصر على الارهاب في حلب جعلتهم يتدخلون في كل مقال وكل كلمة يحاولون تعويض خسائر الارهاب على الأرض ليجعلوا منها نصرا على الورق

    • زائر 9 | 12:26 ص

      ردا على رقم 6 أأنت تحلّل وهذه عقليتك ومستوى تفكيرك ؟ لا حاجت للناس في تحليل حاقد لذلك نقطنا بسكاتك

    • زائر 8 | 12:25 ص

      الروس والترك والفرس يتفاهمون حول أرض عربية والعرب ماليهم كلمة ، من سخرية القدر ونكت الدهر

    • زائر 7 | 10:41 م

      أهداف بوتين في سورية لا تختلف عن أهداف نابليون أو لورد كرومر في مصر و لا جورج بوش في العراق، أهداف استعمارية غربية صليبية و كل من يقف مع بوتين خائن للإسلام و المسلمين.

    • زائر 6 | 10:37 م

      لا أعتقد بعد هزيمة أمريكا في العراق و أفغانستان سيطول المقام بروسيا في سوريا.
      إذا كانت أمريكا بكل عتادها و عددها و خبرائها و تقنيتها المتطورة و مراكز أبحاثها و اقتصادها (المزدهر في ذلك الوقت 8 أضعاف روسيا) و إنفاقها العسكري الهائل (7 أضعاف روسيا على الأقل) فشلت في السيطرة على العراق، فما بالك بروسيا التي تعتمد على النفط و الغاز بشكل أساسي و اقتصادها أقل من ايطاليا (دولة أروبية هامشية) .. هي معجزة إن حصلت ... لن أنساق لتحليل المطبلين لروسيا.

    • زائر 5 | 10:18 م

      روسيا تفصل و تركيا و ايران و بشار يلبسون، لا مؤتمر و لا خرابيط.

    • زائر 4 | 10:03 م

      الغرام و الغزل الدائر بين بوتين و ترامب لن يكون إلا على حساب ايران. ترامب سيمنح سورية بالكامل لروسيا، مقابل إخراج ايران منها. هكذا يتحقق أمن اسرائيل (الذي هو أولوية لأمريكا) و يعاد دمج نظام بشار في النظام العالمي.
      نظام روسي علماني مع نظام سوري علماني، أفضل من نظام ديني طائفي ايراني مع نظام علماني سوري.
      هنا يتم اختبار قدرات روسيا، هل تستطيع النجاح فيما فشلت فيه أمريكا في العراق؟ هل تستطيع هزيمة التنظيمات الجهادية، هذا سيكون اختبار روسيا.

    • زائر 13 زائر 4 | 3:54 ص

      تدخل روسيا أغلق باب الحرب الطائفية التي كانت ستندلع بسبب إيران، كان المرحوم حافظ الأسد يجيد التعامل مع إيران والعرب في آن واحد وكان يدعم حركة أمل أساساً قبل تمرد حزب الله وشنه حرب على حركة أمل في انتهى باتفاق على أن يتولى حزب الله (المدعوم من إيران)الجانب العسكري بشكل رئيسي وحركة أمل (المدعومة من سورية) تتولى الجانب السياسي بشكل رئيسي. أما الرئيس بشار الأسد غض الطرف عن جانب الأيدلوجي طالما السلاح موجه نحو إسرائيل وهو ما أدى إلى انقلاب وخيانة حماس الإخونجية التي لازالت إيران المنافقة تدعمها.

    • زائر 3 | 9:56 م

      ايران و تركيا أكبر الخاسرين في سورية، روسيا لم تدخل سورية حتى تتقاسمها مع أحد.
      تركيا وقفت مع المعارضة السورية - تحت ذرائع مذهبية و إنسانية - و ها هي اليوم تنقلب عليهم خوفا من روسيا.
      ايران دخلت سورية أولا تحت ذريعة حماية حلف الممانعة و خطوط امداد حزب الله، هذا الكلام لم يعد ينفع هذه الأيام، فروسيا ليست معنية على الإطلاق لا بقضية فلسطينية و لا ممانعة و لا اسرائيل. إذا كلا النموذجين التركي و الإيراني تم ضربهما، التركي الإخونجي انقلب، و الإيراني كشف عن وجهه الطائفي فقط ليكون جندي تحت امرة روسيا.

    • زائر 2 | 9:43 م

      كبف يكون او ماذا تعني ضريبه القوميه الدينيه للاتراك من اذربايجان الى قزوين

    • زائر 1 | 8:58 م

      سيد محمد تحليلك منطقي عن مصالح الدول الثلاث مع بعضها البعض ولكن ينقصه أن تخبرنا ماهي مصالح إيران في سوريا فتركياا جاره لسوريا وكما قلت تخاف من الاكراد ومصالح روسيا معروفه ومفهومه ولكن هل مصالح إيران أن تتدخل في سوريا بحجة الحفاظ على مرقد السيده زينب....أم غير ذلك.

اقرأ ايضاً