العدد 5232 - الإثنين 02 يناير 2017م الموافق 04 ربيع الثاني 1438هـ

المسيحيون والمسلمون... أفراح وأحزان

رضي السماك

كاتب بحريني

قبل نحو 15 عاماً تقريباً عُهد إلى وزير العمل والشئون الاجتماعية الأسبق عبدالنبي الشعلة إجراء الترتيبات اللازمة لاستضافة البحرين الدورة العاشرة لمؤتمر الحوار المسيحي - الإسلامي، وقد شكّل لهذا الغرض لجنة تحضيرية ضمت شخصيات إدارية عليا من داخل الدولة، وبعض رجال الدين وشخصيات عامة أخرى كان من بينها مواطنون مسيحيون، وكُنت من بين من وقع عليهم الاختيار لعضوية اللجنة، وكالعادة فقد اختتم المؤتمر دورته، كسائر دوراته التسع السابقة، ببيان جميل يؤكد فيه على أهمية الوحدة الإسلامية - المسيحية انطلاقاً من المشتركات الكثيرة بين الديانتين، والحاجة إلى رص الصفوف، ونبذ التفرقة بين أتباع الديانتين، باعتبار مكونيهما جزءاً لا يتجزأ من النسيج الوطني في عدد من البلدان العربية والاسلامية ، في حين تبقى توصيات هذه المؤتمرات حبراً على ورق لا ترجمة لها على أرض الواقع الذي يعج بدسائس وأفعال مُدبرة تعكر صفو العلاقة بين أتباع الديانتين؛ لكن أجمل ما استفدت منه شخصياً من تلك التجربة تعرفي على أحد الإخوة الأعضاء المسيحيين البحرينيين في اللجنة التحضيرية، والمعروف بدماثة خُلقه وعشقه الجم لوطنه ولشعبه البحريني بمختلف انتماءاتهم، وظلت اتصالاتنا ولقاءاتنا مستمرة منذ ذلك العام، وكان يحرص دوماً على الاتصال بي بصفة منتظمة، لتهنئتي في أعيادنا الإسلامية وتعظيم الأجر لي في إجازة «عاشوراء « الرسمية، على رغم سهوي أحياناً عن تهنئته من جانبي في المناسبات المسيحية.

وقبل أيام قليلة من عيد الميلاد الأخير، بعث لي بفيديو ينطوي على مغزى جميل يعكس ما تبذله شخصيات ومؤسسات على كلا الجانبين من جهود لتوطيد أواصر العلاقة بين أتباع الديانتين الإسلامية والمسيحية، والتي تكتسب أهميتها بما تمر به من أجواء غير صحية بفعل دور «التكفيريين» مسلحين وغير مسلحين والمستفيدين من بث النعرات الطائفية على رغم أنها لطالما ظلت هاجعة طوال تاريخنا العربي - الإسلامي، حيثما أمِنت شرور ومكائد تجار السياسة والدين.

الفيديو المُرسل كان بعنوان عريض: «هكذا روح الميلاد... بمحبة وتناغم رتلت عبير رحمة في كنيسة مار الياس القنطاري برفقة جوقة من صبايا مؤسسات الإمام الصدر»، ومذيّل بعبارة امتنان: «الشكر لعبير وللسيدة رباب الصدر وللسيد انطوان أزعور لتمويله هذا الحدث الوطني بامتياز. أعاده الله على لبنان بالسلام والمحبة»، وتظهر في الفيديو طالبات صبايا مسلمات مُحجبات يرددن ترانيم في الكنيسة المذكورة. على أن لبنان يتفرد بين البلدان العربية بكونه أحوجها على الدوام لمثل هذه المبادرات الوحدوية بالنظر ليس لموقع المسيحيين وثقلهم في الدولة والمجتمع والحياة السياسية العامة فحسب؛ بل ولأن «الطائفية السياسية « فيه مُقحمة في أتون صراعاته السياسية والاجتماعية منذ استقلاله قبل أكثر من 70 عاماً، بينما البلدان العربية ذات المكونات الإسلامية ذات النسبة الأعلى في تركيبتها السكانية من نسبة المكوّن المسيحي والتي ما برحت تعاني من «صراعات» مذهبية هي في حاجة ملحة لاستعادة اللحمة الداخلية الإسلامية المفقودة فيما بينها، قبل أي مبادرات تعبّر من خلالها عن مد روح التسامح والمحبة نحو المكون المسيحي، وبخاصة البلدان التي لا تكاد تُذكر نسبة هذا المكون المتدنية للغاية في النسيج الاجتماعي للوطن، بل ولا يعكر صفو العلاقة بينها وبين بقية المكونات الإسلامية الكبيرة مجتمعة أية شائبة.

ولعل ما يُميز أفراح المسيحيين العرب بعيد الميلاد هذا العام في بعض الدول العربية أنها جاءت بالضبط بعد أيام قليلة من طرد تنظيم «داعش» من بعض مدنها التي وقعت تحت هيمنته الإرهابية طوال بضع سنوات، كما في العراق أو بالشراكة مع مجموعات مسلحة إرهابية أخرى، كما في سورية، وذلك بعدما ذاقوا أشد أشكال الويلات والتنكيل تحت تلك المجموعات وعلى الأخص تنظيم «داعش»، ومن ذلك القتل الذبح والحرق وسبي واغتصاب نسائهم وحرق وتدمير كنائسهم، لكن وبموازاة هذه الأفراح اليتيمة ارتكب «التنظيم» نفسه مجزرتين بشعتين راح ضحيتهما العشرات من الأبرياء، الأولى وقعت في الكنيسة البطرسية بالقاهرة على يد انتحاري، والثانية في وقعت برلين والتي تعمّد بطلها التونسي أن «يدوس» (وهذه المفردة بالمناسبة أصح لغوياً من «دعس» الشائعة في معظم صحافتنا العربية) بشاحنته مجموعة من المتسوقين في أحد الأسواق الخاصة ببيع لوازم أعياد الميلاد في برلين.

والحال لو أمعنَّا النظر جيداً في أعداد القتلى الذين استهدفهم «داعش» على الهُوية المذهبية والطائفية من المسلمين والعرب، مسيحيين ومسلمين، لوجدناها أضعاف الأضعاف من أعداد المسيحيين الغربيين والأجانب، وبخاصة في العراق، هذا بخلاف أتباع الديانات الأخرى على رغم محاولة تصويرالدوائر ووسائل الإعلام الغربية الأمر لشعوبها تصويراً عنصرياً بأن الإرهاب الذي يستهدفهم مصدره العرب والمسلمين برمتهم، وما «داعش» إلا نتاج تربيتهم باعتبارهم يعتنقون ديناً يحض على العنف والإرهاب ضد المسيحيين، الأمر الذي يستلزم معه أن يعي الجميع من أتباع كلتا الملتين، إن لم يكن في العالم فعلى الأقل في منطقتنا العربية والذين تمازجت دماؤهم في العمليات الإرهابية، أهمية التوحد لمجابهة العدو المشترك، وهذه المسئولية إنما تقع بالدرجة الأولى على عاتق القيادات الدينية أو السياسية المعتدلة والعقلانية في الجانب الإسلامي كونه المعني بصد المحاولات التي تستهدف وغر صدور المسلمين على أشقائهم المسيحيين، بينما كلا الطرفين بات في دائرة الاستهداف من قِبل الغول الإرهابي.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 5232 - الإثنين 02 يناير 2017م الموافق 04 ربيع الثاني 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً