العدد 5252 - الأحد 22 يناير 2017م الموافق 24 ربيع الثاني 1438هـ

واقعٌ حزين

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الفترة التي نمرُّ بها أعادت الكثيرين سنوات إلى الوراء، في وقتٍ كان لدينا بصيص أملٍ بأن نتقدّم ولو خطوةً واحدةً قصيرةً إلى الأمام.

أجواء الشد والتوتر تترك آثارها على نفوس البشر، وأوضاعهم الاجتماعية، ولأول مرةٍ منذ سنوات، تعود مظاهر الاحتقان مجدّداً، وترتفع في الأجواء روائح مسيلات الدموع، بعد فترة هدوءٍ وسكينةٍ استمرت لفترة طويلة.

هذه الأجواء تنعكس على مواقع التواصل الاجتماعي، فتلحظ بسهولةٍ ما يعيشه الشارع البحريني من اختلاف عميق حول القضايا المتعلقة بالشأن العام، بما يعطي انطباعاً بأنه أصبح بحرينين وليس بحريناً واحداً. ويمكنك أن تلمس هذا الفرق فيما يطرح من (هاشتاقات) متباينة إلى حد التناقض، تؤكّد وجود خلافات حادة في النظر إلى مشاكلنا وقضايانا وهمومنا التي يفترض أن تكون مشتركة.

الخلاف والاختلاف يمكن قبولهما بطبيعة الحال، فهذه سنّة الحياة، فلم يخلقنا الله نسخاً كربونية متطابقة، ولكن غير الطبيعي، والمخالف للمنطق والعقل، أن تسود لغةٌ بذيئةٌ في التراشق الكلامي، وترتفع شعارات ذات طابع عنصري وليس فقط طائفيّاً، ولا يرتدع البعض عن نشر خطابٍ يدل على روحٍ جاهليةٍ جرى تأصيلها في الظلام لسنواتٍ، في ظل غيابٍ من الوعي والضمير. وهو خطابٌ يعكس ترسّخ قيم الثأر والتشفّي بأصحاب المصائب، بينما المطلوب أن يترفّع الإنسان عن هذه السلوكيات التي كانت سائدةً أيام الجاهلية، وحاربها الإسلام الذي جاء ليعلّم أتباعه مكارم الأخلاق.

هذا الخطاب غير الوطني لم يكن يُنشر تحت أسماء وهمية مستعارة فحسب، وإنّما بات يجاهر بطرحه أشخاصٌ معروفون في حساباتهم الرسمية. والأسوأ من ذلك كله، أن بعض هؤلاء يعملون في مجالات تعنى بالشأن العام، حيث يهللون للغة تكشف عن نفوس سادية مريضة، بينما يفترض أن يكونوا في طليعة من يبشّرون بقيم إنسانية، وإشاعة روح الأخوة والسلام. لكن يا لخيبتهم، حيث أصبحوا كما قال السيد المسيح (ع) لتلاميذه: «أنتم ملح الأرض، فإذا فسد الملح فبماذا يُملّح؟».

يجب أن نسلّم بأننا مختلفون في الكثير من القضايا والأمور، وفي نظرتنا للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وفي رؤيتنا لطرق الحل والإصلاح والخروج من الأزمة التي نتخبط فيها منذ سنوات. لكن أن ينحدر تعاملنا مع بعضنا بعضاً إلى هذه المقاربة العنصرية البغيضة، فهذا دليلٌ على تردٍّ حضاري، وانحدار أخلاقي أولاً وأخيراً.

إننا نعيش اليوم في أزمة حقيقية، لا يمكن المكابرة بإنكارها، وما لا تعترف بوجوده في السياسة، ستصطدم بنتائجه حتماً في الاقتصاد، ففي مرحلة انهيار أسعار النفط، لم يعد ممكناً التغطية على الحقائق، وخصوصاً بعد رفع الدعم عن عددٍ من السلع الأساسية، والتوسّع الكبير في فرض الضرائب، في بلدٍ تعاني نسبة كبيرة من سكّانه من تدنّي مستوى الرواتب، ويعاني خرّيجوه الجدد من البطالة، في وقتٍ يذهب 80 في المئة من فرص العمل التي يولّدها الاقتصاد إلى العمالة الأجنبية.

هذا الواقع ينعكس على مواقع التواصل الاجتماعي، والفئات التي كانت تُؤثر السلامة وتتطلع إلى الاستئثار بالمكاسب، وجدت نفسها أمام منحدرٍ يهدّد بتآكل قدرتها الشرائية، وإيقاف الزيادة السنوية، حتى أصبحت هذه العبارة من أكثر (الهاشتاقات) انتشاراً خلال الأسبوع الماضي.

وأنا أتأمل وقائع هذا الواقع الحزين، بما شهده من حالة تشظٍّ وانقسام، تذكّرت الصورة التي رسمها الإمام علي (ع) لما كان يراه انحداراً نحو الهاوية قائلاً: «حتى يقوم الباكيان يبكيان... باكٍ يبكي لدينه، وباكٍ يبكي لدنياه». حفظ الله البحرين وخفّف عليها آلام المخاض.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5252 - الأحد 22 يناير 2017م الموافق 24 ربيع الثاني 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 3:27 ص

      الفرقة والتجارب عانة منه الشعوب الأوربية بين مذاهب الديانة المسيحية إلى أن جعلوا المواطنة الجامعة وشتركوا في العمل السياسي في أحزاب مدنية تجمع شعوبهم وجعلوا مذاهبهم بعيدة عن السياسة فهل نقدي من من أسس الديمقراطية أو مخترع ديمقراطية طائفية تفرقنا

    • زائر 14 | 3:00 ص

      من بعد مجزرة يوم الاحد كنا امه وهم امه هذا شعور ابناء طائفتي والحمد لله خلنا چذي لاحنا نحبهم وبين معدنهم فينا

    • زائر 13 | 2:33 ص

      نحن قوم نبرز اللزقه قبلل اللفلعه نبرز روحنا لان احنا واهمون الخوف والشك والريبه من بعضنا البعض افهموها وهي طايره

    • زائر 12 | 1:24 ص

      لماذا الخوف لديهم من فلان دوله او علان مادام الله موجود والخير موجود الم يقرؤا الصلح والسللم يجلب الخير لجميع المسلمين عامه انظروا ماذا نعاني على شفا حفره من الفقر بسبب الحروب المدمره للانسان

    • زائر 11 | 1:03 ص

      أعتقد منذ ٢٠١١ وحالنا في ازدياد،يعني المسيلات ما انقطعنا عن شمها وهي اقل الاشياء

    • زائر 10 | 12:45 ص

      خطاب السبّ والشتم وبذاءة اللسان اصبحت هي السائدة والتخوين حتى ممن يحسبون على كتّاب الصحف ،
      وطبعا الباب مفتوح وهناك من يدفع المال للنيل من بعض الطوائف فقط لأن هذه الطائفة تطالب بحقوقها تلقى شتى انواع الشتائم والسباب والتخوين والعمالة حتى وان كان ما تطالب به يصبّ في المصلحة العامّة

    • زائر 8 | 12:22 ص

      أقتباس .. حفظ الله البحرين وخفف عليها آلام المخاض .. البحرين مثلها مثل أي امرأة وصلت لسن اليأس فى 2011 فاللآلام التى تشعر بها البحرين اليوم ليست آلام المخاض ولكنها آلام سن اليأس فهي تشعر بالصداع النصفي بسبب بعض أبنائها كما انها تشعر بأحتقان وألم فى ثدييها وهى التى أرضعت الطائفتين الكريمتين سنين طويلة بكل حب وحنان .. فإذا كان الألم في جانب واحد من الثديين فينصح بإجراء فحص لنفي وجود سرطان الثدي .. في كل حال يوصى بأزالة الثدي المصابة بالسرطان من الجسم فورا؟!! .. والله يقوم البحرين بالسلامة.

    • زائر 7 | 12:08 ص

      ماتحتاجه البحرين لحلحلة هذه الازمة والشقاق بين افراد المجتمع ليس حلاً يمكن تلخيصه في خطوات بسيطة وذاك بسبب ما انتجته جميع السياسات الخاطئة المنتهجة في البلاد. فالحلول المرجاة للحلحلة هذه الازمة والشقاق حلول جذرية لن ولم تأتي ثمارها مادام التغيير الجدي غير موجود أساساً

    • زائر 6 | 11:57 م

      واقع حزين نعم أصبحنا شعبين تركنا المواطنة الجامعة ولجانا لتياراتنا المذهبية المخوفة لبعض

    • زائر 5 | 10:52 م

      سلمت أناملكم سيد حقا توصيف رائع

    • زائر 3 | 10:21 م

      يعطيك الله العافية

    • زائر 2 | 10:00 م

      حقا سيدنا واقع حزين ومخزي ( نحنو - وأنتم )
      الكل يغرد ولا من حسيب او رقيب ( فرق - تسد )

    • زائر 1 | 9:25 م

      إقحام المذاهب في السياسة لابد أن يفترق الشعب بسبب هذا وتضيع الثقة بين أفراده هذا ليس في البحرين فقط هذه الفتنة في المنطقة

اقرأ ايضاً