العدد 5257 - الجمعة 27 يناير 2017م الموافق 29 ربيع الثاني 1438هـ

 الخميني وصديق الشاه

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ربما قليلون سمعوا بالجنرال حسين فردوست. هذا العسكري الذي كان صديقاً مقرباً للشاه محمد رضا بهلوي، وزميلاً له أثناء الدراسة الأساسية من عظام رقبة العرش الشاهنشاهي، منذ أربعينيات القرن الماضي وحتى انهياره. فهو نجل رجل كان قريباً من قصر رضا شاه الأب.

وعندما بلغ فردوست عُمْر سبع سنوات، أي بالتحديد في العام 1925، ولأنه نجل أحد ندماء القصر، ولُوحِظت نباهته في المدرسة؛ انتجبه البلاط الذي كان في سنته الأولى بعد إنشاء الدولة البهلوية، كي يكون صديقاً للشاه محمد رضا، الذي كان حينها لا يزيد عمره على الست سنوات.

استمرّت وتوثقت العلاقة بينهما، وتوثقت معها العلاقة ما بين أسرة بهلوي «الملكية» وفردوست «العسكرية». وعندما قرر رضا بهلوي الأب أن يبعث ابنه محمد رضا إلى سويسرا عام 1931، كان القرار قد شمل صديقه حسين فردوست، حيث بَقيا هناك 5 سنوات، وعادا معاً إلى طهران.

بعد مجيئهما من سويسرا بخمس سنوات اضطربت أحوال الشرق الأوسط، ومن بينها إيران، حيث دخلت قوات الحلفاء الأراضي الإيرانية، وتقرَّر أن يُنفَى رضا خان إلى الخارج؛ بسبب تحالفه مع النازيين الألمان، ليُختَار نجله محمد رضا ملكاً على العرش ومسئولاً عن القوات المسلحة بشكل مباشر.

كان فردوست يبلغ من العمر في تلك الفترة 23 عاماً عندما عيَّنه الشاه في أول لجنة عسكرية لدراسة شئون إيران مع الحلفاء. ثم اختِيرَ كحلقة اتصال ما بين البريطانيين والشاه. كان فردوست قد اضطلع خلال تلك الفترة بإدارة مكتب الشاه وحمايته وقصوره وتأسيس قوات الحرس الملكي.

لكن دور فردوست الأساسي في تاريخ إيران البهلوية بدأ فعلياً بعد تمثيله الشاه خلال أزمة تأميم النفط وانقلاب العام 1953 على محمد مصدَّق، حيث أوكِلَت له تالياً تأسيس أقوى جهاز أمني عرفه التاريخ الإيراني الحديث وهو السافاك، ثم جهاز السافاما المعني بمراقبة قيادات الدولة والمجتمع.

وظلّ هذا الجنرال في أدق مواقع النظام الشاهنشاهي حساسية. وخلال حقبة السبعينيات وتحديداً في نصفها الثاني، وعند اشتداد المعارضة للشاه، كان الجنرال مدركاً حقيقة الوضع القائم في الداخل الإيراني، ولعمل جهاز السافاك، وأن الأوضاع بدأت في الانفلات من يد القصر والسافاك.

كان هذه الجهاز الأمني يضم 5000 آلاف موظف رسمي، يسانده مئات الآلاف من المصادر السرية المتوزعة على مختلف شرائح المجتمع الإيراني ومؤسساته. وخلال تصاعد وتيرة المظاهرات تسرَّبت أغلب تلك المصادر؛ إما خوفاً أو انحيازاً للشارع، وهو ما جعل الجهاز بعيداً عن الحقائق على الأرض.

في آخر يوم من عمل حكومة شهبور بختيار كان فردوست أحد كبار الضباط الذين اجتمعوا لتقييم الموقف. كان رأيهم بالإجماع أن الجيش يجب أن يقف على الحياد، وأن يمتنع عن إطلاق النار على المتظاهرين. وكان ذلك القرار بمثابة القشة التي قصمت ظهر ما تبقى من سلطات الحكم البهلوي.

بعد انتصار الثورة كانت الأوضاع مضطربة بشكل كبير. وكان الحاكمون الجدد عبارة عن موزاييك غير متجانس ضمّ الإسلاميين واليساريين والقوميين والليبراليين. وكان قوام الحكم ينهار تدريجياً والقوة (السلاح والمساءلة القضائية) التي يجب أن تكون في يد السلطة باتت تتوزع على تلك القوى غير المنظمة. كان ذلك الوضع يحتاج إلى عملية ضبط أمني صارم، لكن كيف يحصل ذلك؟!

فالحكم جديد، والحاكمون جُدُد لا يملكون مشوار «يوم» في سلطة سابقة. ليس هناك دستور ولا لوائح قضائية واقتصادية تناسب الدولة الجديدة. أما الجيش فهو بدون عقيدة إلاّ العقيدة التي تربى عليها وهي خدمة العرش المنهار! كان الحل الوحيد هو أن تنهض «دولة الثورة» على إرث «دولة الشاه». وكان هذا الخيار يحتاج إلى شخصية مخضرمة، تعرف تفصيلات القوة المتناثرة في الحكم المنهار وفي ذات الوقت مأمونة الجانب تجاه الحكم الجديد.

من ذلك الإرث الذي احتاجه الحكم الثوري الجديد كان الجهاز الأمني المتمثل آنذاك في السافاك. كل الذين كتبوا عن تلك الفترة كانوا يتحدثون عن دورٍ محوري لعبه «صديق» الشاه الأقرب الجنرال حسين فردوست. فهذا الرجل وعلى رغم رقمه في النظام البهلوي، ورتبته العسكرية الكبيرة (كان يحمل رتبة فريق)، إلاّ أنه لم يُعدَم كما هو حال الجنرال نعمة الله نصيري والجنرال ناصر مقدّم وغيرهم، بل أبقِيَ عليه. وربما كان للرجل دور مهم في اجتماع نادي الضباط الذي حُيِّد الجيش بعده.

كان الاعتقاد الذي ساد في تلك الفترة أن فردوست عَقَدَ صفقة مع الحكم الجديد. أن يمنحه كل ما لديه من خبرات ومعلومات ومساقات عمل المراقبة في سبيل العفو عنه وعن أضلاع أساسية في السافاك. كانت تلك هي الصفقة التي عُقِدَت بشكل سري، دون أن يُكشَف عن دور الجنرال فردوست بشكل علني في المشهد، بل قيل بأنه توارى عن الأنظار طيلة 5 أعوام ما بعد الثورة.

كان فردوست مقتنع بأنه القوى اليسارية بعد الثورة تريد الإجهاز على السافاك حتى بعد أن حلّه شهبور بختيار. ولأن فردوست كان رئيساً لما سُمِّي بالمكتب الثامن أيام الشاه، والمعني بمكافحة التجسس، وتحديداً ضد الاتحاد السوفياتي فقد كان بحوزته معلومات هائلة عن القوى الشيوعية في إيران وتشكيلاتها وكوادرها. وهو ما مكَّن الإسلاميين من حسم معركتهم ضد الشيوعيين بالاستعانة بهذا الجنرال بعد أن دَبَّ الخلاف على مفهوم السلطة وتوجهاتها. للحديث صلة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5257 - الجمعة 27 يناير 2017م الموافق 29 ربيع الثاني 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 5:18 ص

      من اين مصدر الكلام الي كتبته

    • زائر 4 | 3:12 ص

      شكرا
      عرض مشوق أستاذي المبدع

    • زائر 3 | 1:44 ص

      شكرا .. موضوع تاريخي مفيد جدا و جميل

    • زائر 1 | 11:02 م

      شكرا على تحليلكم ..هناك فيديو للمرجع السيد محمد صادق الصدر رحمة الله عليه يوكز محمد حمزة الزبيدي احد رموز البعث العراقي بعكازه في صدره حين امره بعدم اقامة صلاة الجمعة اتمنى لو اقرأ لكم مقالا عنه وتحليلكم لهذا الموقف والاشارات التي بعثها السيد بهذا العمل

    • زائر 7 زائر 1 | 6:27 ص

      مقال يستحق القراءه والمتابعه

      بعد طمانيت مصدره ....
      فتبعاته

      مع ثورت الامام الخميني
      وحرب العراق
      اجتياح وتحرير الكويت

اقرأ ايضاً