العدد 5267 - الإثنين 06 فبراير 2017م الموافق 09 جمادى الأولى 1438هـ

«الترامبيون العرب» وتزييف الوعي الشعبي

رضي السماك

كاتب بحريني

لعل هذه المرحلة التاريخية العربية التي نحياها من تاريخنا الحديث منذ بدء الصراعات الدينية والمذهبية والطائفية بين مكونات النسيج الوطني الاجتماعي لكثير من بلداننا العربية هي الأسوأ على مدى قرنين تقريباً، فحتى خلال مرحلة تعرض معظم أقطارنا العربية إلى الاستعمار الأجنبي، لم ينجح هذا الأخير في زرع الشقاق والفتن بين الشعوب التي رزحت أوطانها تحت احتلاله وهيمنته في سياق سياسته العتيدة «فرّق تسد» في الحيلولة دون الإجماع على مكافحته، كما تنجح الأنظمة الشمولية العربية غير الديمقراطية أيما نجاح في ذلك، ولاسيما في أعقاب إجهاض أحلامها الربيعية السلمية في الحرية والكرامة والمساواة والديمقراطية أو بجملة واحدة في «الإصلاح الشامل الحقيقي» .

لقد تمكنت هذه الأنظمة بدرجات متفاوتة من الدهاء أن تدق أسفين بين فئات شعوبها المتضررة من فسادها ونهجها الدكتاتوري المزمن، فمع أن الفساد وزيادة الضرائب والأسعار وثبات الأجور؛ بل خفضها بطرق التفافية، ناهيك عن سياسة تكميم الأفواه، ومصادرة الحريات تطاول أعرض شريحة اجتماعية طبقية من مختلف الطوائف والفئات، إلا أنه تم طمس كل هذا التناقض الأساسي بينها وبين هذه الفئات عبر إحياء وبعث تناقضات دينية - تاريخية ثانوية جرى استحضارها من قبور وكهوف التاريخ بتسييسها، كما لو كنا نعايشها في حاضرنا لتغدو هي التناقض الأساسي، كما جرى ويجري التصدي بقوة لأي محاولة استنهاض نضالات واحتجاجات سلمية مشتركة من أجل الاحتياجات المعيشية والسياسية الإصلاحية الآنية للسواد الأعظم للشعوب، وفي هذا السياق ذاته جرت استثارة مشاعر النعرات الدينية ذات الصبغة المذهبية أو الدينية لدى المواطن العربي البسيط، ولا سيما المنحدر من الطبقات الفقيرة وحتى المتوسطة لتكون المسألة الطائفية هي همه وشاغله الأول اليومي، على حساب أوضاعه المعيشية الآخذة باطراد في التدهور، وعلى حساب انخراطه بسلاحه السلمي المشروع للنضال من أجل «آليات» وسُبل تحسينها ولو نسبياً، وليست هذه الآليات سوى ممارسته لحقوقه الديمقراطية الحقيقية المكفولة دستورياً والتي بدونها لن ينال حقوقه المعيشية والسكنية الأخرى .

وهكذا أضحت قضية المواطن العربي الأساسية كيف يتصدى لخطر أخيه في الوطن الواحد غير المطابق إلى عقيدته أو مفهومه للإسلام الذي هو يراه، وبالطبع فإن المستفيد الأول من كل تلك الصراعات؛ بل والمهندس؛ بل والمخرج الأول لسيناريوهاتها، هي تلك الأنظمة الشمولية العربية ذاتها، موظفةً مؤسساتها الإعلامية والدينية المؤتمرة بأوامرها لهذه الغاية التفتيتية لشعوبها .

في مقال للباحث المصري وحيد عبدالمجيد تحت عنوان «الترامبيون العرب وملامحهم العشرة (المنشور في صحيفة «الحياة» السعودية، الموافق 20 يناير/ كانون الثاني العام 2017) يحدد الكاتب عشرة ملامح لمن يسميهم «الترامبيون العرب» المعروفين على حد تعبيره، بمساندتهم أشد الأنظمة الديمقراطية جموداً وانغلاقاً، ومن هذه الملامح العشرة: ميلهم إلى استئصال من يختلف أو يعارض آراءهم، والبراعة في التنافس السياسي على معارك عرقية ودينية ومذهبية، وشيطنة الآخر في غمار هذه المعارك وتسويغ افتراسه، وإرهاب المختلفين والخصوم إلى أبعد مدى، اعتماداً على قذائف وشتائم وبذاءات تُطلق من دون رادع أخلاقي، بمعنى أنهم منبهرون بنجاحهم في تحويل صفحات ساحة الحوار الصحافي المفترضة والعاجزين فيها عن مقارعة الحجة بالحجة إلى حلبة من السباب والقذف الشخصي، بسيل من الأعمدة اليومية طالما المستهدفون يربأون بأنفسهم عن الهبوط إلى هذا المستوى الوضيع من «الضحالة والشطط والعدوانية واللغة الفظة» حسب تعبير الكاتب، هذا فضلاً عن لجوئهم إلى تلفيق روايات تآمرية يلصقونها بخصومهم السياسيين. ولعمري كم هي هذه الملامح العشرة التي اكتفينا باستعراض بعضها لتنطبق على الأنظمة الشمولية غير الديمقراطية وإعلامها وكتّابها.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 5267 - الإثنين 06 فبراير 2017م الموافق 09 جمادى الأولى 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:10 ص

      المشكلة في الترامبيين العرب وكتّابهم أنهم يكذبون الكذبة ومن ثم يصدقونها!

    • زائر 2 | 2:21 ص

      احسنت لتوصيف واقع الإدارة الأمريكية

    • زائر 1 | 11:52 م

      الرئاسة الأمريكية تتحرّك وفق مصالح امريكا والشعارات التي ترفع هي مجرد لدغدغة المشاعر والرئيس طرامب اكبر مثال وأسوأ مثال واقرب مثال فقد انقلب 180 درجة على تصريحاته وشعاراته في الانتخابات لمجرد كم مليارا دخلت في حسابات الحكومة الامريكية .
      ان ادارة طرامب تمثل ابشع انواع الاستغلال الواضح والبيّن

اقرأ ايضاً