العدد 5270 - الخميس 09 فبراير 2017م الموافق 12 جمادى الأولى 1438هـ

بيئتنا... مسئوليتنا

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

الاحتفال بيوم البيئة الوطني مؤشر مهم في السياسات البيئية للدول، ويؤكد المسئولية الاستراتيجية في بناء خريطة الطريق السنوية للعمل البيئي، ويمثل شعار الدول السنوي للاحتفال بيوم البيئة الوطني مؤشراً استراتيجيّاً في اتجاهات العمل البيئي للدولة، إذ يجري وفق اتجاهاتها المنهجية بناء خطط العمل التنفيذي السنوية الموجهة في إنجاز أهداف التنمية المستدامة، والبحرين من الدول التي تحرص على تحديد شعارها السنوي للاحتفال بيوم البيئة الوطني، الذي يجرى تنظيمه في (4 فبراير/ شباط)، وفي إطار الرؤية الاستراتيجية للعمل البيئي يجرى التخطيط لتبني المشاريع والبرامج البيئية المتنوعة في موضوعاتها ومحاورها وأهدافها.

وإدراكاً للأهمية الاستراتيجية للمسئولية في إنجاز أهداف المشروع الوطني لصون معالم النظم البيئية وتنميتها وبناء مقومات استدامتها تبنى المجلس الأعلى للبيئة شعار «بيئتنا... مسئوليتنا) للعام 2017، ويجسد الشعار مُعادلة مُهمَّة تتمثل في تأكيد القيمة الوطنية والاجتماعية للمسئولية في الحفاظ على نقاء وتوازن النظام البيئي باعتبار المسئولية بمختلف معانيها وتجلياتها مطلباً مهمّاً لتحقيق ضمانات الأمن الصحي والبيئي للمجتمع وصون مكونات المعالم البيئية كمصدر مهم للاقتصاد الوطني ومقوم استراتيجي للأمن المعيشي للمجتمع البحريني.

الشعار باعتباره معادلة متداخلة في مكون أهدافه وأبعاد مقاصده، من الطبيعي أن يكون مثيراً للتساؤل ومحط اختلاف في وجهات النظر، إذ يشير في مضمون جوهره الى المسئوليات المؤسسية والاجتماعية والفردية، لذلك ليس غريباً أن تتباين الآراء والمواقف في فهم محددات طبيعة الشعار والاختلاف في فهم أبعاد معانيه ومقاصده الإجرائية والقانونية، وجوانبه الأخلاقية والإنسانية والوطنية أيضاً، كمدخل في تأكيد المسئولية الاجتماعية والواجب الوطني في تعزيز قيمة المبادرات البيئية والعمل الاجتماعي والفردي والشراكة المجتمعية للإصلاح والتغيير البيئي، وقمع مظاهر المخالفات البيئية وتقليم مخالب الجريمة البيئية، لذلك في سياق معالجة أبعاد مضمون جوهر الشعار يطرح البعض سؤالاً يستثني بموجبه المسئولية الاجتماعية في الشأن البيئي، بيدَ أن السؤال يشير أيضاً إلى حقائق غامضة في فهم جوهر المسئولية المؤسسية والقانونية والأخلاقية والوطنية أيضاً في شأن العلاقة مع معالم النظام البيئي التي تؤسس منظومة الضمانات الموجهة إلى صون البيئات الطبيعية وحماية الحق البيئي للأجيال الحالية والمقبلة، إذ يجرى التساؤل: كيف تكون البيئة مسئوليتنا وهناك من يصدر القرارات ويمنح التراخيص المدمرة للبيئة، ويسمح بالدفان والردم وسحب الرمال من قاع البحر؟!

الحقيقة التي ينبغي أن تفهم وتدرك وتؤخذ في الاعتبار عند معالجة المسئولية البيئية أن الضرر الذي تسببه المخالفة البيئية شاملة الأضرار البيئية والاجتماعية، ويرى عدد من المهتمين انه على رغم أن التدهور البيئي الذي تتسببه القرارات غير المدروسة تدخل ضمن مسئوليات الجهات المختصة فإن ذلك ليس مبرراً لعدم تحمل المجتمع المسئولية في الحد من امكانية مُضاعفة المأساة البيئية، كما أن مُعضلة المخالفات البيئية، وظاهرة التعدي على معالم النظام البيئي ليست محصورة في ما يطرحه السؤال سابق الذكر من مُحددات، فهناك الأنشطة الضارة بالبيئة التي يمارسها الأفراد والجماعات كما هو عليه الحال في أنشطة الصيد الجائر ورمي مخلفات القوارب في المياه البحرية، مثل أكياس البلاستك، وعلب زيوت المكائن، والتعمد في رمي مخلفات البناء والمطاعم، ومخلفات مرتادي السواحل من أكياس وعلب بلاستك وغيرها من المخلفات على الشريط الساحلي وفي المياه الساحلية، وذلك يمثل مخالفة صريحة تتسبب في تلويث بيئات السواحل وتشويه مظهرها الجمالي والحضاري، والحقيقة التي ينبغي أن تفهم وتدرك وتؤخذ في الاعتبار أيضاً عند معالجة المسئولية البيئية، أن مسئولية الحد من ظاهرة التعدي على معالم النظام البيئي ليست مرتبطة حصراً بجهة دون أخرى أو بفئة أو بمجموعة محددة في المنظومة المجتمعية، وكذلك بالمسئولية القانونية والمادية بمن يقوم بإحداث الضرر البيئي، أي لا تتوقف مسئولية إزالة الضرر البيئي عند حدود هذا النوع من المخالفة أو تلك، بل هي مسئولية شاملة تتعدى مفاصل محدداتها مسئولية الحد من المخالفة البيئية بمختلف تجلياتها ومصادرها والتي تشمل في مكونها التعدي على معالم النظام البيئي، وما يترتب عليه ذلك من آثار سلبية على الأمن البيئي للمجتمع، هنا تتمثل قيمة المسئولية الاجتماعية في مضمونها الأخلاقي والتطوعي وفي بعدها الشامل لإزالة الضرر البيئي، والتي غدت رُكْناً ركِيْناً في الحد من المخالفات البيئية وصون وتأهيل وتنمية البيئات الطبيعية للنظام البيئي.

الحديث عن المسئولية البيئية يؤكد ضرورة مقاربة الجهد الاجتماعي البيئي كواقع وفعل في بعد مقاصده بمضمون محددات المسئولية الاجتماعية في حماية البيئة وتنميتها، إذ يمثل الجهد الاجتماعي في بعد جوهره نشاطاً لإزالة ضرر بيئي أحدثه طرف آخر ويساهم في تحمل مسئولية إزالته مجموعات العمل الأهلي وذلك أخذاً في الاعتبار أن المخالفة البيئية التي ارتكبها الغير تشمل بأضرارها المجتمع، ويمكن تبين واقع ذلك الجهد المسئول في الرقابة البيئية وحملات تنظيف السواحل التي تنظمها الجماعات الناشطة في المجال البيئي، وذلك ما شهدناه في برامج «جوالة نادي المالكية» و «فريق إثار لحماية الحياة البحرية» وفي النشاط الذي نظمته نهاية العام 2016 «مجموعة دعوا الطبيعة تتكلم» على ساحل باربار، وكذلك في النشاط الذي نظمته في (يناير/ كانون الثاني 2017) مجموعة «نظفوا البحرين-Cleanup Bahrain» على ساحل جد الحاج وذلك الجهد يشير الى الاهمية الاستراتيجية للمسئولية الاجتماعية في إنجاز أهداف الإصلاح والتغيير البيئي.

الباحث التربوي فاضل حبيب في سياق معالجته الأبعاد الإيجابية للمسئولية الاجتماعية في إنجاز أهداف حماية البيئة وتنميتها يشير الى أن «المسئولية الاجتماعية المتمثلة في جهود المجموعات الأهلية هي العين التي تراقب وترصد الحالة البيئية في البلد بمسئولية ووعي وقناعة، بخلاف الموظف الذي يعمل في حدود المسئولية الوظيفية»، ويمكن تبين ذلك في واقع العمل البلدي إذ إنه على رغم وجود الأعضاء البلديين وموظفي البلدية لم نشهد دوراً ملموساً في تغيير الحالة البيئية على السواحل، وذلك يؤكد ضرورة التركيز على المسئولية الاجتماعية في تفعيل الجهد البيئي إذ إنها هي من يحرك المياه الراكدة في الشأن البيئي في البلد وذلك ما لمسناه في الأثر الإيجابي لنشاط مجموعة «نظفوا البحرين-Cleanup Bahrain» على ساحل جد الحاج في تفاعل المؤسسات المختصة في القضايا البلدية مع نشاط المجموعة ومبادرتهم في الاتصال بأعضاء المجموعة وعرض التعاون ودعم مشروعهم، وكذلك في تفاعل المؤسسات الرسمية مع نشاط مجموعة «دعوا الطبيعة تتكلم» على ساحل باربار، وان ذلك الإنجاز يؤكد ضرورة أن تعمل المجموعات الناشطة في الشأن البيئي في تبني برنامج موحد يفضي إلى تنسيق وتوحيد وتكامل ومنهجة الجهود البيئية للمجتمع الأهلي، وهنا يكمن جوهر المسئولية الاجتماعية في الإنجاز البيئي» وفي ذلك تتجسد القناعة بأن البيئة مسئوليتنا المشتركة.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 5270 - الخميس 09 فبراير 2017م الموافق 12 جمادى الأولى 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً