العدد 5271 - الجمعة 10 فبراير 2017م الموافق 13 جمادى الأولى 1438هـ

اختلفوا في وجهات نظركم ولا تختلفوا في ضرورة ترسيخ علاقتكم الإنسانية

سلمان سالم comments [at] alwasatnews.com

نائب برلماني سابق عن كتلة الوفاق

ليس لأحد القدرة في العالم أن يقول للناس لا تختلفوا في وجهات نظركم، لأن الاختلاف في الرأي بين الناس حقيقة إنسانية ثابتة، مادام هناك مشارب ومعتقدات وأيديولوجيات دينية وسياسية واقتصادية متعددة، لا يمكن لأي مجتمع في عالمنا الفسيح أن يدعي أنه ليس فيه اختلافات في وجهات النظر بين فئاته ومكوناته وشرائحه وكياناته، الصغيرة والكبيرة، فلو تمنى أي مجتمع أن يكون خالياً من الاختلافات في وجهات النظر، سينعت تمنّيه بالخيال الذي يستحيل تحقيقه على الواقع.

بين أفراد الأسرة الواحدة نجد اختلافاً في الرؤى والأفكار، وفي داخل الكيانات الاجتماعية والخيرية والدينية والسياسية والاقتصادية والعلمية والأدبية والثقافية والفكرية نجد اختلافات في الرؤى وفي آليات وأساليب العمل، في أوساط الانتماءات الطائفية والمذهبية والعرقية نجد ختلافات كبيرة في الرؤى، في داخل البلدان الكبيرة والصغيرة نجد اختلافات في الرؤى لا تقف إلى حد معين.

فالمجتمعات التي تحاول أن تظهر للعالم أن مكوناتها وأفرادها وجماعاتها متفقة في رؤاها ورسالتها وأهدافها في كل مناحيها، السياسية والاقتصادية والتعليمية والصحية، يقال لها إنها تبالغ كثيراً في ادعائها؛لأن المجتمعات التي ليس في داخلها اختلافات في الرؤى يستحيل وجودها في العالم. في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والبلدية، التي تجرى في مختلف الدول الديمقراطية وغير الديمقراطية، والانتخابات التي تجريها المؤسسات الدينية والخيرية والثقافية والتعليمية والصحية والنقابية أو أية مؤسسات أخرى، لم نرَ ولم نسمع أن مرشحاً قد نال أصوات الناخبين جميعها، قد نرى مرشحاً حصل على أكثر الأصوات ولكن ليس جميعها، فلهذا نجد المجتمع يسخر من أي مرشح يدعي أنه حصل على 99.99 في المئة من أصوات الناخبين الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات، لا أحد يستطيع نفي أن هناك نسب متباينة بين مختلف المرشحين المشاركين في أية انتخابات، وكذلك لا أحد يستطيع تأكيد أن في هذا المجتمع أو ذاك يجمعون 100 في المئة على رأي واحد، فإذن كان الاختلاف في الرؤى حقيقة أصيلة في الإنسان ولا يمكن تغييرها أو إزالتها من واقعه العملي، في كل الأحوال والظروف.

فكثير من الناس يحملون في داخلهم أفكاراً ورؤى تختلف بنسب متفاوتة عن الوسط الذي يعيشون فيه، ولكنهم تراهم يحبسونها في داخلهم ولا يبوحون بها في أوساطهم الاجتماعية والثقافية لاعتبارات مختلفة، يرون أنهم لو أظهروا رؤاهم وأفكارهم وما يدور في خلجاتهم، قد تسبب لهم مضرة كبيرة على واقعهم في كل جوانبه، الاجتماعي والاقتصادي والإنساني على سبيل المثال، وقد ينعت بنعوت ما أنزل الله بها من سلطان. ومن غير الطبيعي أن نعتبر التعبير عن الرأي في مختلف الشئون، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتربوية والتعليمية من الحالات الشاذة وغير المقبولة لدينا، الطبيعي والمناسب لعصرنا الحاضر أن نستوعب جيداً ونتقبل اختلاف الرؤى والأفكار والتعبير عنها بصوت عالٍ، لما فيها من فائدة كبرى على المجتمع في نواحيه المتعددة.

فالإسلام العظيم حثَّ على التنافس في طرح الأفكار والرؤى والتعبير عنها بكل وضوح من دون خوف ولا وجل، وكان يعتبر من يطرح أفكاره البناءة في كل المجالات أنموذجاً راقياً في الإخلاص لبلده، ولم يعامل بأنه شر على بلده ومجتمعه. العبارة التي تتردد على ألسن الكثيرين في مجتمعاتنا العربية خاصة، الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، قد البعض لا يعرف من قائلها، ولا متى قيلت؟ ولا المناسبة التي قيلت فيها؟ والكثيرون يعرفون أن قائلها هو الأستاذ الدكتور أحمد لطفي السيد، مفكر وفيلسوف مصري، قيل إنه رائد في حركة النهضة والتنوير في مصر، وصفه الأديب عباس العقاد، بأنه بحق أفلاطون الأدب العربي، كان أول رئيس لجامعة القاهرة ووزيراً للمعارف ووزيراً للداخلية ورئيس مجمع اللغة العربية، وقال هذه العبارة ليؤكد أن لكل شخص رأياً ووجهة نظر خاصة به تختلف من شخص لآخر، وعلى كل إنسان أن يحترم كل وجهات النظر الموجودة، وعدم التشدد برأيه، ومن هنا أتت فكرة الرأي والرأي الآخر، وللأسف لم يأخذ البعض بهذه الفكرة ولم يعمل بعبارة الفيلسوف لطفي السيد في ممارساتهم العملية، وأخذوا يعملون بخلافها تماماً.

فلم يكتفوا بعدم السماح بتنوع وجهات النظر؛ بل قاموا بقطع علاقاتهم الإنسانية والاقتصادية بمن يختلفون معهم في الرأي، وتعاملوا معهم وكأنهم من ألد الأعداء لهم، على رغم أنهم يعلمون الحقيقة، أن من يختلفون معهم في الرأي في مسألة معينة، إنما يريدون الخير والنماء لهم في كل الاتجاهات. رحم الله الإمام الشافعي حيث قال: «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»، فكل ما نأمله أن يعي كل صاحب رأي في أية قضية ألَّا يجعل رأيه دائماً هو الرأي الصواب، ورأي غيره دائماً خطأ، مادام الإنسان يؤمن أنه غير معصوم من الخطأ، فاحتمال أن يكون رأيه صواباً أو خطأ وراد في كل المجالات والقضايا التي يطرحها.

فإذا كان كذلك، لماذا تحدث بيننا القطيعة بمجرد أننا نختلف في وجهات النظر؟ أليس ما يحدث بيننا من خصام وتباعد نفسي واجتماعي في حال الاختلاف في الرأي يثير الاستغراب؟ نحتاج أن نقف لحظة تأمل في واقعنا بكل أبعاده، ونسأل أنفسنا، متى سنكون واقعيين في تعاملنا مع الآراء التي تختلف مع آرائنا؟ لكي نستفيد منها في تعديل وتصحيح أوضاعنا وأحوالنا وعلاقتنا الانسانية والاجتماعية والاقتصادية، وغيرها من العلاقات ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة باختلافاتنا في وجهات النظر.

فالحياة الإنسانية والعلاقات الإنسانية لن تستقر بين مختلف الأطراف والفئات في المجتمع، إلا بعد قبولهم الواقعي بمفهوم الاختلاف في الرأي، والبعد تماماً عن محاكمة النيات التي لا يعلمها إلا الله جلت عظمته، فإن التكامل الإنساني والاجتماعي لا يأتيان إلا بالإيمان الكامل بإيجابيات الاختلاف في الرؤى والأفكار والثقافات في مختلف المجالات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتعليمية والطبية والفنية والرياضية وبقية المجالات التي تهم المجتمع في كل اتجاهاته.

إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"

العدد 5271 - الجمعة 10 فبراير 2017م الموافق 13 جمادى الأولى 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً