العدد 5282 - الثلثاء 21 فبراير 2017م الموافق 24 جمادى الأولى 1438هـ

متى نعامل بعضنا كبشر؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

متى نتعلم جميعاً، أن الخلافات بيننا في المواقف والآراء والقناعات السياسية، يجب ألَّا تنسينا تعاليم ديننا وتخرجنا من أخلاقنا وتسلخنا من إنسانيتنا، وتحوّلنا إلى وحوش وضباع ضارية؟

أبسط الأمور التي يفترض أن تكون مسلَّمات وبديهيَّات، هو الاعتراف بوجود الآخر كإنسان، مساوٍ لنا في الحقوق والواجبات، من دون زيادةٍ أو نقصان. حتى هذه المسلَّمة أصبحت في هذا الزمان بعيدة المنال، فصرنا نضطر للتذكير بها بين فترةٍ وأخرى، لمقاومة هذا الموج العارم من الكراهية والتحريض وحملات الاستعداء.

لننسَ أننا عرب أو مسلمون، ما دام لم يعد للإسلام والعروبة وزنٌ في هذا الزمان، فإننا بشرٌ متساوون، وإخوة مواطنون، ويجب ألَّا تخرجنا الاختلافات في مواقفنا وآرائنا السياسية عن الجادة، فنخرج من طبيعتنا لنتحوّل إلى كائنات متوحشة، تتلذَّذ بتعذيب غيرها وإلحاق أكبر قدرٍ من الأذى النفسي والضرر الجسدي بالآخرين.

في السابق، كان البعض يتجمَّل ويتستر بالكلمات المعسولة، لكن عند المحن التي مررنا بها اهتزَّت الكثير من القناعات، وسقطت الكثير من الأقنعة، وتكشَّف الكثير من المشاعر المريضة التي كانت تقبع في الطبقات السفلى المظلمة من اللاوعي. وأصبح شائعاً ومألوفاً أن يعبِّر البعض علانيةً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن هذه المشاعر المريضة بالشماتة في من يُقتلون أو يُعذَّبون، بل ويطالبون من دون خجلٍ، بإيقاع المزيد من الإيذاء والحرمان.

في هذا البلد المعروف بطيبة أهله وانفتاحه على القريب والغريب، أصبح يأنف بعضهم من دفن الموتى من فئةٍ أخرى، وكأن الحدث لا يكفي واعظاً وزاجراً ومذكِّراً بأن الموت غاية كل حيٍّ، وأننا كلنا سائرون إلى هذا المصير، ومنتهون إلى هذا الشق الصغير من الأرض، حيث لا ينفع مال ولا بنون، ولا طائفةٌ ولا حكومةٌ، ولا حزبٌ ولا عصبية ورثناها من أيام الجاهلية.

البعض يتكلَّم عن الطائفية، وفي اعتقادي أننا تجاوزنا الطائفية بمراحل، ودخلنا إلى مرحلة أخطر وأشد عمىً، وهي العنصرية، التي تطفح بها لغتنا وتعبيراتنا، حتى أصبحنا أمام صناعة قائمة بذاتها وأركانها: «الكراهية». وهي صناعةٌ تزدهر في فترات القلاقل والاضطرابات والفتن التي تمر بها الأمم، وتستفيد منها أقلية قليلة، تعيش على استمرار الأزمات، كما يعيش العلق على الدم، والأفاعي على السم، والفئران وسط المجاري والقاذورات.

إن عملية التحريض الدائم ضد الآخرين وبثّ الكراهية علانيةً، من دون خوفٍ من رقابةٍ أو وخزٍ من ضمير، أصبحت مألوفةً في حياتنا لأنها باتت تُمارس بشكل يومي، فلم نعد نستنكرها أو نأنف منها، وبتنا في حاجةٍ لمرآة خارجية لنشعر بقبحها وشذوذها، لتعلق مذيعةٌ عربيةٌ بقولها على «تويتر»: «والله شيء مضحكٌ ومؤسفٌ معاً»، وتضيف بعدما اكتشفت علتنا في لقاء تلفزيوني لم يستمر لأكثر من تسعين دقيقة: «كل من يختلف معكم عميل»!

ليست وسائل التواصل الاجتماعي وحدها المتورّطة بهذه اللغة العنصرية المريضة، بل سبقتها إلى ذلك صحف وأقلام، فكلمة «التفريخ» المشحونة بالكراهية والاحتقار والاستخفاف بالبشر، استخدمت قبل سنوات، في مئات المقالات، وقرأها آلاف القراء، حتى أصبحت جاهزة لتطفو على السطح في أي ندوة أو حوار، فتتلفظ بها الألسن من دون حياء. ولو طبقت معايير حقوق الإنسان والعدالة الدولية لتم استدعاء كل من يستخدم مثل هذه الكلمات والتعابير العنصرية للمحاسبة والاعتذار.

في الولايات المتحدة، حين استخدم الرئيس دونالد ترامب عبارات مشربة بالعنصرية ضد الآخرين خرج ملايين الأميركيين البيض إلى جانب السود للتظاهر ضدَّه، أما نحن فنحتاج إلى مئة عامٍ أخرى حتى نتشرب مفاهيم الحرية والمساواة واحترام الآخر، ونتحوّل إلى بشر حقيقيين، ونرفض التعامل مع بعضنا كحيوانات.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5282 - الثلثاء 21 فبراير 2017م الموافق 24 جمادى الأولى 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 53 | 9:52 ص

      احسنت استاذ

    • زائر 49 | 8:00 ص

      زائر 44 صدق والله الله يعطيك العافية دائما الرجول للحق والرجوع الى خط الله هو الضمان والاسلم

    • زائر 54 زائر 49 | 12:22 م

      نرجع لخط الله...

    • زائر 47 | 7:25 ص

      الجواب : لين صار الانسان عنده أحساس .

    • زائر 45 | 6:45 ص

      مع الاسف اغلب المسلمين وخصوصا العرب طائفيين درجه اولى، الشيعه والسنه، هذا الواقع واي واحد يقول غير هذا الكلام يكذب على روحه. انا شخصيا غير طائفي لاني غير ملتزم ، بمعنى اخر لوتي.

    • زائر 43 | 5:47 ص

      و تخشون الناس و الله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين. ....

    • زائر 42 | 5:11 ص

      أحترمك سيد وأتابع مقالاتك بتشوق يوميا. كلامك اليوم مثل كل يوم ربما صحيح وهو المثالي ولكن للامانة، إذا تفوق الطرف السياسي الاخر، هل تضمن إنه كان سيتعامل مع الغير بالطريقة التي تطالب فيها..أشك في ذلك..

    • زائر 35 | 1:59 ص

      الحل سهل و تعبنا و احنا نقوله و تم تكفيرنا و تم زندقتنا في كل الطائفيين الي في البحرين السنه و الشيعه مع بعض الحل يا اخوان هو فصل الدين عن الدولة و منع رجال الدين السنه و الشيعه من التدخل في السياسة لان رجال الدين عامل تفريق للمجتمع و ليسوا عامل يساعد على التجمع

    • زائر 44 زائر 35 | 5:49 ص

      كذبت و أثمت فالحل في العدالة و الإنصاف و الرجوع إلى خط الله

    • زائر 33 | 1:56 ص

      في النهاية الكل سوف يموت وعند الله ستجتمع الخصوم .

    • زائر 32 | 1:54 ص

      لا ..والبعض يعيب على حكومة بورما عنصريتها ضد الروهينجا المسلمين وهم لو تسنى لهم لفعلوا مثلهم .

    • زائر 27 | 1:34 ص

      محتاجين تطبيق هذه المقولة التي كتبت على جدارية في الصين عند غير المسلمين وهي مقولة صوت العدالة الانسانية امير المؤمنين علي عليه السلام
      " الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نضير لك في الخلق " وكفى بها واعظ لنا .

    • زائر 25 | 1:31 ص

      مع الأسف ان هذة السلوكيات الشائنة تمارسها فئات تراها اول من تتقدم الصفوف في الصلاة وتناسوا ان الاسلام دين رحمة ومساواة وعدالة اجتماعية واخلاق تخلوا عنها وتمسكوا بالقشور وأغلبهم لو دققت في ماضيهم ليخجل القلم ان يذكره ولكنها عقدة النقص التي يعكسها على الأخرين في ظروف فتحت الباب على مصرعيه للمتسلقين والمنافقين فهل تناسوا هول الجزاء من رب العالمين يوم لا ينفع فيه لا مال ولا بنين !

    • زائر 21 | 12:50 ص

      أخلاق و سلوكيات مفقودة عند بعض من يسمون بشر
      1- العدالة:لو عدلت في أهلك و مجتمعك لأحبك الجميع و لن تحتاج لحارس شخصي و لا لإستخدام العصا.
      2-التسامح: لو سامحت الآخرين على بعض الزلات الصغيرة سأعيش براحة بال
      3-حسن الظن:
      4:تقبل النقد
      5- معاملة الناس بمثل ما أحب أن يعاملوني
      6- الحب:حب لأخيك ما تحب لنفسك و اكره له ما تكره لها
      7-الأمانة:
      8-الوفاء بالعهد
      9- صدق الحديث
      الخ......

    • زائر 20 | 12:41 ص

      البحرين بلد صغير جداً والسنة والشيعة مندمجين في الأعمال والجامعات والمدارس والأسواق وغيرها فلا خيار لنا إلا العيش المشترك بأخوة وتعاضد بعيدا عن الأنانية والكراهية التي يستوردها البعض من الخارج "التكفيري" وهو ما لا تطيقه طبيعة بلدنا وشعبنا الطيب.

    • زائر 19 | 12:36 ص

      للأسف أصبحت الكراهية نهجا نسمعه في كلام المسئول والنائب والبلدي والمدير والكاتب والإعلامي والمعلم ورجل الدين وغيرهم، كل ذلك لتكريس التمييز والإقصاء واهمين بأن ذلك يحفظ امتيازاتهم التي يستحقونها على حساب غيرهم.

    • زائر 17 | 12:36 ص

      الحمد لله الانسانية بعيدة عنا والاسلام ابعد ما نكون عنه

    • زائر 16 | 12:32 ص

      اذا لم نحترم ونرحم بعضنا البعض فكيف نتوقع معاملة الغريب لنا

    • زائر 15 | 12:31 ص

      نحن لا نحتاج مائة عام لنفهم الحرية والمساواة بل نحتاج لعدة قرون

    • زائر 14 | 12:30 ص

      اجدت سيدنا ولكن اشك ان تلقى انسان يفهم ما كتبت

    • زائر 24 زائر 14 | 1:28 ص

      صحيح كلامك بس اجتهد لتفهم

    • زائر 13 | 12:25 ص

      هذاك في الولايات المتحدة، حين استخدم الرئيس دونالد ترامب عبارات مشربة بالعنصرية ضد الآخرين خرج ملايين الأميركيين البيض إلى جانب السود للتظاهر ضدَّه، أما نحن فالله يستر
      نحتاج إلى مئة عامٍ أخرى حتى نتشرب مفاهيم الحرية والمساواة واحترام الآخر

    • زائر 11 | 12:19 ص

      ونار لو نفخت بها اضاءت ولكن ضاع في نخفك في رماد

    • زائر 10 | 12:14 ص

      اذا تحلينا بقيم ديننا الحنيف وقرأنا الدين قراءة صحيحة لا كل واحد يفسر الدين على مزاجه واحد يعتبر قتل المخالف له في مذهبها واجبا دينيا والآخر يعتبر استعمار الشعوب وسرقة اموالها شطارة وذكاء والثالث يعتبر سرقة اموال الآخرين
      والاستقواء عليها بأنظمة العالم الجائر الحالية هي من الفهلوة ومكان للتفاخر في قهر الناس وقمعهم

    • زائر 9 | 12:11 ص

      المشكلة هنا اذا تكلم الواحد يلعنون والدين والدينه ولا من رقيب
      بلد عصابات وليس بلد قانون ما دام القانون على ناس وناس
      ( القانون ما يمشي عليكم ) هذه العبارة أوجدت خلل في البلد فلا تستغرب في بلد العجائب

    • زائر 8 | 11:53 م

      ديننا الاسلامي وكامل تعاليمه مركونة على الرفّ ونحن فقط نكتب في الجواز والأوراق الرسمية الديانة (مسلم).
      القيم الانسانية والأخلاقية ايضا اندثرت بعد ان اصبح اللهث وراء الثروة والمال واحتكار السلطات وغيره من الامور هي السائدة.
      حقوق الانسان والقوانين والتشريعات هي على الضعفاء والفقراء من شعوب وغيرها، اصطنعها الكبار لكي يتحكّموا في الصغار.
      العالم عالم القوّة ولا شيء غير القوّة يتحكم في مصير الملايين وتتلاعب الدول الكبرى بباقي الشعوب كالكرة

    • زائر 6 | 11:26 م

      هذه الدنيا تريك أن البعض أصبح أضل من البهائم فيفرحون و يشمتون لمصيبة أحلت بغيرهم لأنهم تربوا على انعدام الأخلاق و الضمائر و الإنسانية و الدين القويم.
      ترى الوحوش ترأف ببعضهاو هؤلاء جبلت قلوبهم على الماديات و الطاعة و الإستكانة للمخلوقين و لو بسخط خالقهم. بعضهم يبيع آخرته بدنياه بل أن بعضهم مستعد لبيع دنياه و آخرته. خسر الدنيا و الآخرة ذلك هو الخسران المبين

    • زائر 5 | 11:16 م

      هذا هو الواقع المؤسف الذي نعيشه كل يوم و في كل مكان هذه فتنة عظيمة الله هو المنتقم الجبار من كل هؤلاء إنهم نسوا الآخرة و نسوا عدالة الله نسوا اليوم الذي يسألون فيه عن كل كلمة و فعل لحظة ندم نذكركم لها و هي قريبة جدا فالحياة أقصر مما تتصورون و لنا ز لكم يوم عظيم

    • زائر 4 | 11:08 م

      بصراحة اني انسانة متحررة جدا ومااهتم في الدين وأحب الفرح والحياة والرقص والحياة الصاخبة ولكن بسبب الظلم والاستهزاء بمذهبي صرت اكبر متطرفة وتولد فيني نوع من الحقد بسبب الي اشوفه من ناس واجد يختلفون معي مذهبيا

    • زائر 1 | 10:06 م

      يا سيد.
      أصبحت الساسة يعملون بسياسة فرق تسد بلا خوف من الله فتجدهم يؤججون الطائفية و يقبرون الأخلاق الحميدة التي كانت عند العرب من إجارة و الإحسان إلى الضعيف و إغاثة الملهوب و نصرة المظلوم.
      نجد الآن محاسبة لكل من يعين الفقراء و المساكين و كل من يجير من لا مأوى له أو ملاحق من أعداء و لو كان هذا الشخص أقرب أقرباءه فبذلك تتقطع الصلات الإنسانية حتى أصبح البعض يخشى من أن يجري اتصالا بأحد ما خوفا من أن يتهم بأي علاقة أو صلة بجهة ما.
      حسبنا الله و نعم الوكيل و إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب؟

اقرأ ايضاً