العدد 5283 - الأربعاء 22 فبراير 2017م الموافق 25 جمادى الأولى 1438هـ

استغلال الدين ومنعه بحسب الحاجة في الشأن السياسي

يوسف مكي (كاتب بحريني) comments [at] alwasatnews.com

كاتب وباحث بحريني

بنظرة بانورامية يلاحظ أن كل الدول العربية تقريبا تطالب أنظمتها السياسية معارضتها بأشكالها وألوانها السياسية بعدم إقحام الدين في شئون السياسة. وتبرر هذا المنع من كون الدين هو علاقة بين الشخص وربه –أو علاقة خاصة بين الإنسان وخالقه– وهي عكس العلاقة العامة المتعلقة بالشأن السياسي، وهي أمور متعلقة بكيفية ادارة شئون المجتمع وهي شأن عام يخص الجميع.

وان إقحام الشأن الديني الخاص في الشأن السياسي العام من شأنه أن يدخل المنزه / المقدس (الدين) في المدنس (السياسة)، وبالتالي يترتب على ذلك تديين السياسة وتسييس الدين وفي هذه الحال يتضرر كل من الدين والسياسة، ويؤول ذلك في نهاية المطاف إلى استغلال كل منهما للآخر بشكل سيئ.

من حيث المبدأ هذا كلام جميل وعقلاني في عمومه، كما أنه يظهر في نفس الوقت وكأن الأنظمة العربية تعمل وفقا لمبدأ النظرية العلمانية بحيث تعطي «ما لله لله وما لقيصر لقيصر»؛ أي فصل الدين عن السياسة أو فصل السياسة عن الدين.

لكن الوقع هو غير ذلك تماما؛ بل يناقض ما تدعيه تلك الحكومات وما تطلبه من عدم استخدام للدين. والأصح أنها هي أول من يستخدم الدين ويستغله لأهداف وأغراض سياسية وضيقو الأفق في الغالب، وعادة ماتكون نتائج ذلك الاستخدام كارثية على الدين والسياسة على قدر سواء.

وهناك مؤشرات على استخدام الدول العربية للدين –في الوقت الذي تمنعه على خصومها بحسب مزاجها– منها على سبيل المثال إن معظم الدساتير العربية إذا لم يكن كلها، تنص على أن الاسلام هو دين الدولة، وفي مجال التشريع تنص على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر أساسي من مصادر التشريع، وغير ذلك من المواد التي تنص بشكل صريح أو كناية على إسلامية أو دينية الدولة.

فهذا التنصيص في الدساتير ينقض في الحقيقة علمانية وحتى مدنية الدولة من جهة، وفكرة العلمانية من جهة أخرى، كما ينقض دعوة الحكومات العربية معارضيها وخصومها السياسيين بعدم استخدام الدين في السياسة، وينقض فكرة عدم استخدام الدين في الشأن السياسي.

لكن إذا تجاوزنا استخدام النصوص الدستورية المؤكدة على العلاقة بين الدين والسياسة في الممارسة السياسية العربية، وهو خطأ فادح في علم السياسة، وذلك من منطلق أن الدولة في النظرية السياسية الحديثة لا دين لها؛ ولكنها تستغل الدين بطريقة منفعية/ براغماتية كما هو حاصل في الدول العربية. فتارة يمنع من السياسة، وتارة تستغله السياسة في مآرب سياسية أبعد ما تكون عن الدين.

أقول إذا تجاوزنا النصوص الدستورية التي تؤكد على العلاقة بين الدين والسياسة، وهي علاقة ملتبسة، فإننا نجد أن الواقع أكثر بلاغة في إبراز هذا التداخل؛ بل الاستغلال في أبشع صوره للشأن الديني في الشأن السياسي من قبل الحكومات العربية.

فعلى صعيد الممارسة العملية للسياسة نجد أن الدول العربية في الوقت الذي تمنع معارضيها وخصومها السياسيين من استخدام الدين لأغراض سياسية، وتنشر القوانين التي تجرم استخدام الدين في غير مكانه الأصيل، نجد أنها أول من يضرب بهذه القوانين والتشريعات عرض الحائط ، وهي أول من يستخدم الدين، ودائما وبشكل فاقع في الشأن السياسي ضد خصومها ومع مواليها.

أكثر من ذلك، فإن النظام العربي عندما يحرم على الفاعلين السياسيين الذين لايدورون في مداره استخدام الدين، يقوم هو باستغلال الدين ليس فقط في مصلحته؛ بل فيما يثير الفرقة بين مكونات المجتمع الواحد.

هنا نحن أمام أسوأ أشكال الاستغلال للدين في الشأن السياسي. وهذه وضعية عامة وقائمة في كل الدول العربية ودون استثناء؛ أي الحصول على مكاسب سياسية بوسائل دينية.

ولا يقف استغلال الشأن الديني في المنظومة العربية عند هذا الحد؛ بل يصل إلى درجة الإعلاء والمحاباة لجاهات دينية أو مذهبية أو طائفية معينة وكأنها فوق القانون من جهة، ووضع جاهات أخرى تحت طائلة القانون تحت حجة تدخل الدين في السياسة. فهو حرام هنا لكنه حلال هناك، وكأني بلسان حال الحكومات العربية يقول: إن الدين أو المذهب الذي لا يكون معنا فهو ضدنا وعلينا محاربته، أو بالادعاء بعدم تدخل الدين في السياسة. لكن كل ذلك يظل مجرد ادعاء خال من المضمون، طالما أن الدولة هي المستخدم الأكبر للشأن الديني في تثبيت سلطتها من جهة، ومحاربة خصومها السياسين بسلاح مزدوج من الدين والسياسة من جهة أخرى.

أخيرا يمكن القول ان النظام العربي إذا ما أراد أن تتعافى الأوضاع السياسية من أزمتها، فما عليه إلا أن يبتعد عن الاستخدام السيئ للدين في الشأن السياسي فعلا لا قولا. وإذا كان لابد من منع استخدام الشأن الديني في أمور السياسة فعلى الحكومات العربية أن تبدأ بنفسها، لتستطيع أن تمنع الآخرين من استخدام السلاح نفسه. ودون ذلك يصبح الدين مشاعا يستطيع استخدامه كل طرف ضد الآخر، وله نفس الحقوق في هذا الاستخدام بما أن الدين ملكية عامة.

نخلص إلى القول أن استخدام الدين في السياسة في المنطقة العربية إنما يعود إلى انسداد الأفق السياسي في الدول العربية، وغياب الممارسة السياسية السليمة والمتنامية، ما يجعل الدين هو المدخل المتاح لممارسة السياسة من قبل الحكومات والمعارضات، وخاصة الدينية منها. لأنه لا يوجد بديل، وتصبح الدعوات بعدم تدخل الدين في السياسة لا قيمة لها في ظل عدم وجود بدائل أخرى من مثل إدارة المجتمع وفق سياسة عقلانية رشيدة، قائمة على مجموعة من الأسس والمبادئ الجامعة وليس المفرقة أو القائمة على التمييز والإقصاء. على أساس حكومات تمثل إرادات الناس وتعبر عن مطامحهم.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي (كاتب بحريني)"

العدد 5283 - الأربعاء 22 فبراير 2017م الموافق 25 جمادى الأولى 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً