العدد 5294 - الأحد 05 مارس 2017م الموافق 06 جمادى الآخرة 1438هـ

العمالة السائبة... حفلة التكاذب الجماعي

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الأرقام التي نشرتها «لجنة التحقيق في العمالة السائبة» لم تكن مفاجئة، وإنما جاءت لتؤكد المؤكّد وتثبت المثبت، الذي يعرفه الجميع.

مشكلة العمالة السائبة لم يعد ممكناً التستر عليها أو التخفيف من آثارها بعدما أصبحت تسهم في نخر الاقتصاد، وكل ذلك يجري تحت سمع وبصر الدولة ومؤسساتها، التي اتهمتها اللجنة بتقاذف التهم بينها، دون وجود إجراءات حقيقية ورادعة لمعالجتها.

بعض الأرقام الجديدة جاءت أعلى من الأرقام الرسمية المعلنة سابقاً، فهناك اليوم 60 ألف عامل سائب في البحرين، ومن حقّ المواطن الذي ليس له مصلحة في تخريب الاقتصاد، أن يسأل: كيف دخل هؤلاء البلاد؟ ومن الذي سهّل لهم؟ وهل يمكن التصديق أن هؤلاء أو نصفهم أو حتى ربعهم، دخلوا البلاد تهريباً أم عبر إجراءات ووثائق رسمية ومنافذ شرعية؟

يبدو تعاملنا مع هذا الموضوع كمن لا يريد أن يرى وجهه القبيح في المرآة، فهذه العمالة السائبة أصبحت جزءًا من النظام الاقتصادي، تسهم في رعايته كل الأطراف: الحكومة بإهمالها وعدم اكتراثها؛ والشركات الجشعة والمقاولون الباحثون عن أعلى ربح؛ والمتنفذون من تجار «الفيز»؛ وكذلك المواطن العادي الذي يستخرج سجلاً تجارياً لشركة وهمية ليجلب عبره أيدٍ عاملة يتركها في السوق لتكسب قوتها وترمي له بفائض عملها وجزء من عرق جبينها. إنه نظام اقتصادي استغلالي فاشل، لأنه يقوم على الكسل والاستغلال.

هذه التجارة الوسخة، في الأيدي العاملة الرخيصة، واستقدامها غالباً من الدول الفقيرة، أصبحت فصولها واضحة الآن، حيث يضطر العامل الفقير لقاء شراء «الفيزا» بمبلغ 1700 دينار. ومقابل ذلك يضطر إلى بيع أرضه أو رهن بيته، أو يقترض مبلغاً كبيراً على أن يسدّده على مدى سنوات قادمة. كلنا نعرف هذا وكلنا نمارسه ونسهم فيه، حكومةً وشعباً، وتجاراً وشركات. وفي هذه الدائرة نمت شركات توظيف، مهمتها تسيير هذه التجارة، سواءً في بلد المصدر أو المصب، مع تجاهلٍ وتعامٍ وعدم اكتراث من قبل الحكومات، هنا وهناك. هذا هو اقتصادنا، وهذه هي حياتنا، وهذا هو واقعنا دون مكياج.

في عملية تقاذف التهم بين الأطراف المتورطة في هذه العملية، خرج مسئول بسفارة بنغلاديش قبل يومين ليعلن أنه تم إيقاف إصدار التأشيرات للعمالة البنغالية منذ مطلع الشهر الجاري، بسبب سوء معاملتها وانتهاك حقوقها. وهو يعلم بوجود 180 ألفاً من مواطنيه، 50 ألفاً منهم مخالف لشروط الإقامة، فمن الذي سهّل وصولهم للبحرين؟ وهل خرجوا من دكا أو شيتاغونغ بجوازات سفر مزوّرة أم بوثائق رسمية؟ وهل كانت السفارة تجهل مشكلة العمالة السائبة في البحرين فاكتشفتها مؤخراً، أم كانت تعرف تماماً وتشارك فيها بحصتها منها مثل السفارات الآسيوية الأخرى؟

إنها أكبر تجارة وسخة مليئة بالتناقضات، ولا يضاهيها إلا تجارة الرقيق الأبيض. هناك يُستغل جسد المرأة وهنا تُستغل عضلات الرجل وجهده، والمجتمع الذي يطالب بعزل العمالة الأجنبية في مساكن للعزاب من أجل المحافظة على فضيلته، هو الذي يؤجر لهذه العمالة بيوته القديمة التي لا يصلح أكثرها للسكن الآدمي، وهو الذي يُشارك باستخراج رخص العملٍ والمتاجرة بها في السوق السوداء.

ثم تأتي «المالية» لتتحدث عن تحويل العمالة السائبة أموالاً بطرق غير قانونية، وهل تتوقّعون لمن يعيش مخالفاً للقانون، بعيداً عن الخضوع لأنظمة العمل الرسمية، أن يذهب برجليه إلى البنك ليحوّل ما كسبه من مال، بأية طريقة كانت، إلى أهله؟ أم سيسعى لشبكات تهريب الأموال؟

إنها عملية تكاذب بشكل جماعي، فالكل يكذب على الكل، والجهات الرسمية بدل أن تفكر في حل جذري يخلص الاقتصاد من هذا المرض، ويخلّص البلد من هذه الأعباء، فتحت قبل سنوات الباب للعمالة السائبة المخالفة للقانون لتصحيح أوضاعها، وفي الأشهر الأخيرة خرجت بما يسمى بـ»التصحريح المرن»، ولتستمر اللعبة على أصولها، ولتقر أعين المتنفذين الذين يستخرجون الفيزا بالمئات.

لا يمكن أن نتكلم عن اقتصاد وازدهار وتنمية، مع كل هذه الأوضاع الشاذة والمخالفات.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5294 - الأحد 05 مارس 2017م الموافق 06 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 24 | 12:00 ص

      موجودين إعداد كثييبببره في سوق المنامه سووا لهم سوق في أيام الجمعة والإجازات اسمها سوق الحراميه اي يحضرون السرقات التي يسرقونها من الناس بنتي الطرق وطبيعونهاية ولا احد يتكلم والكل يدري تسمي سوق الحراميه با الاضافه الي الخانات التي يسكنىنها في المنامه واجد علي ومدينة حمد

    • زائر 22 | 9:15 ص

      موضوع جدا واقعي و في الصميم و لكن للأسف يطرح على من لا يسمع و لا يرى الا ما يرغب فيه و ما فيه اليه مصلحه شخصيه. و العنوان ايضا في صميم المعنى بالنص بحق تكاذب جماعي. الله يجيرنا و اياكم سيدنا من حياة الحرام.

    • زائر 20 | 6:54 ص

      موضوع التجاره بالرخص ليس جديد وليس حصري فالمتنفذين هم من بدا بهذه التجاره حتى وصلت الى الصغار في السنوات الاخيرة اما موضوع الردع ياتي اولا من توفير فرص العمل للجميع من خلال اجراءات وقوانين تضمن المنافسه الشريفه اما ان افتح مشروع ولا استطيع العمل بسبب تعنت القوانين في هيئة تنظم سوق العمل التي هي جهة جبايه اكثر مها جهة للتنظيم اعذرو الناس التي تاجرت فهذا هو اقتصاد البلد وماتشجع عليه المؤسسات الرسميه فبعد بيع الرخصة توجد هيئة الجبايه تسلب المبالغ من البحريني الذي باع الرخصه فهو دخل ممتاز

    • زائر 16 | 3:42 ص

      علينا أن نكون منصفين أكثر ولا أن نحمل الدولة وحدها مسؤولية العمالة السائبة
      كون البعض يتاجر من وراء العمال الآسيويين هؤلاء مقابل ايراد مالي شهري منهم مستغلا التصاريح التجارية للدولة ، صحيح الدولة مقصرة في متابعة الأمر لكن لجشع البعض من أفراد المجتمع المسؤولية الأكبر .

    • زائر 19 زائر 16 | 6:21 ص

      ههههههههه ضحكتني واجد اوكي صحيح كلامك بس لو بتاخذ لفة على المنامة صوب نعيم بتشوف مئات الجاليات الاجنبية قاعدة هناك من العمالة السايبة لو يبغون يصيدونهم مو صادوهم
      اذا الناس ما عندها ضمير يعني شنو الحكومة تعيش في غفلة مثلا
      الجشع موجود في كل مكان وبشتى الطرق عشان جذي وجد القانون عشان يردع هالاشكال يعني لازم يحطون مفتشين وغيره وغيره عشان يصيدون هالعمالة السائبة واظن ناس واجد تعرف وين مكانهم بس خلنا ساكتين احسن

    • زائر 11 | 1:14 ص

      مادام هذه السياسة تضر بمكون معين مقصود الأضرار به" فقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي".

    • زائر 18 زائر 11 | 4:49 ص

      الى زائر 11
      هذه السياسة تضر الوطن كله والمواطنين كلهم
      ولا تقتصر على فئة محددة.
      تضر الاقتصاد الوطني والعمالة والمواطنين الخريجين الآن والمستقبل.

    • زائر 10 | 12:46 ص

      اول مرة اتفق معك في شيء

    • زائر 21 زائر 10 | 9:15 ص

      انت كل اسبوع تكتب انك اول مرة تتفق معاه. هذا صار لك سنتين وانت تكتب هالكلام.

    • زائر 9 | 12:10 ص

      العمالة السائبة الفاسدون المفسدون و التجنييس كالفطريات تسري في شرايين البلد و النتيجة تهرييب الاموال و ضعضعة الاقتصاد و تاثر البنية و الهوية الاجتماعية للبلد بالاضافة الى استغلال جنسي وتحرشات و حوادث سرقات و اجرام و تبلور عصابات و مافيات.
      حتى بعض مكاتب الخدم و القوى العاملة لها يد كبيرة في هذا الاجرام بحق المواطن خيث لا ترى مدير المكتب البحريني جالس على مكتبه و انما العمالة الاسيوية التي تدير المكتب باسم جلب الخدم و الهدف الخفي اعظم و اكبر و الخاسر الاكبر هو المواطن و الثمن باهظ
      د. حسن الصددي

    • زائر 8 | 12:04 ص

      وماذا عن عصابات تطفيش الخادمات وتهريبهنّ لكي تذهب للعمل في الفنادق وفي أماكن الدعارة؟ ماذا عن سرقة المواطن الذي يدفع قيمة جلب الخادمة والذي اصبح الآن يفوق 1200 دينار ثم يأتي من يهرّبها لتعمل في الاماكن المشبوهة ...ركة

    • زائر 7 | 11:58 م

      من أمن العقوبة أساء الأدب
      واذا كان رب البيت بالطبل ضاربا.
      نعم هذان المثلان هما لبّ الموضوع فالكثير من المسؤولين والغين في المتاجرة بهذه العمالة لذلك لو اصدر مليون قانون لن يفعّل ولن يكون هناك سقف معين لهذا الملفّ من الفساد .
      ولا نبرئ أنفسنا كمجتمع من المساهمة في هذا الملف

    • زائر 6 | 11:43 م

      من كثرهم أي بنغالي تسأله عن أي شيء تعرف ........ ؟ يقول لك معلوم أنا يسوي ترتيب ....

    • زائر 5 | 11:34 م

      سيد قاسم لقد نشرت اليوم جريدتنا الحبيبة الوسط ان مجلس الشوري السعودي يناقش ترحيل 5 ملاين مقيم غير شرعي من ارض الحرمين بمساعدة لجنة من وزارة الداخلية .. الكل يعاني من العمالة السائبة بجدية ويتم ترحيلهم الا عندنا لا ينظر الي هذة المشكلة الخطيرة علي مجتمعنا علي انها عمالة خطرة المشكلة مستفحلة والعمالة البقالية وغيرها في ازدياد كل الاجانب يفضلون العيش في البحرين والاسترزاق لانها فهي ارض الاحلام يهيم الاجنبي ويمرح ويسرح بها دون ان يسأل عن اقامتة القانونية فتجدهم يقضون 20 سنة دون ان يسأل عن اقامتة....

    • زائر 4 | 11:13 م

      الكلام هذا صحيح حتي الحطب قاموا يبيعونة علي الناس اللي مخيمين في البر في الشوارع وبأسعار خيالية هذا غير اللي جالسين علي الارض في البر ينتظرون الزباين ......

    • زائر 3 | 11:09 م

      هذة الاعداد الكثيرة والتي تعد بالآلاف كل يوم بزدياد تجدهم منتشرين في كل اطراف البحرين بشكل مخيف يسكنون بين المواطنين بأعداد مخيفة في البيت الواحد بل الحجرة الواحدة اصبحت لهم احياء معروفة كسوق واقف والمنامة والرفاع الشرقي وغيره الكثير من مناطق البحرين تماما كالحي الصيني والهندي في امريكا ومن بدخل بينهم من البحرينين ينظرون له بريبة ... السؤال ما الغرض من جلبهم بهذة الاعداد المخيفة وتركهم يهيمون دون حسيب ورغيب ولا ضوابط قانونية كل بنقال سوق واقف فري فيزا لا اقامات ولا يحزنون ،،،،

    • زائر 2 | 10:34 م

      حقا هذا موضوع مقلق وعلى الجرح يا أستاذ

اقرأ ايضاً