العدد 5299 - الجمعة 10 مارس 2017م الموافق 11 جمادى الآخرة 1438هـ

«إعلان الأزهر» والوحدة الإسلامية - المسيحية

رضي السماك

كاتب بحريني

احتضن الأزهر الشريف نهاية الشهر الماضي ومطلع الشهر الجاري مؤتمراً يتعلق بالوحدة الإسلامية - المسيحية، لعله من أهم المؤتمرات التي تناولت هذه القضية منذ أربعة عقود خلت، حيث نجح في دعوة كوكبة عريضة متميزة من أكبر الشخصيات والرموز الإسلامية والمسيحية، وكذلك بالنظر لما تمخّض عنه من إعلان متطور فكرياً يعكس روح الإسلام الوسطي المنفتح المستنير على العصر، اُطلق عليه «إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك»، علماً بأن المؤتمر نفسه حمل عنوان «الحرية والمواطنة... التنوع والتكامل».

من أبرز النقاط المهمة التي تضمنها إعلان الأزهر: إن مصطلح «المواطنة» ليس مستورداً (بمعنى خاص بالغرب العلماني) بل هو، كما ورد في الإعلان، مصطلح أصيل في الإسلام منذ عهد الرسول (ص) إبان ما عُرف بـ «دستور المدينة»، وكذلك فيما يتعلق بمصطلح «المساواة»، كما حذر الإعلان في واحدة من أهم فقراته الجريئة المتميزة في تشخيص مكامن الخلل في الأزمات الداخلية بالدول العربية والإسلامية، أن «استبعاد مفهوم المواطنة بوصفه عقداً بين المواطنين مجتمعات ودولاً يؤدي إلى فشل الدول، وفشل المؤسسات الدينية والنخب السياسية، وضرب التنمية والتقدم، وتمكين المتربصين بالدولة والاستقرار من العبث بمصائر الأوطان ومقدراتها»، كما تمنى الإعلان أيضاً على المثقفين والمفكرين التنبه لخطورة استخدام مصطلح «الأقليات» باعتباره لا يتنافى مع مصطلح «المواطنة» فحسب؛ بل هو موروث من عهود الاستعمار للتفرقة بين المسلمين والمسيحيين بل بين المسلمين أنفسهم، على حد تعبير الإعلان الذي أعاد التأكيد في موضع آخر من نصه أن «ضعف الدولة يؤدي إلى انتهاك حقوق مواطينها، وأن قوتها هي قوة مواطنيها، وأن النخب الوطنية والثقافية والمعنيين بالشأن العام في الأوطان العربية كلها يتحملون جميعاً مسئوليات كبرى إلى جانب الدولة في مكافحة ظواهر العنف المنفلت سواء أكانت لسبب ديني أو عرقي أو ثقافي» .

والحال ليس غريباً على مؤتمر إسلامي - مسيحي يحتضنه الأزهر أن يصدر عنه مثل هذا الإعلان المستنير والمنفتح على الفكر الإنساني الديمقراطي المعاصر، بل ما كان لمركز إسلامي سواه مؤهلاً لأن يصدر عنه مثل هذا الإعلان في اللحظات التاريخية المصيرية التي تمر بها اُمتنا العربية والإسلامية، حيث باتت فيها فيروسات الفكر الديني التكفيري المتطرف قادرة على اختراق دولها من أوسع أبوابها، ولم تعُد محصورةً على عدد من المراكز الإسلامية التي كانت أراضي بعضها الموئل الأول والحاضنة في إنطلاقتها العالمية، بل وأعداد لا حصر لها من المؤسسات الدينية التعليمية والإعلامية الرسمية في معظم دولنا العربية والإسلامية نفسها.

وإن كان ثمة جملة التساؤلات تفرض نفسها هنا: ماهو الرقم الذي يحمله هذا المؤتمر الذي تناول قضية التسامح والوحدة الإسلامية المسيحية في سلسلة عشرات المؤتمرات والندوات واللقاءات المماثلة التي عقدت طوال العقود الأربعة الماضية تقريباً؟ ولماذا كل هذه المؤتمرات لم تسفر عن حلحلة لهذه القضية المُزمنة بل ازدادت تفاقماً في الأعوام الأخيرة وبخاصة بعد إجهاض حراكات الربيع العربي الجماهيرية السلمية؟

غني عن القول أن مكامن الخلل ليست في نصوص تلك المؤتمرات، ولا في صدق نوايا المشاركين فيها من كلا الجانبين الإسلامي والمسيحي، وإنما لغياب آليات عملية تنفيذية ورقابية لدى الدول العربية التي تستضيف مثل هذه المؤتمرات، لتأخذ بتوصيات المؤتمرات من خلال تعاون صنّاع القرار السياسي فيها معها بالعمل على تطبيقها روحاً وعملاً في المؤسسات الرسمية المعنية في الدولة، وهذا يتطلب بطبيعة الحال إرادة سياسية جادة لديهم هي للأسف مازالت غائبة. وبالتالي لا غرابة والحال كذلك إذا ما بقيت بيانات وتوصيات هذه المؤتمرات التي تصرف عليها مئات الألوف من الدولارات مجرد حبر على ورق تستحق من يقيم لها أرشيفاً تراثياً ربما ينفع الباحثين العرب في دراسة تاريخ تلك الجهود نظرياً.

أكثر من ذلك كيف للمسلمين،لاسيما العرب منهم، أن يتنادوا إلى مثل هذه المؤتمرات لمعالجة قضية الوحدة مع المسيحيين في أقطارهم قبل أن يبدأوا أولاً بتوحيد أنفسهم؟ وكذلك الحال فيما يتعلق بالمسيحيين العرب أيضاً، علماً بأن «الأزهر» الذي حرص على دعوة رموز وشخصيات من شتى الطوائف الإسلامية إلى المؤتمر هو نفسه المؤهل وحده لاحتضان مؤتمرات التوحيد الإسلامي، لكن لكي يقوم بهذا الدور فإنه بحاجة لمنحه قدراً معقولاً من الاستقلالية عن الدولة، وهذا ما أشار إليه نص الإعلان في الفقرة التي ثبّتناها آنفاً والتي مؤداها أن استبعاد مبدأ «المواطنة» في التطبيق يؤدي إلى فشل الدول وفشل المؤسسات الدينية على السواء. وتكاد الدول العربية تتشارك بدرجات متفاوتة في تغييب هذا المبدأ، بل هو السر الكامن وراء فشل المؤسسات الدينية القائمة لافتقارها إلى حد أدنى من الاستقلالية عن الدولة العربية، وتكبيلها بالوصاية الرسمية عليها وهذا ما تستغله الجماعات الإرهابية للتشكيك في دورها المنشود وإيقاع شبابنا العربي الغِر في حبائلها.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 5299 - الجمعة 10 مارس 2017م الموافق 11 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً