العدد 533 - الجمعة 20 فبراير 2004م الموافق 28 ذي الحجة 1424هـ

«المحافظون الجدد» والجمهورية الإيرانية الرابعة

في مناسبة الانتخابات البرلمانية السابعة

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

أيا تكن نتائج الانتخابات البرلمانية السابعة لإيران، فإن القدر المتيقن منها هو أنها ستدشن عهدا جديدا في تركيبة مطبخ صناعة القرار الإيراني يبدأ في البرلمان ويتوج فيها الانتخابات الرئاسية المقررة في العام 2005 ازعم أنه سيكون عهد «المحافظين الجدد».

وهؤلاء المحافظون الجدد لا علاقة لتسميتهم - بالمناسبة - بالمحافظين الجدد في الولايات المتحدة، بل ولربما سيكونون على العكس منهم تماما.

فهؤلاء سيكونون معتدلين بعكس الأميركيين، ومنفتحين على التعاون مع الخارج بعكس الأميركيين ومنفتحين «أيديولوجيا» بعكس الأميركيين، لكنهم سيمارسون ممانعة شرسة بوجه مشروع «دمقرطة العالم» على الطريقة الأميركية.

المهم أن الانتخابات البرلمانية هذه لن تمر أسابيع كثيرة عليها حتى تطوى صفحة كل الجدالات الساخنة من حولها سواء بشأن «قانونيتها» أو «نزاهتها» أو«عدالتها». ثم يبدأ «المحافظون الجدد» المحروسون من الحرس القديم من أركان النظام بالظهور على المسرح السياسي العام للبلاد باعتبارهم دعاة «الإصلاح» الحقيقيين، بل والأمناء الحقيقيون على استمرار مشروع اصلاحات الرئيس محمد خاتمي. ولن تمضي سنة على تشكيل برلمانهم الجديد حتى يتسلموا قيادة سفينة الإصلاح بعد أن تكون قد خلت أو أخليت من ركابها الأصليين، ويتسلمون مفاتيح غرفة القيادة فيها من ربانها الأول السيدمحمد خاتمي مودعينه بكل أدب واحترام وتقدير بروتوكولي وربما مهرجاني يليق به.

وحدهم المتطرفون والغلاة من الجناحين التقليديين سيبدأون بالتساقط تدريجيا منذ اللحظة التي ستعلن فيها نتائج «اجتياح» المحافظين الجدد للمقاعد الحمراء في مجلس الشورى الإسلامي.

ثمة إرادة جدية وقوية وراء التحول الجاري في إيران مفادها أنه آن الأوان لخفض معدل السياسة في أروقة السلطة في البلاد بدءا من البرلمان الذي كشفت الدورة السادسة له نقاط ضعف تركيبة النظام كما خطورة «صراع الأجنحة» داخله.

الصقور من الجناحين يجب أن يتراجعوا إلى خلق المشهد العام، والحمائم يجب أن تتقدم المرحلة الجديدة تطبيقا للنموذج الصيني المعروض بصورته الإيرانية المعدّلة. فيصبح ما هو ديني محض لا يفتي فيه إلا الاختصاصيون في الدين وما هو سياسي محض لا يفتي فيه إلا أصحاب الخبرة والاختصاصي من السياسيين المتمرسين، وما للمجتمع فهو للناس من صنوف المجتمعين الأهلي والمدني يستطيعون أن يتجولوا فيه في الفتيا بحسب العرف العام بحسب المكان والزمان المعنيين.

وفي هذا السياق ثمة من يتوقع أن أهل الحكم واستنادا إلى «فقه حكومي» متجدد بدأ كبار الحرس القديم يتنادون لتدوينه، سيقومون بتقديم الإجابات المناسبة للمطالبات المتراكمة منذ ما قبل عهد الإصلاحيين وصولا إلى عهد المحافظين الجدد.

عندما سيصبح «حلالا» ومقبولا، بل ولربما مطلوبا فتح باب الاجتهاد السياسي عن امكان إجراء تعديلات في الدستور بما يتناسب تغير الظروف والحوادث والأجيال، وتجديد نظرية ولاية الفقيه باتجاه تحديد مدة ولايتها وجعلها جماعية قدر الإمكان وفتح فضاءات جديدة في آلية الانتخاب الحالية وصولا إلى جعلها أقرب ما يكون إلى نظام انتخابات الرئاسة الحالية ان أمكن.

وعندها سيصبح كذلك «حلالا» بل ومطلوبا إجراء «مصالحة» أوسع مع ما يعرف بالمجتمع الدولي وصولا إلى التطبيع مع الولايات المتحدة مع الابقاء على الخطوط الحمر في قضية ملف العبرية باعتبارها كيانا لا شرعيا أصلا تاركين للزمن أن يلعب دوره في الإطاحة بهذه الظاهرة أو تفكيكها.

انه مفصل تاريخيه مهم تعيشه إيران حاليا، يبحث فيه أهل الدار مجتمعين، بكل تناقضاتهم وتفاوتاتهم الداخلية عن هوية جمعية لهم يعرّفون أنفسهم من خلالها إلى العالم.

ويخطئ من يصر على قراءتهم على المقاسات الخاصة التي عرفها عن سائر بلدان العالم، أو من يريد اسقاط مقاساته الخاصة عليهم، أيا كان هذا المهتم أو المراقب صديقا كان أم عدوا.

وخاسر كل من يراهن على غلبة أحد الأجنحة من أجل تحقيق أهدافه أو ضمان مصالحه المشتركة مع إيران، ومن ينتظر الوصول إلى أهدافه كاملة من خلال انتظار حسم الرهانات الداخلية فإنه يستطيع أن ينتظر حتى «ظهور» المهدي المنتظر (عليه السلام) للشيعة.

ثمة آليات للصراع والتوافق والخلاف والاختلاف والتمايز وخصوصا بإيران يجب أن يقبلها المهتم والمراقب كما هي، ولا علاقة لها بهذا الموقف السياسي أو ذاك تجاه هذه الدولة أو تلك.

الواقعيون وحدهم من الدول أو المنظمات الدولية أو القوى والمجموعات الشعبية، هم القادرون على تنظيم علاقاتهم مع إيران «الجمهورية الإسلامية» سواء في عهد جمهوريتها الأولى «الخمينية» أو جمهوريتها الثانية «الرفسنجانية» أو جمهوريتها الثالثة «الخاتمية» أو جمهوريتها العتيدة الرابعة أي جمهورية «المحافظين الجدد».

«الجمهورية الرابعة» هذه ثمة من يراها مزيجا من الجمهوريات الثلاث السابقة لكنها ستتميز عليها مجتمعة باستدعاء ملح للفقه ليكون «حلاَّل» المشكلات «الحكومية».

جمهورية ستطالب بالحاح بتراجع دول الأحزاب كلاعب رئيس في المسرح السياسي، والتقليل قدر الإمكان من معدل «السياسة» في الشأن العام، والدفع بقوة لإبراز دور الكفاءات والتخصصات في كل مجال في خدمة الخطة العشرينية التي تم إقرار سياساتها العامة في مجلس تشخيص مصلحة النظام.

انه منعطف تاريخي لإيران تتزاحم فيه التحديات الداخلية مع التحديات الخارجية اما أن يتجاوز خلاله المشروع الإيراني الجديد عنق الزجاجة، أو يصبح فريسة مشروعات المحافظين الأميركيين الجدد بعد التفرغ من العراق! لكنه سباق يلعب فيه الزمن كما العقل دورا كبيرا بالنسبة إلى الإيرانيين، والعلاقة بين العاملين طردية فكلما ازداد استخدام العقل والحكمة أثناء الأداء كلما قصرت المدة الزمنية المطلوبة لتجاوز عنق الزجاجة. وكلما قل اللجوء إلى العقل واعتمدت العاطفة والمشاعر الجياشة لوحدها كلما طال زمن التحدي وطالت المعاناة

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 533 - الجمعة 20 فبراير 2004م الموافق 28 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً