العدد 5338 - الثلثاء 18 أبريل 2017م الموافق 21 رجب 1438هـ

الاستفتاء التركي بين التأييد والرفض

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

في وضع استقطابي انقسامي عرقي وطائفي حاد تمر به تركيا، وفي إطار تداعيات الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها، وبعد محاولة الانقلاب الفاشل وعملية التطهير باعتقال عشرات الآلاف وفصلهم من وظائفهم وتوقيفهم عن العمل، وتزايد القمع في أوساط المعارضين السياسيين والإعلاميين، ومع تدفق أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري بسبب تدخلها في الحرب على سورية وفي ظل حالة الطوارئ، جرى الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي اعتبره المراقبون تحولاً سياسياً في التاريخ التركي، سيفتح الأبواب على كل الاحتمالات والمشاكل التي قد تتسبب في زعزعة أمن تركيا واستقرارها.

بلغت نسبة المشاركة في الاستفتاء «85 في المئة» وجاءت نتائجه بنسبة «51.2 في المئة» من الأصوات لصالح التعديلات الدستورية مقابل نسبة «48.8 في المئة» من عارضوها؛ الأمر الذي يدفع للتعرف على قراءة المحللين وتفسيرهم لهذه النتيجة وانعكاساتها؟

الآراء التي توقعت نتيجة الاستفتاء وانعكاساتها تراوحت بين اتجاهي تأييد التعديلات الدستورية أو رفضها، ذلك على رغم تقارب رؤيتها بأن النتيجة متوقعة وإن جاءت بأقل مما توقعه حتى نواب من حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، الذي تمكن خلال فترة من نشاطه الدؤوب والمتراكم أن يوسع من قاعدته الشعبية، ويحقق تقدماً وإنجازات اقتصادية شملت تحديث البنى التحتية من طرق وشبكة مواصلات ومدارس ومستشفيات وغيرها، الأمر الذي أثر تأثيراً نوعياً في حياة الأتراك، كما تمددت الطبقة الوسطى واستقطب النظام فئات طالما عانت من التهميش والإهمال، وقد تأثرت بقدرة الرئيس أردوغان الخطابية وبراغماتيته التي استطاع من خلالها عقد تحالفات لصالح الاستفتاء، ولاسيما مع حزب «الحركة القومية». ومنه يمكن مناقشة الجدل بين اتجاهي التأييد والرفض على النحو التالي.

انتصار بطعم الهزيمة

على رغم مظاهر التحشيد والاحتفالات التي عمت ساحات المدن التركية بعد إعلان نتائج الاستفتاء، إلا أن بعض نواب حزب «العدالة والتنمية» الحاكم صاحب مشروع الاستفتاء، وجدو فيه «انتصاراً بطعم الهزيمة»، صحيح أن تحقيق «51 في المئة» يكفي لتمرير التعديلات الدستورية، لكن الصحيح أيضاً أن نسبة رفض التعديلات وهي «48.8 في المئة» تمثل تحدياً، ولها دلالة ومعنى عميق يستوجب أخذه بعين الاعتبار، فالنسبة لن تنهي حالة الاستقطاب والانقسام، ولن تضع حداً للتوترات والتجاذبات بين مؤيدي تغيير نظام الحكم أو الرافضين للتغيير.

ثمة تقارير كشفت عن وجود تيار صامت من «الأقلية» في صفوف حزب «العدالة والتنمية» يمثله شخصيات بارزة وقيادية منهم أحمد داوود أوغلو، وعبدالله غول ممن يعارضون التعديلات بصمت؛ ولكونها لا تضمّن الرقابة والمحاسبة على السلطات التنفيذية، وتسلب السلطة القضائية استقلاليتها على السلطة التنفيذية، كذلك رجح البعض أن الصامتين صوتوا بالرفض ودونما ضجيج، فيما تبدو التحالفات التي عقدها أردوغان مع زعيم حزب «الحركة القومية» دولت بهجلي مثيرة للجدل والشكوك، بشأن ما تضمّنته من اتفاقات جانبية سرية لم يستشار فيها زعماء وقيادات في الحركة، وقيل إن قواعد الحركة وكوادرها وأنصارها خالفت توجيهات القيادة، وصوتت بنسب متفاوتة ضد التعديلات الدستورية.

في كل الأحوال لعب خطاب التحشيد لأردوغان على العوامل النفسية والايديولوجية، وبث الطمأنينة بشأن التعديلات وتأكيد الحاجة إليها لدواعي الأمن والاستقرار وضد المخاطر التي تتهدد تركيا ومصالحها من المتطرفين والإرهابيين، فضلاً عن تأكيد الهوية القومية في مواجهة الغرب الذي وقفت بعض دوله علانية ضد الاستفتاء، ما جعل المشاركة «بنعم» وكأنها واجب وطني، ولهذا أكد الخطاب الرئاسي أن تغير نظام الحكم الرئاسي عوضاً عن النظام البرلماني سيؤدي إلى تقدم تركيا ويحقق الاستقرار والنمو الاقتصادي، ويدفع بمزيد من تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات، كما سيواجه التحديات الأمنية ويضمن استقرار الحكومة، والفصل بحدود واضحة بين السلطتين القضائية والتشريعية، وبالتالي تجنب حكومات الائتلاف الهشة.

تفويض شعبي محدود

أما معارضو التحول للنظام الرئاسي فيخشون ويحذرون من التعديلات الدستورية التي ستقضي برأيهم على العلمانية، وستأخذ الحكم باتجاه سلطة مركزية استبدادية تتوسع معها صلاحيات رئيس الجمهورية بما يرقى إلى حكم الفرد، وستكون السلطة التنفيذية بيده بعد إلغاء منصب رئيس الوزراء، وبالتالي سيمتلك صلاحيات واسعة في اختيار الوزراء وقادة الجيش من خارج التنظيم الحزبي، وتعيين نصف أعضاء المحكمة الدستورية ومحكمة النقض والهيئة العليا للقضاة، وهذا يضعف البرلمان لمحدودية قدرته في سحب الثقة من الحكومة، كما لا يشترط حصولها - أي الحكومة - على ثقة البرلمان، ما يعني افتقاده للضوابط والتوازنات التي تتوافر عليها أنظمة رئاسية عريقة، كالنظام الفرنسي والأميركي، في حين أن احتفاظ الرئيس بارتباطه بحزبه السياسي سيقضي تبعاً للمعارضين على أية فرصة للنزاهة السياسية.

من ناحية متصلة، صحيح أن أردوغان حصل بحسب بعض المحللين من النتيجة على تفويض شعبي، لكنه برأي المعارضين تفويض محدود ومقيد مقارنة بنسبة معارضيه الذين يمثلون «48.8 في المئة» - أي أن قرابة نصف الشعب لم يحصل منهم على تفويض - ولاسيما ان أغلب الأصوات المعارضة للتعديلات جاءت من المدن الكبرى، بما تمثله من ثقل في النشاط الاقتصادي والسياسي، وهي ذات كثافة سكانية «كأنقرة وإسطنبول وأزمير وميرسين»، وخلصوا إلى أن انتصار حزب «العدالة والتنمية» في جوهره انتصار عالي الكلفة، وسيشرع الأبواب لتوسيع قاعدة الخصوم والأعداء ولاختلافات وتعارضات مفتوحة على احتمالات قد ترفع مستوى التصعيد مع الاتحاد الأوروبي.

خلاصة الأمر، تباينت الاعتبارات واختلفت الهواجس بين طرفي المعادلة السياسية بشأن الاستفتاء على التعديلات الدستورية، بيد أن القلق والهاجس الأمني والحاجة إلى الاستقرار الذي يتطلبه الاقتصاد شكلت سبباً رئيسياً لدفع نصف الشعب التركي للموافقة على إجراء التعديلات، فيما دفع نصفه الآخر للتعبير بشكل فاقع عن معارضته وقلقه من تقويض الإرث الديمقراطي ومصادرة الحريات العامة.

ومع التخمينات التي تشير إلى أن أردوغان سيلجأ لخطاب أكثر هدوءاً بعد الاستفتاء؛ إلا أن مؤشر ذلك يبرز النقيض مع تداول الحديث عن إجراء استفتاء آخر بشأن إعادة العمل بعقوبة الإعدام، لاسيما وقد وضع الاتحاد الأوروبي في اعتباره نسب النتيجة مطالباً السلطات التركية «بالسعي للتوصل إلى أوسع توافق وطني ممكن لتنفيذه، وضمانة استقلال القضاء». لاشك في أن التحديات الجيوسياسية كبيرة وتستدعي التنبه من احتدام التوترات والانقسامات، التي ستدخل تركيا في وضع سياسي غير مستقر، وخصوصاً مع اضطرابات الداخل مع الأكراد، وتضييق هامش الممارسة الديمقراطية، وتقليص الحريات وتصاعد التدخل التركي في الأزمة السورية، وتدهور العلاقة مع الاتحاد الأوروبي.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 5338 - الثلثاء 18 أبريل 2017م الموافق 21 رجب 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:00 ص

      قبض الفار شحمة ( وقبض اردوغان زمام الأمور وسلمّها كلها بيده وبإذن الله تركيا ستدخل في متاهات لها اوّل ما لها آخر

    • زائر 1 | 12:47 ص

      هو استفتاء على تسليم زمام الأمور بيد من سيعود الأتراك لعصور العبودية

اقرأ ايضاً