العدد 5344 - الإثنين 24 أبريل 2017م الموافق 27 رجب 1438هـ

أطفال تونسيّون في سجون ليبيا: هذا ما جناه عَليَّ أبي

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

الطفل التونسي براء الزياني (4 سنوات) والطفل التونسي تميم الجندوبي (3 سنوات)، وعشرات آخرون من أبناء من تعلّقت بهم شبهات إرهابية أو انضموا فعلياً للقتال ضمن ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أو غير ذلك، هم معتقلون في السجون الليبية، أو في دور الرعاية دون سند، أو حتى بين عائلات ليبية ترعاهم في انتظار تسوية «ما» لوضعيّتهم. في حين تعيش عائلاتهم في تونس على أمل عودتهم أو استعادتهم بالطرق القانونية والدبلوماسية. وكلما تأخرت هذه التسوية المنتظرة، ازداد حالة هؤلاء الأطفال وعائلاتهم سوءاً في انتهاك صريح لحقوق الطفل. هذا ما جنت السياسة والإرهاب على هؤلاء الأطفال. فإلى متى سيظل هؤلاء عالقين في السجون الليبية؟ إلى متى ستظل الطفولة تستصرخ: «بأيّ ذنب سُجِنتُ؟»

لعلّها من أبرز الملفات الاجتماعية والسياسية الحارقة التي لاتزال الخارجية التونسية عاجزة عن حلّها على رغم العلاقة المتينة والطيبة مع الجارة ليبيا؛ فمنذ سنة تقريباً، وخاصة بعد الغارة الأميركية على صبراطة الليبية (فبراير/ شباط 2016)، طفت على السطح قضية أطفال تونسيين مسجونين مع أمهاتهم في سجون ليبيا، بتهمة انضمام الأم أو الأب أو كليهما إلى تنظيم «داعش» الإرهابي. ولئن لم تولِ الخارجية التونسية الملف ما يستحق من عناية في البداية، بحجة عدم توفّر الأدلّة على وجود أطفال تونسيين في السجون الليبية، فإنّ تحرك المجتمع المدني بتونس ولاسيما «جمعية إنقاذ التونسيين المحاصرين في الخارج» وغيرها من المنظمات الأهلية والإنسانية، قد ضغط على الدبلوماسية التونسية فتحركت أولاً لبحث إمكانية وجود أطفال تونسيين عالقين في السجون الليبية، حتى تأكدت من وجود 24 طفلاً عالقاً ومحتجزاً في الأراضي الليبية، لتبدأ الاتصالات مع الهلال الأحمر الليبي وحكومة فائز السراج، وتشكّل للغرض وفد وزاري تونسي رفيع المستوى (عن وزارات: الخارجية، الداخلية، الصحة، الشئون الاجتماعية، الأسرة والمرأة والطفولة...) للذهاب إلى ليبيا للتفاوض بشأن هذا الملف. غير أنّ الوفد لم يغادر تراب تونس لدواعٍ أمنية تتعلق بليبيا! ما شكّل صدمة لدى الرأي العام التونسي ولاسيما الناشطين الحقوقيين.

ثم كانت المبادرة من رئيسة لجنة شئون التونسيين بالخارج بمجلس الشعب التونسي ابتسام الجبابلي والنائب المنجي الحرباوي، اللّذيْن توجّها إلى التراب الليبي. وعلى رغم الصعوبات، تمكّنا برفقة رجل أعمال تونسي، على علاقة بأصحاب القرار في ليبيا، من زيارة الأطفال التونسيين العالقين في السجون الليبية، وأكّدا أنّ عدد الأطفال التونسيين العالقين في الأراضي الليبية قد وصل إلى 44 طفلاً تونسياً بلا سند عائليّ، منهم سبعة عشر طفلاً من بينهم 7 أيتام يوجدون رهن رعاية الهلال الأحمر الليبي في مدينة مصراطة، و15 طفلاً في سجن معيتيقة محتجزون مع أمهاتهم، منهم من لا يتجاوز عمره الشهر الواحد. وقد سعَيا بكل الجهود لتذليل الصعوبات مع الجانب الليبي، وأكّدا في مؤتمر صحافي عقداه يوم الثلثاء الماضي بتونس أنّهما وجدا تعاوناً من الطرف الليبي، واستعداداً لتسليم هؤلاء الأطفال الذين يشكلون بحسب الطرف الليبي عبئاً مادياً ومعنوياً، فهم كما يسمونهم في ليبيا «أبناء الدواعش» ولكم أن تتصوروا ما تحمله هذه الكنية من دلالات.

وقد أكّد النائب الحرباوي أنّه أبلغ رئيس الحكومة التونسية بفحوى الزيارة الإنسانية، ووعد يوسف الشاهد بتشكيل لجنة حكومية برلمانية ستتجه قريباً إلى ليبيا لتتسلم الأطفال وتسلمهم إلى ذويهم في تونس، وفي حال لم يكن لهم أقرباء تتكفل الدولة برعايتهم. وتسعى الحكومة التونسية بهذه التحركات والوعود إلى التأكيد على دورها في معالجة هذا الملف الضاغط على الحكومة، ليس فقط لطابعه الإنسانيّ؛ وإنما لكونه يتعلق بهيبة الدولة التونسية، فكيف يسجن أبناؤها من الأطفال ومن دون ذنب وهي لا تتحرك بالشكل اللازم والحازم؟

نعم القضية أبعد من مجرد تحركات؛ إذ يبدو وراء هذا الملف غابة ملتفة الأغصان؛ إذ لا نتصور أن الخارجية التونسية لم تعِ من البداية حجم هذا الملف، أو لم تولِه العناية التامة كما يرى بعض المحللين. بل يبدو في الملف عناصر مقايضة بدأ بعض المحللين يفككون شفرتها؛ إذْ كيف يعقل أن يتوقف الوفد الوزاري التونسي فجأة في مارس/ آذار الماضي عن الذهاب إلى ليبيا للمفاوضة بشأن هذا الملف، ثم بعد أيام قليلة يذهب وفد برلماني (اثنان فقط) ليقوم بما عجزت عنه الحكومة؟ كيف يعقل أن يتلكّأ الطرف الليبي في تسليم أطفال لا ناقة لهم ولا جمل إلى ذويهم، والحال أنهم يشكلون عبئاً نفسياً ومادياً عليهم بحسب تصريحاتهم؟

فعلاً يمثِّل هذه الملف المحرج علامة سوداء في تاريخ العلاقة بين البلدين، فهؤلاء الأطفال وجدوا أنفسهم مكرهين في قلب معركة لم يختاروها، وها هم يدفعون ثمن ما لم تقترفه أيديهم البريئة. لكن الخشية كل الخشية أن يقع التلاعب بمصير هؤلاء الأطفال، وأن يقع توظيفهم ورقة ضغط على الحكومة التونسية حيث كشف مصدر برلماني تونسي أنّ هذا التأخير في معالجة ملف الأطفال مرتبط بمدى دعم تونس لحكومة طرابلس في سياق التسويات الجديدة والمبادرات الإقليمية والدولية.

إنّه من العار على العلاقة التونسية الليبية، أن يبقى هؤلاء الأطفال رهينة التجاذبات السياسية بين البلدين، وفيهم من هو في حالة صحية حرجة جداً، بل منهم من اخترقت جسده الصغير رصاصة أو شظية وبقي طريح الفراش، ومنهم من أجريت عليه إلى حد الآن خمس عمليات جراحية من الهلال الأحمر... إنّ الجزئية الإنسانية تفرض نفسها بشدة في هذا الملف الذي نرجو أن يتحرك في أقرب وقت نحو الانفراج.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 5344 - الإثنين 24 أبريل 2017م الموافق 27 رجب 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 4:11 م

      شكرا لهذا المقال فعلا هم بحاجة للمساعدة كان الله في عونهم و عونك أستاذ .

    • زائر 6 | 9:13 ص

      موضوع مثير ومسكوت عنه

    • زائر 5 | 8:18 ص

      نرجو أن يتم حل هذا المشكل بعيدا عن التجاذبات السياسيّة المتعفّنة.......

    • زائر 4 | 7:42 ص

      ربي يفرج كربتهم
      أبرياء ما لهم ذنب

    • زائر 3 | 2:33 ص

      يبدو وراء هذا الملف غابة ملتفة الأغصان؛
      نعم هذا أكيد

    • زائر 2 | 12:44 ص

      إنّ الجزئية الإنسانية تفرض نفسها بشدة في هذا الملف الذي نرجو أن يتحرك في أقرب وقت نحو الانفراج.
      هو كذلك لا بد أن يتحرك أصحاب القلوب الرحيمة لحلحلة هذه المشكل الإنساني.

    • زائر 1 | 9:51 م

      ونحن أبنائنا فى سجون الوطن هذا ماجنته عليه بلادي !!!

اقرأ ايضاً